قتل العدالة في روسيا
فاتسلاف هافيل، ديزموند توتو وريتشارد فون وايتساكر
كانت وفاة إدوارد شوفاشوف، القاضي الذي قُتِل بلا رحمة في الثاني عشر من إبريل/ نيسان في موسكو، بمثابة جريمة أخرى في قائمة طويلة من جرائم القتل التي ارتكبت بحق هؤلاء الذين كان همهم الأول والأخير تحقيق العدالة لضحايا الجرائم في روسيا وهي المهمة الأساسية التي لا غنى عنها من أجل تنمية المجتمع الروسي في المستقبل .
في داخل السلطة القضائية الروسية، كان شوفاشوف أحد القضاة النادرين الذين يتمتعون بالشجاعة الكافية لإصدار أحكام ضد مسؤولي الحكومات المحلية وكبار الضباط في وزارة الداخلية، حتى إن الجرأة بلغت به حد إصدار أحكام بالسجن ضد عدد منهم . ومؤخراً، تحدى شوفاشوف التهديدات التي وجهت ضد حياته وأصدر أحكاماً بالسجن في حق أعضاء مجموعة بغيضة من النازيين الجدد في موسكو .
كانت الصحافة الغربية، حتى وقتنا هذا، تصف فترة ولاية الرئيس ديمتري ميدفيديف بزمن التحرير، فهي الفترة التي شهدت مبادرة الحكومة الروسية إلى تخفيف قبضتها الاستبدادية على المجتمع، حتى إن بعض المراقبين زعموا أن عصراً جديداً من البرويستريكا (الإصلاح وإعادة البناء) على وشك أن يبدأ في عهد ميدفيديف .
ولكن نمط الاغتيالات الموجه ضد “مثيري الشغب” الروس، والذي بدأ منذ عدة سنوات بمقتل خبير حقوق الإنسان نيكولاي جيرينكو والصحافية آنا بوليتكوفسكيا، لم يتم التعامل معه على النحو اللائق قط . بل إن عام ،2009 وهو العام الثاني للرئيس ميدفيديف في منصبه كرئيس لروسيا، شهد سلسلة مروعة من أعمال القتل هذه .
في بداية عام 2009 كان كل من ستانيسلاف ماركيلوف، وناتاليا استيميروفا، وماكشاريب أوشيف، وإيفان خوتورسكي، على قيد الحياة، وكانوا عازمين على تحسين سجل حقوق الإنسان في روسيا وفضح الحقائق بشأن الانتهاكات والتجاوزات . فكان ماركيلوف، وهو محام مخضرم، يتولى بشكل روتيني قضايا حقوق الإنسان التي لم يكن أحد غيره ليقبلها . وفي كثير من الأحيان كانت القضايا ترتبط بالحرب والعنف الدائر في الشيشان أو إرهاب النازيين الجدد المتنامي في شوارع موسكو وسانت بطرسبورج وغيرهما من المدن الروسية .
أما استيميروفا، وهي واحدة من أهم الناشطين في الشيشان فقد عملت لصالح جماعة ميموريال (Memorial) التي أخذت على عاتقها إبلاغ الروس بحقيقة تاريخهم الحديث، والتحقيق في حالات الاختطاف والقتل . والواقع أنها كانت من بين أهم مصادر المعلومات حول الموقف في الشيشان .
وكان أوشيف صحافياً وواحداً من رواد المعارضة في انجوشيا، ولقد تكفل بإدارة موقع إخباري محلي شديد التأثير في شبكة الإنترنت بعد مقتل ماجوميد يفيلوف رمياً بالرصاص أثناء احتجاز الشرطة له في عام 2008 . وكان خوتورسكي من كبار الناشطين المناهضين للفاشية في موسكو، وكان مسؤولاً عن تنظيم الأمن في الحفلات الموسيقية التي كانت تقام لدعم مناهضة الفاشية، كما تولى تنظيم الأمن في المؤتمرات الصحافية التي عقدها ماركيلوف . بيد أن كل هؤلاء اغتيلوا ولم يتمكنوا من إتمام عملهم .
ونحن نحث الحكومة الروسية على كسر هذه السلسلة من المآسي الإنسانية وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح . فحين تسمح روسيا بقتل الناس الذين لا تحركهم أي أهداف أو دوافع غير الحفاظ على كرامة الإنسان، فإنها بذلك تخسر أي أمل في مستقبل أفضل . والواقع أن السلطات الروسية فشلت، على أفضل تقدير، في المهمة المركزية التي يتعين على أي حكومة أن تضطلع بها: ألا وهي حماية الأرواح والسلامة البدنية لجميع مواطنيها . ولكي يزداد الطين بلة فإن كل جرائم القتل هذه لم تخضع لأي تحقيق لائق، ولم يقدم أي من الجناة إلى العدالة .
والواقع أن الإفلات من العقاب على هذا النحو يعمل على إيجاد جو يدعو عملياً إلى استمرار هذه الهجمات . ومزاعم تورط قوات الأمن الروسية في بعض هذه الحالات تظهر المدى الذي بلغته هذه المشكلة من الخطورة . لذا فمن الأهمية بمكان أن يتم التحقيق في هذه الاتهامات إذا كان الرئيس ميدفيديف راغباً بالفعل في تأسيس مجتمع قائم على حكم القانون، وإذا لم تكن مزاعمه في هذا السياق مجرد عبارات جوفاء . وكلما أثبتت السلطات عزمها على حماية جميع المواطنين، تعزز استعداد المجتمع الدولي للتعاون البناء مع روسيا .
إننا نطالب رئيس الاتحاد الروسي ونحث الحكومة الروسية على حماية الأشخاص المعرضين للخطر وضمان سرعة وفاعلية التحقيق في جرائم القتل التي ارتكبت بحق الناشطين في مجال حقوق الإنسان، والصحافيين، وذوي الفكر المستقل من العاملين في ساحة القضاء والعدل . ويتعين على الزعماء السياسيين أن يرفعوا أصواتهم في المطالبة بوقف هذه الجرائم البشعة، وأن يؤكدوا على الخطر العظيم الذي يهدد صحة المجتمع الروسي والدولة حين يُقتَل الأشخاص الذين يعملون لتحقيق الصالح العام من أجل إخراس أصواتهم . ويتعين على المجتمع الدولي أن يعمل على إيجاد السبل الكفيلة بتوفير الدعم والحماية والملاذ للمدافعين عن حقوق الإنسان الذين باتوا عُرضة لخطر داهم في روسيا .
* المقال ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت”.