لعبة الكشاتبين الثلاث في الشرق الأوسط
فلورنس غزلان
كشتبان فارسي، كشتبان تركي ، كشتبان إسرائيلي
المراهن عربي ، في كل دورة يقع رهانه على كشتبان فارغ!
أبدأ بتوجيه حبي لوالدي العظيم ، الذي شرح لي لعبة الكشاتبين وكيف يستخدمها المحتالين من رجال السياسة كما يستخدمها اللاعب الماهر كي يسرق مال الفقير من جيبه.
ــ ايران ياوالدي ، استطاعت اليوم أن تبسط نفوذاً يمكنه أن يشكل خطراً حقيقياً على المنطقة الشرق أوسطية…تمد جناحيها وتخترق لأن الساحة خالية واللاعبين العرب لاهين في صراعاتهم الداخلية للابقاء على كياناتهم السياسية تفصل وتقصل رؤوس مواطنيها حتى تسود وتحكم…فبعضها يراهن على الكشتبان الإيراني مع أنه كشتبان محتل لأرض عربية ( الجزر الخليجية ) ، لكنه يدعي المقاومة والممانعة ومناصرة المقاومين، ويعمل جاهداً على الابقاء على الوضع الفلسطيني على حاله ، فيحتضن حماس وتساعده سورية وحزب الله في الاحتضان، لأن أي تقارب مع عباس في رام الله وأي التقاء ووحدة للصف الفلسطيني تفقده ورقة اللعب الهامة وتحد من قدرته على مد نفوذه وتمرير أجندته وتركيز دوره في المنطقة كمنافس لإسرائيل في القوة والنفوذ، فحين يحارب العالم نوييها باعتبار” أن نظامها أخرق ولا يوثق به ويخشون من استخدامه لمثل هذا السلاح في بسط نفوذه”ــ رأي ساركوزي وميركل وأوباما ــ..لم يحسب حساباً أو لايريدون أن يروا أن أنظمة المنطقة برمتها ليست أقل حمقاً من النظام الإيراني ، وأن زعماء إسرائيل صرحوا في أكثر من مناسبة ، أنهم لو شعروا بأن الوجود الإسرائيلي مهدد فلن يترددوا في استخدام أي سلاح ممنوع أو محذور ، ولو طال الأذى سكانها..لأنها تعرف أن وجودها وبقائها بحد ذاته مشروط باستمرار حروبها وباستمرار تسليحها وقوتها يجب أن تظل محسومة عسكرياً لصالح أمنها!!، لهذا تقف إسرائيل موقف عدائي من نووي إيران..لأنه قبل كل شيء يحد من سطوتها ومن تفوقها العسكري، وتعرف أن نفوذها لدى حماس والجهاد سيظل عائقاً أمام تحقيق وفرض سلامها الذي تريده، لأن جيب حماس في غزة سيظل خنجراً إسلامياً يطالب بالتراب الفلسطيني على أنه “وقف إسلامي” وهذا يعني استمرار الاختلاف السياسي مع دولة عباس وبالتالي يظهر للعالم أن الفلسطينيين لايريدون السلام، ويمنح الفرصة لإسرائيل أن تستمر في عدوانها بحجة حماية أمنها ومن ثم وجودها المهدد إيرانياً وحماسياً، ومن خلاله تبرر لنفسها ومن ورائها الدول الكبرى المساندة الاعتداء وخرق كل قوانين الكون والرمي بها عرض الحائط، لأنها وُجدت خارج مواثيق العالم وخارج الحق الإنساني وفوق القانون وأكبر من المحاسبة..ولعبتها مع إيران تصب في هذا المجال بين شد وجذب في القوة والنفوذ والهيمنة على الشرق الأوسط برمته …لكن المخاوف بدأت تساور إيران بالذات عندما انبثقت أرض المنطقة عن لاعب جديد ومنافس قوي إسلامي أقرب لجيرانه العرب من إيران…وصديق قديم للمنافس الأهم ” إسرائيل”..
ــ إنها تركيا جارتنا المحاذية، والتي تحتل اسكندروننا الجميل، قُدم إليها ووقع على ميثاق الإهداء منذ مدة ليست ببعيدة ( حافظ الأسد مع غول مقابل حصة سورية من المياه) ، لكنها وضعت حداً لانهاء المطالبة فيه وصارت حكومتنا ومناهجنا التعليمية ترسم خارطة سورية دون اللواء…ولم يعد يُدَّرس لا في الجغرافيا ولا في التاريخ كما درسناه نحن..هذه الجارة التي تربطها علاقة صداقة وتبادل سفراء ومواثيق اقتصادية وتبادل تجاري وعسكري منذ عام 1979 مع إسرائيل، وبعد أن خسرت رهاناتها الغربية للدخول في السوق الأوربية المشتركة وفتح نافذة نحو الغرب والتقارب مع من ترى أنهم يماثلونها ويمنحونها شرف الوقوف في صف الكبار، التفتت للبلدان العربية، وبدأت تلعب إسلاميا وقومياً…فالتقارب مع الجارات المسلمة السنية الأقرب ثقافياً وتايخياً من إيران الفارسية الشيعية، تتيح لها الكسب الداخلي وخاصة أن أردوغان يهمه كسب الشارع التركي فبعد عام فقط سيخوض الانتخابات التشريعية ولايريد لحزبه أن يخسرها، فمن هم بصف الإسلام سيكونون إلى جانبه حتماً ، خاصة بعد وقفته( الكبيرة والمحسوبة بدقة ) من الهجوم على أسطول الحرية، كما مكنه هذا الموقف والتقارب مع جيرانه من اللعب على الشعور القومي لدى غالبية الأتراك ، مدغدغاً حلمهم باستعادة الامبراطورية العثمانية ومد نفوذها نحو منابع البترول كما تسيطر الآن على مصادر المياه وتتحكم بها وبقطراتها من خلال سدودها العظيمة، لكنها في الوقت نفسه لاتريد خسارة دورها وتحالفها مع العالم الغربي ومع إسرائيل لأنها منفذها نحو تقوية موقعها في العالم الغربي، لهذا جاءت الإدانة محسوبة ولم تصل لحد قطع العلاقات مع إسرائيل أو إلغاء أي معاهدة، ربما تم تأجيل مناورات عسكرية كان متفق عليها سلفاً …لكن التأجيل لايعني الإلغاء، وينتظر حتى تتوضح الكثير من النتائج، سواء بعد لجنة تقصي الحقائق الاسرائيلية والاشراف الكلي الأمريكي عليها، أو ماستقرره الدولة العظمى وتمنحه للفلسطينيين كي تغلق صفحة الإدانة ، وربما تكون منفذاً نحو إجراء مفاوضات …تدوم أو لاتدوم لاتهم النتائح إنما مايهم هو كبح جماح إسرائيل وترويضه من أجل مصلحة الجميع في المنطقة ماعدا المصلحة العربية بالطبع…لأن العرب كما سبق وذكرت مراهنين ولاعبين خاسرين حتى في مراقباتهم وجولاتهم الخلبية.
ــ الدول العربية” ممانعة” أم” معتدلة”، تراقب ويجتمع وزراء خاجيتها وجامعتها العربية تقفز هنا وهناك بعمرو موساها ” عمرو موسى”، ليقال أنها غير نائمة، مع أن شخيرها وصل حافة السبات الطويل، والذي لا أمل في عودته للحياة، فتارة ترفع صور حسن نصر الله وعلم حزبه ونجاد كمنقذين وداعمين دون أن ننسى حشر صور الرئيس السوري وابتسامته المنحشرة بينهما…وتارة تتصدر الشوارع والمسيرات صور أردوغان وعلم تركيا وتكتب الصحف بالبنط العريض مشيدة ومنفوشة بموقف تركيا وأصالة إسلامها ودورها الفاعل، الذي يمكنه أن يحد من شطط إسرائيل ــ حسب رأي الصحف المشيدة!!..
كل هذه الصور تبعث على الألم والوجع، لأن خلو الساحة من دور عربي حقيقي وفاعل وخلو المنطقة من دولة عربية قوية لها نفوذ يحسب له حساباً ويجعل من صوتها هديراً يشق السحاب ويخرس المغرضين ويحد من الأيدي التي تريد إصلاح البين بين الفلسطينيين أنفسهم…” عرض أردوغان للصلح”، وأخرى تعرض عضلاتها لحماية سفن الدعم والانقاذ بواسطة الحرس الجمهوري الإيراني!…لأنها تريد قطع الطريق على الدور التركي مع أن هذه العروض كلها تخفي غايات مبطنة …فأين هو الدور المصري والذي يلعب منذ أكثر من عام دون أن يحقق أي تقارب على الأرض؟!، وكيف حدث أن ارتفع منسوب النخوة العربية لدى حسني مبارك ففتح معبر رفح؟!…الغاية ليست حماس ولا الموقف من حماس والجميع يعرف موقفي من حماس ، لكن المتضرر الأول هو شعب غزة ومن يدفع ثمن الحصار هو شعب غزة ومن يمنح لحماس دوراً بطولياً هو غياب الدور العربي …من يمنح لتركيا وإيران القدرة على الصعود والابهار في الشارع العربي هو غياب الدور العربي…غياب اللغة والفعل في مخاطبة المواطن الإنسان، الانفتاح على حاجة المواطن المهمل والمهمش والجائع والمهدور الكرامة ، لهذا يتمسك بقشة أردوغان وبلقمة أحمدي نجاد…وبعضهم يذهب لحد فتح الباب لإسرائيل أو الصلح معها درءاً لخطر آخر أو محاربة لنفوذ آخر..أما وحدة الموقف العربي، فهي موجودة فقط في إغلاق منافذ الحرية أمام مواطنيهم، وفقدان الأمل لدى الشعوب العربية بأن هذه الأنظمة يمكنها ذات يوم أن تنصره داخلياً على جوعه وعوزه، أو خارجياً في استعادته لأرضه وحقوقه، أو ان تلعب دوراً إقليمياً يجعله فخوراً بانتمائه.
فكيف يأمل وهو يرى العدوان يتكرر بين فترة وأخرى على أرض العراق، من تركيا تارة بحجة ملاحقة عناصر ” البيه كاكا” أو من إيران وتغلغلها في أرض الجنوب العراقي مرة وسيطرتها على بئر بترولية، ومرة أخرى في التغلغل داخل أرض كردستان شمالاً وبعرض ثلاثة كيلو مترات وشق طرقات وإقامة معسكرات…كل هذا يمر مر الكرام…دون موقف…دون مبرر!…لأننا مستباحون
فهل اتخذ النظام السوري موقفاً حين ضرب الطيران الإسرائيلي موقعاً قرب دير الزور قيل أنه موقع” مفاعل نووي” شمال سوريا أو دخول البوكمال من قبل القوات الأمريكية وقبلها حين ضربت في عين الصاحب وغيره وغيره ؟!..”.وعين العدو تبلى بالعمى ” لأنها لاترى ولاتفقه” سياسة سنرد في الوقت المناسب والمكان المناسب “!
ــ باريس 10/06/2010
خاص – صفحات سورية –