اسرائيلالدور التركي في المنطقةصفحات العالم

تيار التقارب الاسرائيلي مع تركيا

رنده حيدر
تعيش إسرائيل قلقاً حقيقياً على مستقبل علاقاتها مع تركيا بعد التطورات الأخيرة. فالمعروف أن إسرائيل تولي أهمية كبيرة لهذه العلاقات، وتعتبر أي ضرر يلحق بها سيؤدي الى عزلة إسرائيل داخل المنطقة وسيساهم في تصعيد حملة نزع الشرعية عنها. وما الأزمة الكبيرة في العلاقات بين الدولتين نتيجة مقتل مواطنين أتراك كانوا على متن أسطول المساعدات الإنسانية الى غزة بنيران الجنود الإسرائيليين، سوى أحد مظاهر التوتر الشديد الذي شهدته العلاقات منذ وصول حزب العدالة والتنمية الى الحكم في تركيا عام 2002، وبصورة خاصة بعد التوجهات الجديدة التي عرفتها السياسة الخارجية التركية على يد وزير الخارجية الحالي أحمد داود أوغلو الذي شغل منذ 2003 منصب مستشار لرئيس الحكومة رجب طيب أردوغان قبل توليه منصبه الحالي عام 2009.
ينطلق الخبراء الإسرائيليون في نظرتهم الى العلاقات مع تركيا من معطى أساسي هو أن إسرائيل بحاجة اليها أكثر مما هي تركيا بحاجة الى إسرائيل. وقد انعكس هذا المعطى بصورة واضحة على توجهات السياسة الخارجية التركية الجديدة التي وضعها أوغلو والقائمة على مبدأين أساسيين: مبدأ “تصفير المشكلات” مع الدول المجاورة لتركيا والتصالح معها؛ ومبدأ الإستفادة من موقع تركيا الجغرافي وعمقها الاستراتيجي من أجل انتهاج سياسة “التواصل والحوار” مع كل دول المنطقة من دون استثناء. وإذا كانت سياسة “تصفير المشكلات” أدت الى تقارب كبير بين تركيا وسوريا وإيران، وعززت الدور التركي في المنطقة وعلى الصعيد الدولي؛ فإنها من وجهة النظر الإسرائيلية كانت لها انعكاساتها السلبية على العلاقة بإسرائيل. فانفتاح تركيا على العالم الإسلامي ودفاعها عن الفلسطينيين، وضعها وجهاً لوجه مع إسرائيل، وأدى الى فتور في العلاقات تمثل في الانتقادات التركية القاسية لإسرائيل خلال حرب تموز 2006 على لبنان، وخلال عملية “الرصاص المصبوب” ضد غزة نهاية 2008، كما انعكس في الغاء تركيا مناوراتها العسكرية المشتركة مع إسرائيل.
كان لهذه التطورات أثرها السلبي على موقف وآراء عدد من الإسرائليين الذين رأوا فيها دليلاً على ابتعاد تركيا عن معسكر الغرب والتحاقها بمعسكر التطرف، وقيام محور متشدد تركي-إيراني- سوري، معاد للولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وإسرائيل. ففي رأي مدير معهد بيغن – السادات أفرايم عنبار أن لا مجال لعودة تركيا عن سياستها الخارجية الجديدة إلا بخسارة حزب العدالة والتنمية الإنتخابات المقررة في تموز عام 2011، أو بحدوث انقلاب عسكري.
لكن خبراء آخرون في العلاقات التركية – الاسرائيلية ما زالوا يعلقون الأمل على  سياسة “التواصل والحوار” التي تنتهجها الخارجية التركية، ورغبتها في الابقاء على قنوات حوار مفتوحة مع كل دول المنطقة من دون استثناء من أجل ترميم العلاقات معها. ففي رأيهم عدم اقدام تركيا في المدة الأخيرة على قطع علاقاتها مع إسرائيل دليل على الرغبة بعدم إغلاق الباب أمام الحوار مع إسرائيل.
في دراسة جديدة نشرها مركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة بار إيلان تشدد الباحثة جيلا ليندن شتراوس على ضرورة سعي إسرائيل على المحافظة على علاقاتها مع تركيا وعدم الإنجرار وراء التوجهات المتطرفة لبعض أطراف الائتلاف الحكومي الحالي في إسرائيل وبصورة خاصة وزير الخارجية افيغدور ليبرمان، وتدعو الحكومة الى التصدي لموجة العداء لتركيا التي تجتاح الرأي العام في إسرائيل، من خلال شرح الأهمية الاستراتيجية للعلاقة مع هذا البلد، ووضع حد لحملات التحريض التي تقوم بها أطراف يمينية إسرائيلية ضد تركيا.
في رأي كاتبة الدراسة أن أفضل وسيلة لإستعادة العلاقة الجيدة مع تركيا هي تفعيل الوساطة التركية في مفاوضات السلام غير المباشرة مع سوريا ومع الفلسطينيين. فمن شأن هذا أن يصب في جوهر السياسة الخارجية التركية الجديدة وأن يرمم العلاقات المتضررة بين البلدين.
والسؤال المطروح اليوم هو الى أي حد تستطيع حكومة نتنياهو المضي قدماً في سياسة التقرب من جديد مع تركيا عبر احياء وساطتها السياسية مع سوريا، رغم معارضتها في الوقت الحالي فتح قناة الحوار مع السوريين؟ وكيف ستستطيع الخارجية الإسرائيلية بقيادة ليبرمان الخروج من منطق الاستفزاز والتحريض نحو الدفاع عما تعتبره شتراوس المصالح العسكرية والإقتصادية الحقيقية لاسرائيل؟
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى