الصين والهند وايران والاستقطاب الدولي
ديالا بشارة
هنالك تحولات كبيرة في العلاقات الدولية جاءت على أثرالفراغ الذي تركه غياب الاتحاد السوفييتي من الساحة الدولية على الصعيد السياسي والعسكري والايديولوجي, هذا الفراغ أدى إلى استكمال مقومات التوسع الاقتصادي والسياسي والعسكري للولايات المتحدة الامريكية وأوربا واليابان في السيطرة على مقدرات شعوب العالم قاطبة في إطارظاهرة العولمة. هذه التحولات النوعية المتسارعة رمت بثقلها على البشرية ونقلتها من مرحلة الاستقرارالمحكوم بتوازنات الحرب الباردة إلى مرحلة جديدة تتسم بحدة التناقضات فيها ودرجة خطورة كل منها تبعاً لدورها في تكريس وإعادة إنتاج ظاهرة العولمة وآليات عملها عبر العالم بأسره, وأبرز اشكال تلك التناقضات هو الاستقطاب الدولي ما بين الاقطاب القديمة, الولايات المتحدة الامريكية وأوربا واليابان من جهة, والقوى الناهضة الجديدة كالصين والهند وروسيا وايران من جهة ثانية. لاشك أن الاستقطاب العالمي على الصعيد الاقتصادي أو تمركز القوة الاقتصادية هوالاساس الذي يتمحورحلوله الاستقطابان السياسي والايديولوجي المعاصر. الاستقطاب الاقتصادي يدفع البلدان الغنية كالولايات المتحدة واوربا واليابان إلى تعزيزه وتعميقه من خلال الاعتماد على القوة العسكرية اواستراتيجية الكف العسكرية القوية من أجل تعميق الاستغلال الاقتصادي لهذه الدول على حساب المصالح الوطنية لبلدان الجنوب وقوت شعوبها. في هذا السياق يكشف الصحافي الأمريكي وليام فاف عن نص الوثيقة الجديدة للأمن القومي الأمريكي التي أصدرتها الإدارة الأمريكية السابقة عشية مغادرتها البيت الأبيض، وقد أعلنت الوزيرة كلينتون، غيرمرة، عن التزام الإدارة الحالية بها، وملخصه “لا تزال الولايات المتحدة في السنوات الأولى من حرب طويلة الأمد قد تمتد لتصل إلى الصين وروسيا والهند، والحروب الأمريكية في البلقان وأفغانستان والشرق الأوسط هي بمثابة وضع حجر الأساس لمشروع حرب أمريكية شاملة وكونية” وبهذا الصدد يرى الباحث سمير أمين: «إن واحداً من أبرز الأسباب التي تجعل الشرق الأوسط ذا همية خاصة في الجيواستراتيجيا الأمريكية هو رغبة الولايات المتحدة في تشييد قواعد عسكرية فيه، باعتباره البطن الرخو في النظام العالمي، تكون بمثابة نقاط استناد ميدانية متقدمة تنطلق منها حروب أمريكا المستقبلية ضد كل من الصين وروسيا والهند وإيران. أمام هذا الاستغلال القميء على الصعيد العالمي تسعى الدول الناشئة والصاعدة كالصين والهند وايران وروسيا في المضي قدما في طريق بناء تطورها التأريخي, كل على طريقته. هناك دول تعمل على الدخول في المشاريع الكونية, كتوظيف رساميل خارجية ضخمة, من موقع برغماتي بحت, للاستفادة الكاملة عبر تبني مشروعات اقتصادية وطنية, فيها سيطرة على التراكم الداخلي, يمنحها القدرة على الارتقاء تدريجيا بحيث تصل في المستقبل إلى مرحلة القطب كالصين والهند. هؤلاء, الهند والصين, جاهدوا ان يكونوا بعيدين عن الصراعات مع الاخرين وعملوا بصمت على تأكيد دروهما, لأنهما استفادوا من فترة الحرب الباردة وانشغال القطبين في صراعهما, فبنوا راسمالية وطنية دفعتهم ليكونوا فاعلاً مهم في المنظومة العالمية وحققوا نسبة عالية في معدلات نموهم وقدرات تنافسية غير متوفرة في ايران, في مقابل واقع عربي لا يملك اي مشروع سياسي أووطني. بل لقد رهن العالم العربي نفسه للمشروع الامريكي بالكامل ولا يرغب في الخروج منه. لا شك أن ايران تسعى إلى بناء مشروعها السياسي في ظل استقطاب عالمي حاد, لكن إمكاناتها الاقتصادية وقدراتها التنافسية محدودة ووضعها الدولي مكشوف وهي عارية جيوسياسياً ووحيدة. لانه لا يوجد لها رافع حقيقي يدعم توجهها خلافاً لما كان سائدا في الحرب الباردة. لذلك هي محكومة بالاعتماد على قواها الداخلية وامكاناتها المادية الذي لا يمكن ان يجعلها تستطيع ان تغير قواعد اللعبة في المنطقة حتى لو امتلكت القنبلة النووية.
بغياب اي مشروع إقليمي وعالمي ناهض مجاورلايران, سيدفعها الى الانحساروالتراجع تحت تأثيرالضغوط العالمية. ان امتلاك ايران للقوة النووية لن يمر بسهولة, سيدفع الدول الكبرى للعمل على احتواءها على المدى الطويل عبر استنزافها سياسياً واقتصاديا واجتماعياً على مبدأ الليمونة المعصورة التي ذكرها بريجنسكي رئيس مكتب الامن القومي الامريكي في فترة رئاسة كارتر, والتي نفذت عملياً في فترة رئاسة ريغان, فيما مضى من الزمن ابان صراع القطبين, الولايات المتحدة والاتحاد السوفييت في السيطرة على العالم والذي أدى بدوره إلى نهاية السوفييت الكارثية عبرأرهاقهم في حرب النجوم وسباق التسلح. هذا الاستنزاف الاقتصادي الذي تنفذه الولايات المتحدة على ايران حالياً, سيخلخل البنية الاجتماعية الايرانية ويدفع بقوى اجتماعية داخلية جديدة اكثرنفعية وانتهازية للبروز على السطح والعمل على الاستفادة من التطورات في الخارج والداخل, لتسريع عملية اندماج ايران في المشروع الامريكي.
برأي كاتبة هذه السطور أن على ايران ان تبتعد عن المواجهة قدرالامكان وتختار المسار الصيني والهندي في تجفيف حدة التناقضات بينها وبين الاقطاب الدولية العملاقة كامريكا واوربا واليابان والعمل على توظيف فائض رساميلها في إنعاش وضعها الاقتصادي والاجتماعي. بهذه الوسيلة تحقق انطلاقتها الاجتماعية والاقتصادية, وتفوت الفرصة على الولايات المتحدة أن تقود حربها الدائمة, بسبب تكوينها التأريخي وثقافتها السياسية القائمة على التطرف والمذابح كالتي حدث للهنود الحمر واسترقاق السود” امريكا تكوينياً محاربة” وحتى لا تكون ايران الخاسر الاكبرفي معركة غير متكافئة على كل الصعد. يقول الادميرال مايك مولن رئيس هيئة الاركان الامريكية في العشرين من نيسان الماضي, ان أمرتوجيه ضربة ضد الاهداف النووية الايرانية سيقطع شوطاً طويلا باتجاه تأجيل برنامج طهران لتخصيب اليورانيوم. الرسالة الامريكية واضحة تماماً ولا اتمنى ان تتحول ايران كمثل سمك السلمون الذي يقطع البحار والمحيطات من اجل ان يسيرعكس التيار, ففي صراعه من أجل البقاء يقفز في الهواء عالياً, أكثرمن قدرته وطاقته على السباحة في الفضاء, فيسقط تلقائياً في مخالب دب عملاق ينتظره على الاطراف اوان يلتقطه نسرمتأهب اويقع على الضفة اليمنى اواليسرى فيموت حسرة. ففي هذه السباحة الصعبة, يتخلل مسيرة السلمون العناد والمغامرة وجدلية الموت والحياة التي يصعب علينا فك شفرتها إلى الان.
كاتبة لبنانية
خاص – صفحات سورية –