ضعف دور مؤسسات المجتمع المدني في حياة المرأة العربية
سامية نوري كربيت
المجتمع المدني هو احد تلك المفاهيم العصرية المنتشرة في المجتمعات المعاصرة اليوم , اضافة الى مفهوم الديمقراطية , وحكم القانون , وحقوق الانسان , والمواطنة , والعدالة , والسوق الحرة , وحقوق المرأة , وحقوق الطفل وغير ذلك , ومن الممكن نقل مثل هذه الافكار عبر الثقافات المختلفة الى مجتمعات اخرى , ولكن هذه ليست حال اكثرية الجماعات المهمشة لأن هذه الافكار الحديثة التي تطورت في المجتمعات الاوربية منذ القرن السابع عشر فصاعدا ثم انتشرت في العالم اعقبتها ضغوط تطور الايديولوجيات في مجتمعات دول العالم الثالث ومنها المجتمعات العربية ومن ثم ادت الى انتكاستها والبعد عن مفاهيمها .
ومن الملاحظ ان الصلة وثيقة بين التحول الديمقراطي والمجتمع المدني لان الديمقراطية هي خطوة مهمة لتوسيع المشاركة السياسية والتي لا يمكن ان تتحقق الا بتعدد المؤسسات ومنها مؤسسات المجتمع المدني , فالمجتمع المدني هو مجال اوسع بكثير للنشاط السياسي فهو يضم جميع المؤسسات التي يعبر الافراد من خلالها عن مصالحهم وقيمهم خارج مجال عمل الحكومة وبشكل مميز عنها , ولا تتم ممارسة المواطنة كنشاط داخل المجتمع المدني بشكل عرضي او مرحلي كما هو الحال بالنسبة للانتخاب بل بشكل منتظم ومتواصل بطرق كثيرة لا تعد , ومن خلال هذه التفاعلات اليومية العديدة الدقيقة تعطي المؤسسات المدنية شكلا ومضمونا للقيم والصفات اليومية التي من دونها تصبح الحياة مستحيلة , مثل النزاهة والمواظبة على العمل وضبط النفس والمسؤولية الشخصية وخدمة الاخرين , وتعمل هذه المؤسسات على مكافئتنا حين تبرز هذه القيم وتعاقبنا حين لا تظهر , وتضمن مؤسسات المجتمع المدني الصحيحة تمرير هذه القيم الى الجيل التالي باحاطة الطفل والشاب بارشادات متواصلة وهادئة من التأكيد والمؤازرة والدعم المستمر .
وبهذا يكون الهدف الاساسي للمجتمع المدني هو المحافظة على الانسان كمواطن له حقوق سياسية واجتماعية ومدنية , ولتحقيق ذلك الهدف يتطلب منه القيام الى جانب دوره كمجتمع مدني مستقل , القيام بدوره ايضا في تربية الجماعات اخلاقيا بترسيخ القيم المشتركة في الممارسة الجمعية , وذلك يتأتى بأن يهئ المناخ المستقل لاعضائه المشاركين فيه لنمو خبرات اخلاقية تساعد على التمسك بمعاني المسؤولية الاخلاقية تجاه الذات وتجاه الاخر , وفي غياب الدور الاخلاقي عن المجتمع المدني تسيطر على مؤسساته الممارسات التنافسية والصراعية بما فيها من تسلط واقصاء وهيمنة واحتكار للادوار داخل مؤسساته لاشخاص وفئات بعينها بدلا عن تداولها بين كل اعضائه وبذلك تصبح مؤسسات المجتمع المدني صورة مصغرة من السلطة السياسية الحاكمة التي من المفترض ان المجتمع المدني قام كحاجز صاد لها , ومن ثم تغيب لغة الحوار الذي تمتاز به اغلب مؤسسات المجتمع المدني العربية .
ان فقدان الدعم الجماهيري او فقدان القدرة على تعبئة مشاركة شعبية على نطاق واسع كثيرا ما يضعف الجمعيات الطوعية في علاقاتها مع الدولة , كما اننا نجد في اغلب الدول العربية عدد قليل من الجمعيات التي تملك امكانات او تستطيع الوصول الى موارد سياسية ذات شان مثل الاصوات والثروات والمعلومات , اما الاكثرية العظمى من هذه الجمعيات فهي صغيرة جدا وشحيحة الموارد بحيث لا تستاثر باهتمام معظم الاحزاب السياسية والنخب ولا تعطى فرصة الاكثرية السياسية لفرض تاثير ما , ولكنها تعتمد على الارادة في تكوين تحالفات تتصف بالديمومة مع جمعيات طوعية اخرى لكي تعزز بذلك فرصة استمرارها في القيام بواجباتها في المحافظة على مصالح الفئة التي تمثلها , كما انه مما يجب ان يمتاز به المجتمع المدني هو روح الانفتاح التي تسمح للافراد بخلق جماعات جديدة ومنظمات تدافع عن حقوق منتسبيها او من تمثلهم , وفي نفس الوقت تعمل على تدعييم المعايير القانونية بممارسة قواعد مدنية مثلا نشر العمل الخيري الاخلاقي , واحترام قوانين المجتمع , والقبول بواجبات المواطن الاساسية , مثل دفع الضرائب , وانجاز او تحقيق العمل التطوعي , ورعاية الاطفال المشردين , ورعاية المسنين , وغير ذلك من الاعمال التي تعمل من اجل الخير العام .
ان كثير من المجنمعات العربية تفتقد لمؤسسات مجتمع مدني تختص بقضايا المرأة العربية وعلى الاخص قضية العمل على مساواتها بالرجل في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية , والغاء التشريعات القانونية التي الغت حقوقها كانسانة ومواطنة وجعلتها في مرتبة ادنى من الرجل ومسخت هويتها وادميتها , وكذلك العمل على رفع الحيف والظلم عنها , ومقاومة العنف الذي يمارس بحقها نتيجة الثقافات الذكورية السائدة في مجتمعاتنا العربية والتي جعلت نظرة المجتمع اليها دونية وحرمتها من ابسط حقوقها الانسانية , ومن الذي يمكن ملاحظته على الجمعيات التي تهتم بحقوق المرأة العربية انها لا تستطيع الحصول على الدعم المادي والمعنوي من السلطة الحاكمة بسبب عدم الاهتمام السائد في اغلب حكوماتنا العربية بقضايا المرأة .
ان ضعف مؤسسات المجتمع المدني وخاصة تلك التي تهتم بالمرأة في المجتمعات العربية بسبب القيود الكثيرة التي تفرضها الدولة ازاء المجتمع المدني منها التشريعية والادارية والسياسة , ابعد الدور الاساسي للمجتمع المدني الذي يقوم على احترام الفضيلة المدنية ومعاملة الافراد بوصفهم متساويين , معضدا للهدف الرئيسي للمجتمع عندما يسمح باحترام التعدد او الاختلاف الجمعي في المجتمع , ولا تمثل قاعدة الاحترام المتبادل خطوة هامة لتامين الحقوق كاملة لكل المواطنين فحسب , بل للاستحقاق المتساوي لتلك الحقوق مهما كان الاخرون مختلفين في الوضع او الجنس او العقيدة , والعمل على فهم مصالح الكل الاخر وتفهم ارائهم وطموحاتهم وتطلعاتهم واساليب حياتهم , وعندما يفعل كل اعضاء المجتمع هذا يصبح الاحترام المتبادل قيمة شائعة وفضيلة مدنية اساسية في المجتمع , وبهذا نستطيع ان نطلق صفة التحضر على مجتمع ما عندما يستطيع تجاوز تخلفه وينظر الى مواطنيه نظرة متساوية , وتنشط فيه منظمات المجتمع المدني التي تعمل على تقديم خدماتها للجميع بمنظور واحد غير قائم على الجنس او العرق اوالدين او الطائفة او على اي منظور اخر .
الحوار المتمدن