بوابات التاريخ.. هل تفتح أبوابها لحرب وشيكة في المنطقة؟
نبيل الملحم
بين :’ تقع الحرب’، أو ‘لا تقع الحرب’، مسافة واحدة تتقاطع في نقطة الصفر ما يذكرنا بمعتقدات التاو، الذين يرون أن الخير والشر يتقاطعان عند ذات النقطة باعتبار الخير لا نهائي والشر كذلك، وكلاهما متعاكسان يلتقيان في الصفر.
المبعوث الاممي آنخيل موراتينوس، الاسباني (ولا شك بأنه من أصول اغريقية)، يحمل الى سورية تطمينات من شمعون بيريس بأن :’ الحرب لن تقع’، ودبلوماسيون غربيون، وخصوصا بريطانيون، ينقلون رسائل الى سورية مباشرة أو عبر اطراف ثالثة، تفيد بأن الحرب واقعة و’لا ريب فيها’، ومايكتبه المعلق الاسرائيلي لصحيفة ‘يديعوت احرونوت’ آليكس فيشمان عن صاروخ ام 600 باعتباره DNA الحروب المقبلة يجعلنا نعود الى ذات صفر التاو حيث استحالتين تلتقيان في الصفر، ما يعني ديمومة اللاحرب واللا سلم، أما المناورات الاسرائيلية الاخيرة، وفيها من الكوميديا ما فيها من التراجيديا، فقد حسبت لكل شيء، بما في ذلك اعداد مسرحية يأخذ فيها رئيس الاستخبارات الاسرائيلية آهرون زئيفي دور محمود أحمدي نجاد فيما يذهب الدبلوماسي المخضرم دان كيرتسر الى أخذ دور باراك أوباما، والمحصلة:
– لعبة الحرب.
لعبة اما أن تكتفي بمشاهد يخرج من كرسيه عائدا الى حديقة منزله وشتلات وروده، واما ان ينتهي نحو فوهة المقبرة التي تفتحها الحرب اذا ماوقعت وعلى طرفي جهات مقابر الاطراف المتحاربة.
لما كتبه آليكس فيشمان، أهمية، ربما تعلو على الكثير من القراءات التي قدمت حول ‘لعبة الحرب’، فقد أخبرنا المعلق الاسرائيلي، معلومات عن الصواريخ (السورية) بما يزيد كثيرا عما نعرفه، وهي صواريخ متوفرة لدى حزب الله حسب المعلومات الاسرائيلية، فحسب مايقول الرجل، فان صواريخ ام 600 ليست مجرد إضافة عادية لترسانته، و ليس مقذوفة صاروخية بل سلاحا أكثر دقة ونجاعة بكثير، وهو ذو قدرة استراتيجية بمعايير الشرق الاوسط.
المعلق الاسرائيلي سيزيدنا علما، بأنه اذا ما رغب حزب الله في الحرب المقبلة بضرب مقر هيئة الأركان في وزارة الدفاع في تل أبيب، فإن بوسعه ان يفـــعل ذلك.
وبالتأكيد سيكون هذا بمقدور السوريين الذين أغفلهم المعلق الاسرائيلي من حساباته. آليكس فيشمان يذهب لمقارنة مع حرب 2006 ليقول: هذه القدرة لم تكن بحوزته (قاصدا حزب الله) ، مميزا مابين صاروخ ‘زلزال’ والمقذوفات الصاروخية السورية المتوسطة وبين ام 600.
