الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّوريةصفحات العالم

ماذا حلّ بـ “الدهاء الفارسي”؟

سعد محيو
الدهاء الدبلوماسي الفارسي الشهير جاء متأخراً هذه المرة . متاخراً كثيراً في الواقع .
فصفقة نقل اليوارنيوم التي أبرمتها إيران مع البرازيل وتركيا، كانت يجب أن “تُباع” إلى روسيا، التي قدمت عرضاً لطهران في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي مطابقاً تماماً للصفقة المُبرمة . وهكذا، أثارت طهران حنق روسيا، في وقت حرج للغاية هي في أمسّ الحاجة إلى صوت الفيتو الروسي في مجلس الأمن (وهذا ما لا تملكه لا أنقرة ولا برازيليا) .
ثم إن الدهاء الإيراني لم يثبت براعته المعهودة، حين ترك الولايات المتحدة “تستفرد” بالصين، القوة الدولية الأولى الداعمة لطهران . وبالتالي، تمكّنت واشنطن، وبفضل التصلّب الإيراني، من انتزاع موافقة بكين على قرار العقوبات .
صحيح أن الصين نجحت في اقتلاع بعض المخالب الأمريكية الحادة من مشروع القرار، مثل البنود التي تدعو إلى الحد من الاستثمار في قطاع النفط الإيراني، وإلى اتخاذ إجراءات كاسحة ضد القطاع المالي الإيراني . لكن الصحيح أيضاً أن باقي سلسلة العقوبات تبدو مهولة بالفعل، وكانت أشبه بإنذار نهائي إلى طهران .
فالبند الأول في القرار يقول إن مجلس الأمن “يُشدّد على أن إيران أخفقت حتى الآن في الوفاء بمتطلبات مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية والامتثال لقرارات مجلس الأمن” . والبند الثاني والثالث يعلن أنه “يجب على إيران أن تتخذ الخطوات المطلوبة من وكالة الطاقة الذرية من دون إبطاء”، والرابع والخامس يطلب من المدير العام للوكالة التواصل مع مجلس الأمن في شأن تطبيق الرقابة على إيران . والسادس ينص على أنه يجب على إيران عدم بناء “أي منشأة نووية”، والسابع يمنع إيران من الاستثمار في أي نشاط تجاري يتعلق باستخراج اليورانيوم والتكنولوجيا المتعلقة بالصواريخ الباليستية، والثامن يقول إن “كل الدول يجب أن تحول دون التزويد والبيع والنقل المباشر أو غير المباشر، لأي دبابات قتالية وعربات قتالية مصفحة، وأنظمة مدفعية كبيرة، وطائرات مقاتلة، وطائرات هليكوبتر هجومية، وسفن حربية، وصواريخ، وأنظمة صاروخية” . والتاسع ينص على أنه يجب على إيران “ألا تقوم بأي نشاط مرتبط بالصواريخ الباليستية القادرة على نقل الأسلحة النووية” .
كما هو واضح، العقوبات الجديدة، والتي ستكون الرابعة من نوعها في حال إقرارها، هي بمثابة إعلان حرب اقتصادية حقيقية على إيران . هذا ناهيك عن أنها تستهدف تطويق هذه الأخيرة بزنّار نار سياسي ودبلوماسي، عبر حرمانها من غطاء الدولتين الكبريين روسيا والصين .
لا بل أكثر . نقلت “هآرتس” عن مسؤول أمني “إسرائيلي” رفيع تشبيهه هذه العقوبات بتلك التي فُرِضت على العراق عشية غزوه العام ،2003 من حيث كونها مجرد جهد أمريكي لإزالة العقبات الدولية أمام هذا العمل العسكري .
ماذا في وسع طهران أن تفعل الآن؟
أمامها أقل من شهر (هو الموعد الذي حددته واشنطن لتمرير العقوبات) لتقرر . فهي إما أن توسّع صفقة اليورانيوم مع البرازيل وتركيا لتُرضي على الأقل الصين وروسيا وتنقذهما من الضغوط الأمريكية، وإما أن تدفعها نشوة هذه الصفقة إلى الاعتقاد بأن النظام العالمي الجديد ولّى، وانقضى أمر النظام العالمي الأمريكي .
وفي حال انحازت طهران، انطلاقاً من تفكير رغائبي، إلى الخيار الثاني، فهذا سيُثبت أن ثمة خللاً حقاً ما في منظومة الدهاء الفارسي الشهير .
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى