ساطع نور الدين
عندما وافقت ايران على تسليم تركيا اليورانيوم المخصب الذي أنتجته في مفاعلاتها التجريبية لمبادلته بيورانيوم عالي التخصيب من الغرب لزوم مفاعل طهران العلمي، ازيحت غيوم الحرب الاسرائيلية التي كانت تتلبد في سماء لبنان، لكنها لم تتبدّد نهائياً.
القرار الايراني المدوّي يحقق بلا ادنى شك المزيد من الفصل بين الملف النووي الايراني وبين مقاومة حزب الله وتسلحه، ولكونه في نظر الاميركيين والاسرائيليين مجرد اداة ايرانية.. هذا الفصل كان مستحيلاً في تموز العام 2006 عندما شنت اسرائيل الحرب على لبنان ومددتها لاربعة اسابيع متواصلة باوامر مباشرة من واشنطن التي كانت تريد معاقبة طهران على رفضها، قبل اسابيع من اندلاع تلك الحرب، عرض الحوافز الغربية الشهير، مقابل التخلي عن برنامجها وحقوقها النووية.
آفاق التفاوض الواسعة التي فتحتها طهران مع الغرب، لا تعني بالضرورة انها تخلت عن تلك الحقوق او انها ستتخلى عن حلفائها. لكن المفاوضات الآتية لن تستثني امراً، علما بان الايرانيين كما يبدو توصلوا الى استنتاج بان طموحاتهم النووية والاقليمية تفوق قدرتهم على الصمود. وهذا هو الجوهر الأهم لاتفاقهم مع تركيا وقبولهم بان تتم مبادلة اليورانيوم خارج ارضهم وبشكل غير متزامن كما كانوا يصرّون.
وفي سياق هذه العملية التفاوضية الحرجة، لن يكون من الصعب على ايران ان تقنع الأميركيين ان حزب الله هو بالفعل ظاهرة مقاومة وطنية لبنانية لا تأتمر بأوامر طهران، لكنها يمكن ان تنضبط بقواعد وضرورات التحالف معها، وهذا ما يكفي لترسيخ حالة الانضباط التي شهدتها الجبهة اللبنانية على مدى السنوات الاربع الماضية، والتي لم تكن تنفيذاً للتعمليات الايرانية بقدر ما كانت ترجمة للمعطيات الميدانية والتقديرات السياسية المحلية التي يعتمدها الحزب نفسه.
لكن للحرب ديناميات اخرى، أهمها في هذه اللحظة الموقف السوري الذي كان خارج اتفاق طهران النووي، وما زال يستند الى تقديرات سابقة لتوقيعه. وهو يبدو متمرداً على كل ما حوله، ليس فقط على الأعداء وانما ايضاً على الحلفاء القدماء والجدد، وبينهم تركيا ايضاً، الذين يجنحون نحو سلوك طرق أكثر واقعية في التعاطي مع الغرب، وفي مقاربة القضايا الحساسة التي أثيرت في وجههم على مدى السنوات القليلة الماضية.
كما ان ثمة دينامية اخرى للحرب تكمن في قوة الحزب نفسه وفي تسلحه الذي اختبرت بعضه اسرائيل وادركت انه سلاح مقاتل وموجع عند الضرورة.. التي قد لا تكون بارادة الحزب، بل بارادة طرف ثالث يمكن ان يشعل الحرب في اي لحظة، ويورط الجانبين فيها ويفجر تلك الجبهة المتوترة حالياً الى الحد الاقصى، التي تترقب موعد تطاير الصواريخ والغارات العابرة للحدود.
موقف طهران يبعد خطر الحرب لكنه لا يزيله تماماً، لا سيما وان الايام المقبلة ستثبت ان اسرائيل هي الطرف الأشد تضرراً من ذلك الانفتاح الايراني على اميركا وعلى الغرب، الذي يفقدها الكثير من الحجج والادوار.. ويمكن ان يدفعها الى الاعتراض والتخريب والتعطيل.
السفير