كلام فيشمان، سيقودنا الى التيقن من أن تهديدات حزب الله لاسرائيل، وكلام السيد حسن نصر الله، كما كلام القيادات السورية، ليس جزءا من الحرب السيكولوجية فحسب، وانما سيكون لهذا الكلام وقعا آخر في حسابات السلام والحرب، اذا ما أضفنا أن الترسانة الصاروخية السورية ستمتلك أضعاف مايمتلك حزب الله، مع التأكيد انه اذا ما اتجهت الحرب نحو لبنان، فلن تقف سورية مكتوفة اليدين، وكل المعلومات تقول بأن الشراكة السورية مع حزب الله في حربه ستنتقل من الدعم اللوجستي الذي قدمته سورية عبر العقود الثلاثة السابقة، الى الشراكة العسكرية المباشرة هذه المرة، ما يعني أن الصواريخ ستهطل بغزارة فوق قيادة الاركان الاسرائيلية، وستأخذ بطريقها تجمعات سكانية أساسية في اسرائيل بدءا من المدن الرئيسية مرورا بالمستوطنات، وليست المفاعلات النووية الاسرائيلية بمأمن من هذه الصواريخ، ما يعني أن لعبة الحرب اذا ما حدثت فلاشك بأنها ستغير الكثير من المنطقة، وليس بوسع الاسرائيلي سوى اللجوء الى قنابله القذرة مع الأخذ بالاعتبار أن الرياح لن تقف على الحياد، وهو خيار على الاسرائيلي اعتباره ، مايعني اعلان قيامة المنطقة تسريعا لظهــــور ‘الماشــــيح’ المنتظر، وهذا بلا شك سيخدم الايرانيين الذين ينتظرون (مهديهم) ، وسيبدو محمود احمدي نجاد متلهفا لهـــكذا نتيــــجة ، فكلاهما في الكنيس وفي الحوزة بانتظار هذه اللحظة، وعلى العلـــمانيين الاسرائيليين الرحيل نحو متاهة جديدة، دون اغفال أن نصف مليون من علمانيي اسرائيل سيرحلون تحسبا الى أن حرب ظهور ‘الماشيح’ ليست شاغلهم، فهؤلاء ومعظمهم من الآتين الى دولة الرفاه، لن يقفوا طويلا في طوابير انتظار وعود الالهة.
حرب تقع، لن تماثل الحروب السابقة، هذه حقيقة يقولها الاسرائيليون، وباتوا متأكدين منها ما بعد تموز/يوليو 2006 ، ومع ذلك يهمس بريطانيون ضالعون في القراءة السياسية في أذن السوريين قائلين:
– الحرب بين إسرائيل وحزب الله ‘أمر محتم وقوعه هذا العام’.
وثمة من يذهب في تحديد التوقيت أكثر:
‘- أواسط حزيران / يونيو القادم’.
ثم يعدلون معلوماتهم ليقولوا:
‘- في الفترة الواقعة ما بين أواسط أيلول / سبتمبر وكانون الأول / ديسمبر القادمين .
وثمة من يضيف الى الموعـــدين قراءته ، محيلا احتمالات الحرب الى بوابات التاريخ، دون أية حسابات لنتائج الحرب، وهذا واحد من المواقع الالكترونية ينقل عن دبلوماسي بريطاني قوله: ‘في رأيي سيكون للعامل الشخصي دور كبير في هذه الحرب أكثر من جميع الحروب العربيةـ الإسرائيلية السابقة . فكل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو و زعيم حزب الله يريد أن يدخل التاريخ من بوابته الخاصة ولأسبابه الخاصة’
شمعون بيريس، الدور الأول، والشخص الثاني في اسرائيل منذ ولادته وحتى اللحظة، ربما يكون اكثر هدوءا في التعاطي مع بوابات التاريخ وبالتالي احتمالات الحرب، فالرجل الذي قرأ الشرق الاوسط الجديد، وأطلق تأملاته في اعادة هيكلة هذا الشرق، سيعرف بوضوح أن الحرب ليست الطريق الأكثر نجاعة في تحقيق دور: ‘تل أبيب المركز’ انطلاقا من سبطانة الدبابة.. الرجل يعرف بوضوح أن القنابل البشرية، واسطول اليأس وحاملي الأكفان العرب، ستقود اسرائيل الى متاهات لا حصر لها، ويعرف ربما اكثر من غيره من الاسرائيليين بأن الطريق الواحد الآمن لاسرائيل في تعزيز فرصها مع المنطقة، هو اختيار السلام مع سورية أولا، واذا لم يكن هذا الطريق، فمجموع الاحتمالات تقود نحو:
– متاهات اســــــرائيلية جديدة، أقلها مما يبــــدو في الافق:
دمار متبادل، لن يكون لاسرائيل طاقة على احتمال نتائجه.
العناد السوري، ربما هو ناتج هكذا قراءة، فالسوريون باتوا قادرين اليوم على ترجمة الخيال الاسرائيلي كما على حسابات نتائجه.
‘ كاتب صحافي سوري
القدس العربي