سعد محيو
أخطر من العقوبات الخطرة التي فرضتها واشنطن على طهران في مجلس الأمن، كانت الكلمات القاسية بشكل استثنائي التي وجهتها سوزان رايس المندوبة الأمريكية في المجلس إلى تركيا والبرازيل .
قالت رايس: إنهما (تركيا والبرازيل) أصبحتا “خارجيتين” . فهما تقفان خارج باقي أعضاء مجلس الأمن، وخارج جسم الأسرة الدولية” .
وزير الدفاع الأمريكي غيتس حاول تلطيف الأجواء في حديثه عن الأزمة التركية – الأمريكية بسبب تصويت أنقرة ضد قرار العقوبات على إيران وحملاتها العنيفة على “إسرائيل”، حيت اتهم الاتحاد الأوروبي بدفعها بعيداً عن الغرب عبر عرقلة عضويتها في الاتحاد .
بيد ان رمي غيتس الكرة التركية الملتهبة هذه الأيام باتجاه بروكسل، لم يستطع أن يمسح سمة الخطر عن تصريحات رايس التي كادت أن ترقى إلى تصنيف الحليف التركي في خانة “الدول المارقة” (rogue states) . وإلا مامعنى أن تستخدم هذه الأخيرة تعابير الطرد والاستبعاد من الأسرة الدولية على هذا النحو؟
لقد كادت واشنطن خلال معمعة مناقشة العقوبات على إيران، ثم في لهيب الاعتداء “الإسرائيلي” على المدنيين الأتراك في أعالي البحار، أن تضع تركيا إلى جانب إيران في سلّة واحدة . وهذا يثير تساؤلين كبيرين ومتلازمين:
الأول، ماذا حلّ بخطاب الرئيس أوباما في اسطنبول، الذي تعهّد فيه باحترام وجهات نظر تركيا والعالم الإسلامي “والتعلّم منهما”، على حد تعبيره؟ وهل إذا ما أبدت أنقرة اجتهاداً مُغايراً لنظريات واشنطن حول كيفية التعاطي مع الملف النووي الإيراني، تكون قد ارتكبت موبقة يُعاقب عليها بالطرد من الأسرة الدولية؟ أين وعد الاحترام هنا .
ثم: ألا تستأهل الجريمة “الإسرائيلية” التي قتلت مواطني الدولة التي كانت خط الدفاع الأول لأمريكا وحلف الأطلسي عن أوروبا والشرق الاوسط، أكثر بكثير من مشاعر الأسف الأمريكية؟ وهل يعني التساهل الأمريكي مع هذه الجريمة أن واشنطن قد انحازت نهائياً إلى “إسرائيل” على حساب تركيا في المعادلات الشرق أوسطية الجديدة؟
قد يكون من المبكر الوصول إلى هذا الاستنتاج . فإغضاب تركيا على هذا النحو ليس البتة من مصلحة الولايات المتحدة . إلا إذا ماكان صحيحاً أن أوروبا هي التي حشرت تركيا ودفعتها إلى التوجّه شرقاً، فإن الانحياز الأمريكي إلى “إسرائيل” ضد تركيا قد يدفع هذه الأخيرة إلى إشهار العداء السافر للغرب والتحالف مع روسيا والصين والعديد من دول العالم الإسلامي .
وهذه ستكون نكسة استراتيجية لواشنطن مابعدها نكسة، وقد تقلب الأمور رأساً على عقب في لعبة الشطرنج الكبرى التي تدور رحاها الآن للسيطرة على قارة أوراسيا .
رجب أردوغان نفسه لا يريد الوصول إلى هذه المحصلة . وهذا لسر معروف: النهضة الاقتصادية التركية الراهنة، والتي وضعت الأناضول في مصاف الدول المتقدمة اقتصادياً (تحتل الرقم 17 عالمياً و6 أوروبياً)، لا تستطيع إكمال قفزاتها التنموية هذه في حال انفصلت عن الغرب أو أدارت الظهر له (إلا إذا ما هدّد وحدة أراضيها) . هذا ناهيك عن الجيش التركي العلماني المتغرّب الذي لن يقبل بسهولة الوصول إلى هذه المرحلة .
الخليج