الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّوريةصفحات العالم

إيران البراغماتيّة وإيران الإيديولوجيّة

حازم صاغيّة
في العام الماضي اقترحت الدول الغربيّة أن تنقل إيران مخزونها من اليورانيوم المتدنّي التخصيب إلى روسيا وفرنسا، على أن تتولّى الأخيرتان تحويله موادّ نوويّة صالحة للاستخدام السلميّ. لكنّ الفكرة هذه، المدعومة من الأمم المتّحدة، ما لبثت أن رفضتها إيران.
الآن تقول طهران إنّها وافقت على فكرة مشابهة حملتها الوساطة التركيّة – البرازيليّة المرفقة بزيارة رجب طيّب أردوغان، رئيس حكومة تركيا، وإيناسيو لولا دا سيلفا، رئيس جمهوريّة البرازيل، إلى الجمهوريّة الإسلاميّة. فقد قال وزير الخارجيّة منوشهر متّقي إنّ بلاده مستعدّة لشحن 1200 كلغ من اليورانيوم المتدنّي التخصيب إلى أنقرة مقابل الحصول على وقود نوويّ سلميّ الاستخدام. ولم تظهر، حتّى اللحظة، تفاصيل عن الاتّفاق الجديد الذي قد يبعث الحياة في جوهر الاتّفاق السابق.
لكنْ، وبالنظر إلى ما اشتُهر به الإيرانيّون من مهارات في التلاعب على الاتّفاقات وعلى الأطراف المعنيّة بها، كما بالنظر إلى قدرة التفاصيل على تعطيل الخطط الإجماليّة، وهو ما حصل مراراً في السابق، يُستحسن التحفّظ والاقتصار على المبادئ والاحتمالات العامّة.
فإذا كانت طهران جدّيّة فعلاً حيال هذا الاتّفاق، فالأمر يعني أنّها فضّلت وساطة بلدين عالمثالثيّين وغير نوويّين على وساطة بلدين غربيّين ونوويّين. وأهمّ من هذا أنّها تكون قد آثرت دعم الخطّ الأوباميّ الرافض للتصعيد إلاّ بوصفه آخر الدواء على حساب الخطّ الإسرائيليّ الذي سارع إلى التوكيد أنّ إيران تناور وتتلاعب بالزعيمين التركيّ والبرازيليّ. وهذه الموافقة ستكون بشارة خير لأنّها تعني، بين ما تعنيه، نزع أحد فتائل، إن لم يكن أهمّ فتائل، الانفجار المتوقّع في منطقة الشرق الأوسط، والذي ستتردّد أصداؤه في العراق ولبنان وغزّة، وربّما أفغانستان، فضلاً عن العصب النفطيّ والماليّ في الخليج.
وسلوك كهذا يفترض بالتالي أنّ طهران غلّبت الخطّ البراغماتيّ الذي ينوي أن يتجنّب تشديد العقوبات على الخطّ الإيديولوجيّ المتطلّب للتصعيد والتوتّر على أعرض رقعة ممكنة. والحال أنّ ثمّة إشارات إلى مثل هذه الغلبة، في عدادها أنّ وزير خارجيّة إيران كان، في الفترة الأخيرة، قد زار الدول الـ15 الأعضاء في مجلس الأمن، الدائمين منهم والمتغيّرين، في محاولة لإقناعها بحلول ديبلوماسيّة تجنّب بلده الكأس المرّة. ويُذكر، في هذا الصدد، أنّ روسيا، حتّى روسيا، سبق أن أعلنت أنّ مبادرة أردوغان ولولا ستكون الفرصة الأخيرة أمام إيران لتجنّب العقوبات.
ومن يدري، فتغلّب الخطّ البراغماتيّ قد يفتح أمام إيران طريقين هي في أمسّ الحاجة إليهما:
واحدة تتصالح بها مع معارضتها الداخليّة المستاءة، بين أمور أخرى، من الغلواء الايديولوجيّة لمحمود أحمدي نجاد،
وثانية تتصالح بها مع طموحاتها الإقليميّة التي لم تكتم التعبير عنها، بعد أن يصار إلى مزاوجة هذه الطموحات مع الحاجة إلى الاستقرار في أكثر من منطقة تعني إيران.
أمّا إذا لم تكن الأخيرة جدّيّة هذه المرّة، فالمعنى أنّ الغلبة كُتبت نهائيّاً للجموح الإيديولوجيّ الذي سيدفع ثمنه الإيرانيّون وشعوب المنطقة، فيما سيتباهى الإسرائيليّون بأنّهم وحدهم من «يفهم هذه المنطقة» الملعونة.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى