صفحات ثقافية

ماذا فعلوا بترجمة كاداريه؟

null
اسكندر حبش
عرفت المكتبة العربية، في نهاية ثمانينيات القرن المنصرم وبداية التسعينيات، موجة ترجمة، يمكن أن نسميها «موجة إسماعيل كاداريه». أقصد أن الكاتب الألباني، عرف قارئا جديدا، هو القارئ العربي – (وبعيدا عن درايته بالأمر أم لا، أقصد قضية حقوق الترجمة وما شابه) – الذي اكتشف هذه القامة الوارفة في الأدب العالمي المعاصر، عبر ترجمات متعددة، توزعت ما بين بيروت ودمشق، بشكل أساسي.
بالتأكيد، أتت الترجمات اللبنانية، بعد النجاح الذي عرفه الكاتب الألباني في فرنسا، أي كان لحضوره الفرنسي السبب الرئيس في دفع الدور اللبنانية إلى استغلال هذه اللغة الوسيطة، لنقل بعض أعمال الكاتب إلى العربية. بينما على الطرف الآخر، نجد أن الترجمات في دمشق، سبقت الترجمات اللبنانية بسنين عدة، وكانت من دون أي لغة وسيطة، أي من الألبانية مباشرة قام بها محمد أرناؤوط، حيث لا يمكننا أن ننسى روايتي «جنرال الجيش الميت» و«الحصن» (اللتين صدرتا عن منشورات وزارة الثقافة في سوريا) بينما جاءت الترجمات في لبنان عن عدد من الدور منها «الآداب» حيث قرأنا «طبول المطر» و«من أعاد دوروتين» (على سبيل المثال لا الحصر)، وعن منشورات الفارابي جاءت رواية «قصر الأحلام» بالإضافة إلى رواية «نيسان مقصوف» عن «دار المطبوعات الشرقية» (وهي دار أوقفت نشاطاتها منذ فترة طويلة).
منذ تلك الفترة، يمكن القول إن إسماعيل كاداريه غاب عن القارئ العربي، أي إننا لم نعد نجد ترجمات جديدة لكاداريه (على الأقل في بيروت، إذ يمكن أن تكون هناك ترجمة ما في عاصمة أخرى لم نستطع الاطلاع عليها). من هنا، أريد أن أقول، إني شعرت حقا بفرحة حقيقية حين رأيت كتاب «الحصار» للمؤلف عينه، بترجمة عربية صدرت حديثا عن «الدار العربية للعلوم ناشرون» بالتعاون مع «مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم». فرح مرده، بشكل أساس، لكوني لا أعرف هذه الرواية، ولم أقرأها في أيّ لغة أخرى، أي أني أستطيع أن أردم هذا الجهل الصغير. ولأسارع إلى القول إني حين بدأت القراءة، لم أنظر كثيرا لا إلى الغلاف، ولا إلى المعلومات الداخلية الواردة عادة في الصفحات الأولى. كذلك قفزت عن المقدمة، قائلا سأعود إليها في وقت لاحق أي بعد انتهائي من الرواية.
لم تمض على قراءة سوى صفحات قليلة، حتى أحسست أنني أعرفها، أي سبق لي أن قرأتها. بسرعة اكتشفت أنها الرواية عينها التي سبق أن صدرت بعنوان «الحصن» (وهو العنوان الأصلي بالألبانية) وهي أيضا الرواية عينها التي صدرت في ما بعد عن «دار الآداب» بعنوان «طبول المطر» (إذ أن الترجمة الفرنسية كانت بعنوان (Les tambours de la pluie). إذاً هي «ترجمة» جديدة لرواية سابقة. لغاية الآن ليس في الأمر أيّ غرابة، إذ نعرف أن العديد من الدور تعيد إصدار ترجمات متعددة لبعض الكتب المعينة، (وإن كنت أجد أن في الأمر مضيعة للوقت، بمعنى أنه ثمة الكثير من الكتب التي تنقصنا والتي يجب أن نترجمها بدلا من ترجمة الكتاب عينه مرات عدة).
عندها توقفت عن القراءة حيث نظرت إلى الغلاف. وهنا تبدأ الأزمة (أو الفضيحة إذا أردتم). على الغلاف وتحت صورة واسم كاداريه نقرأ العبارة التالية: «الفائز بجائزة بوكر الدولية للرواية لعام 2005». تعالوا لنتفحص هذه الجملة. إن كان المقصود أن رواية «الحصار» هي التي حازت الجائزة المذكورة، فثمة «ضحك» على القارئ. أولا لأن الرواية صدرت بطبعتها الأصلية العام 1970، أي ثمة أكثر من خمس وثلاثين سنة، تفصل ما بين الصدور وما بين ادّعاء الحصول على الجائزة. ثانيا نحن نعرف أن كاداريه يكتب بالألبانية بينما جائزة «بوكر» هي جائزة بريطانية ولا تمنح إلا لرواية مكتوبة بالانكليزية. أضف إلى ذلك أن هذه الجائزة لا تمنح لمؤلف عن أعماله، بل تمنح لرواية واحدة تكون صدرت في بحر العام. الإبهام التي وقعت فيه الدار هو التالي: لقد حاز كاداريه العام 2005 جائزة ( Man Booker International Prize )، أي ثمة فرق بين التسميتين وبالتالي بين الجائزتين.
من ناحية أخرى، استوقفني اسم المترجم محمد درويش، وهو يترجم عادة عن الإنكليزية، إذ كل الكتب التي سبق لي أن قرأتها للمترجم كانت عن الانكليزية. أقول استوقفني ذلك، لأني سرعان ما اكتشفت على الصفحة الداخلية العبارة التالية: «يتضمن هذا الكتاب ترجمة النص الأصلي الفرنسي Les tambours de la pluis» (ويمكن لنا أن نتغاضى هنا عن الخطأ اللغوي في كلمة «مطر» بالفرنسية، لنقل إنه خطأ مطبعي كي لا نكون سيئي النيّة إلى هذا الحدّ). لكن ما لم أفهمه، كيف يمكن لهذا الكتاب أن يتضمن «ترجمة الأصل الفرنسي» في حين أن كاداريه كما أسلفنا يكتب بالألبانية؟. لنقل إن المقصود كان أن الترجمة الحالية هي ترجمة للنص الفرنسي «طبول المطر»، وهذا إبهام آخر، كان من المفروض على الدار أن تنتبه له.
أمر ثالث يستوقفنا: على الغلاف الأخير نجد صورة لغلاف الكتاب «بالأجنبي»، كما من المفترض أن يكون. لكننا سرعان ما نكتشف أنه غلاف الأعمال الكاملة لكاداريه الصادر بالفرنسية، أي لا علاقة له بالنص المعني.
أمور تستوقف فعلا، ولا بدّ أن تقود فعلا إلى طرح السؤال التالي: ماذا نريد حقا من الترجمة، إذ كانت تدفعنا إلى الاعتقاد إنها محاولة «لاستغباء» القارئ؟ أعتذر عن هذه الكلمة ولكني فعلا لا أجد كلمة أخرى. أمام ذلك كله، كيف يمكن لنا أن ندخل بعد إلى «الترجمة»؟
ليس ما تقدم رغبة في إثارة فضيحة ما. بل ملاحظات عابرة أتمنى أن يتسع لها صدر الأصدقاء في الدار وبخاصة أنها من الدور التي نحب والتي تعنينا فعلا.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى