الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّوريةصفحات العالم

إيران: تجميد التغيير من دون إجهاضه

حسام عيتاني
لم يتسم العام الأول من الولاية الثانية للرئيس محمود أحمدي نجاد بتغيير كبير في سياساته. بل يمكن القول إن العام هذا هو عام ترسيخ السياسات القديمة وعدم الإقدام على حلول للمشكلات الداخلية والخارجية.
ومنذ انتخابات الثاني عشر من حزيران (يونيو) من العام الماضي، بدا أن المصالحة بين الفائزين والخاسرين في صناديق الاقتراع ليست مطروحة على جدول الأعمال، وان الفكرة ذاتها لا تنتمي إلى أدوات عمل احمدي نجاد وفريقه، في حين أن الطرف الآخر معفيّ من السعي الى المفاوضة خشية اعتباره علامة على الوهن والخوف. قال المحافظون الفائزون، ومعهم قادة الحرس الثوري، إن الإصلاحيين يمثلون حالة خارجية دفعتها دوائر الاستكبار والاستخبار على إيران، لتفعل فعلتها بالاعتراض على نتائج فرز الأصوات. والتشكيك في نزاهة الحكم، من أنّى جاء، لا يصب إلا في مصلحة الشياطين التي تتربص بإيران الدوائر.
تفاقمت، في العام الماضي، الأزمة الاقتصادية في إيران حيث يتوقع أن تؤدي الخطط الحكومية التي تدخل حيز التنفيذ في وقت لاحق من العام الحالي لرفع الدعم عن عدد من السلع الأساسية، إلى احتجاجات واسعة، على رغم الحقيقة القائلة إن حجم الدعم الهائل بات عبئاً لا يطاق على موازنة الدولة. وتنفق إيران مئة بليون دولار سنوياً، أو ثلث إجمالي الناتج المحلي لدعم الوقود والغاز والكهرباء والغذاء. وتقدير حجم التضخم يترواح بين 11 في المئة بحسب أرقام المصرف المركزي و23 في المئة وفق أرقام مجلس الشورى (النواب). أما خطط الخصخصة فتشير إلى نوايا الحرس الثوري الاستحواذ على المؤسسات العالية الأرباح على النحو الذي جرى مع شركة اتصالات إيران التي عرضت هيئة الخصخصة خمسين في المئة من أسهمها للبيع فتقدمت مجموعة «موبين» التي يديرها الحرس واشترت الأسهم.
والأرجح أن شراء الحرس أصول وأسهم الشركات الكبرى ظاهرة طويلة الأمد، ترتبط بالموقع الذي قرره الحرس لنفسه في السياسة الإيرانية، حيث ظهر في الأشهر التي أعقبت الأزمة أنه هو الممسك الحقيقي بزمام الأمور وأن أحمدي نجاد والمرشد آية الله علي خامنئي شركاء له.
وإذا كانت المصالحة غير مطروحة طالما أن أحد طرفي الأزمة لا يعترف بوجودها وليس على استعداد لتقاسم حصته من السلطة مع الخاسرين، يكون البديل الوحيد إسراف الفائز في ممارسة مظاهر الفوز من خلال رفع مستوى الضغط على الخاسرين ومحاكمة قادتهم وإعدام بعض ناشطيهم ومصادرة صحفهم، بعدما شهد العالم السهولة التي يُقتل فيها المتظاهرون في الشوارع. ولا يكون من وسيلة أمام الخاسرين سوى الانكفاء والقبول بالأمر الواقع في وقت لا يزال شبح الدمار والفوضى العراقيين يحوم فوق المنطقة كلها، وفيما انجلت صورة الفوارق الاجتماعية بين المدن من جهة، والأرياف والضواحي الفقيرة، من الجهة المقابلة، عن ميل الاخيرة إلى خطاب أحمدي نجاد المستعين بالإيمان الشعبي وبنوع من المساواتية المبتذلة. ولم يكن غريباً أن تتبع موجات استعطاف الفقراء وجذبهم موجة تذكر بغربة حسين موسوي عن المجتمع الإيراني، بحسب ما رمى معدو شريط ساخر يتناوله وزوجته وهما يتحدثان بلكنة أهالي آذربيجان التي يتحدران منها.
لكن المشكلات الاقتصادية وعسكرة الحكم المتزايدة ليست هي مصاعب إيران الأكبر، إذ تبين في العام الفاصل بين الانتخابات الرئاسية وذكراها الأولى أن الانشقاق الداخلي بين أجنحة النظام، تجاوز المسائل التقليدية القائمة منذ أيام آية الله الخميني بين «يسار» و «يمين» إسلاميين يتنافسان تحت سقف النظام وفي خدمة مصالحه. بل ظهر أن التيار المحافظ (اليميني) بات على استعداد لإقصاء شركائه في الحكم وانكار تاريخهم في تأسيس «الشرعية الثورية» التي يستند النظام إليها، بل على استعداد للذهاب إلى استفزاز قوى وشخصيات مثل الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني لدفعها إلى معسكر أعداء المحافظين القابضين على السلطة. وظهر أيضاً ان الإصلاحيين (اليساريين السابقين) الحريصين على الالتزام بـ «الخط الحقيقي للإمام الخميني»، أقاموا فاصلاً بين الخط ذاك وبين المجموعة الحاكمة الحالية.
وأهمية الخطوة هذه يمكن إيجازها في أن الاصلاحيين أقاموا الجسر بين سياسات احمدي نجاد وحلفائه الداخلية وبين «الانخراط في مغامرات خارجية»، بحسب تعبير مرشح المعارضة السابق مير حسين موسوي. بكلمات أخرى، خطا الإصلاحيون خطوة كبرى بعيداً من التوافق الإيراني الداخلي في شأن السياسات الخارجية ومنها الموقف من المشروع النووي الذي أدى الإصلاحيون أدواراً محورية في تأسيسه والدفاع عنه وتبريره أثناء حكم رفنسجاني ومحمد خاتمي.
ينسحب الأمر ذاته، وإن بصراحة أقل، على مواضيع تتعلق بالنشاط الإيراني في الشرق الأوسط ودعم الأنصار العرب في «محور الممانعة». وفي حين يمكن النظر إلى أن ما تقوم به طهران مع حلفائها يُراكم انجازات ملموسة في العراق ولبنان وفلسطين، يرى معارضون إيرانيون أن أعباء المهمات تلك وأثمانها والمواجهات الحالية والمقبلة التي تتضمنها، أثقل من أن تحملها إيران.
من العسف الاعتقاد أن الباسيج والحرس الثوري أغرقوا الحركة الإصلاحية بدماء مريديها. فما أعلنته انتخابات الثاني عشر من حزيران، من أزمات في النخبة الحاكمة وفي مستقبل النظام وصعوبة الخيارات التي يتعين على إيران السير بها، لم تجرَ معالجته في السنة الماضية. بل إن تكريس أساليب الحكم الحالي يحتمل أن يكون الآلة التي تجمد عناصر التغيير والتطور، لتعود هذه إلى البروز ما ان ترتفع الحرارة في إيران أو حولها.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى