اللغـو

عباس بيضون
ليس هذا تعليقاً سياسياً، قد يكون لغوياً أكثر، في اللغة هناك اللغو وهو بالتأكيد مشتق من اللغة. ذلك يعني أن اللغة يمكن أن تمرض، أن تخرج عن طورها، أن تفقد الوعي، أن تجن، أن تغدو لغواً. يبدو أن المناسبات السياسية هي أكثر ما يمرض اللغة أو يجننها. لكل مناسبة سياسية لغوها الخاص. الانتخابات البلدية، ونحن أنجزنا اليوم مرحلتها الثالثة، سخيفة. لكن الأنكى أنها تتحول إلى حفلة سخف جماعي. حين غدت معركة مخاتير لم يكن ذلك غريباً، كان هذا مستواها من الأول. حين سمعنا النواب والقادة والرؤساء يتكلمون لم نسمع أكثر من كلام مخاتير. بيع الختم البلدي، المتاجرة بالختم البلدي، ليس شيئاً آخر، انها مسألة ختم في الأساس. أحسب أن السلطة، أياً كان نوعها ليست اليوم أكثر من ختم. لنترك مسألة الختم هذه. القضية لا تستحق، لندخل مباشرة في اللغو.
كل الأطراف أكدت انها ربحت الانتخاب بمقياس ما، كلها أصابت على نحو ما. انه يانصيب ليس فيه (بوش). هناك مقياس للربح والخسارة ضاع تماماً. الآن ومنذ زمن ليس بالقصير فقدت اللغة أقنومين فيها هما الربح والخسارة. تعادلا، صارا واحداً. منذ الآن كل خسارة ربح، اللبناني لا يخسر «الجميع» يلغون بالربح. وقف كل واحد وأثبت بما لا يقبل الشك أنه فاز، الناس متساوون لكن هناك من هم أقل تساوياً. على هذا الغرار، الناس جميعهم فائزون، لكن هناك من هم أقل فوزاً، في الجنة اللبنانية، في اللغو اللبناني ليس هناك بعد خسارة، ترشحوا آمنين.
فجأة وعلى كل لسان، ألسنة المرشِّحين والمرشَّحين (بفتح الشين وكسرها) قالوا الجميع انهم في هذا الاستحقاق في سبيل الإنماء لا السياسة. وقف كل واحد تقريباً وقال الكلمة نفسها انماء. زعماء الأحزاب قالوا إنماء. مرشحو البلدية والاختيارية وخاصة مرشحي العائلات قالو انماء. صار أحياناً مفهوماً ان الأحزاب سياسة والعائلات انماء. مع ذلك حصلت مفاجآت. انقسمت العائلة الواحدة إنماءين، انقسم الحزب الواحد انماءين. الانماء خصب ولود والسياسة ليست كذلك. ظلت المعركة البلدية او المعارك البلدية تمدح الإنماء وتنبذ السياسة إلى ان وقف بعض الخائبين وسألوا: ما هو الانماء؟ لكن اللغو لا يحتاج إلى تعريف ولا يحتاج أصلا إلى معنى. وقف خائبون وقالوا شيئاً أكثر خطورة: الانماء سياسة. لكن ذلك لم يؤثر في الحملة الببغاوية الكبرى. في اللغو الانتخابي. طوال شهرين ليس لنا سوى هذه الكلمة. سوى هذا اللغو، ماذا فعلنا من قبل، لغونا أيضاً، كل مرحلة كان لها لغوها. إذ تروّج أكثر وأكثر، ولخير الجميع، مهنة الببغاوات.
السفير