الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّوريةصفحات العالم

العقوبات «الناعمة» تصيب الدور الإقليمي قبل البرنامج النووي

حازم الأمين
تتفاوت التقديرات الغربية لمدى قدرة القرار الرقم 1929 القاضي بفرض عقوبات على إيران، على ردع النظام في طهران عن الاستمرار في برنامجه النووي، بين قائل بأن القرار جاء ضعيفاً وان الضغوط الروسية والصينية حدّت من قدراته على التأثير (بي بي سي)، وبين من جزم بأن تأثيرات كبيرة سيحدثها القرار على الاقتصاد الايراني بحيث ستنخفض نسبة النمو الى الصفر (فايننشيال تايمز). لكن الأبرز على هذا الصعيد هو ما بدأ يظهر من مواقف في أعقاب صدور القرار، والتي يبدو أنها ما سيؤسس لمرحلة ما بعد القرار.
أن تقتصر العقوبات على تجميد أرصدة 41 فرداً و75 مؤسسة وتفتيش السفن المتوجهة الى طهران اختيارياً، فإن ذلك يبدو هزيلاً قياساً بالطموحات الغربية، وقياساً بالفترة الزمنية التي استغرقها التحضير للقرار. والكلام الذي صدر عن وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ، وعن أوساط ديبلوماسية أميركية، في اعقاب صدور القرار، يكشف «القطبة المخفية» فيه، لجهة اعتباره أساساً قانونياً لعقوبات جديدة ولـ «اجتهادات الدول». وفوراً بدأ الكلام عن رزم عقوبات جديدة أوروبية وآسيوية، في حين كشف الإعلان الروسي عن ان القرار لا يشمل صفقة صواريخ «أس – 300» عن مأزق في التعاطي الجديد مع العاصمة المعاقَبة. فالإعلان جاء رداً على مصدر في الصناعات العسكرية الروسية توقع إلغاء الصفقة بعد القرار. والتحذير الروسي من ان أي إجراءات عقابية قد تطال الشركات الروسية في حال تنفيذ الصفقة ستقابل برد من موسكو، يؤشر الى صعوبات سريعاً ما بدأت تواجهها الجهات الراغبة في التعاون مع طهران.
الأرجح ان العقوبات «الناعمة» لا تستهدف بداية البرنامج النووي الايراني بقدر استهدافها موقع ايران الدولي والإقليمي، اذ من المتوقع ان يُصدع القرار قدرة طهران على لعب أدوار كثيرة كانت باشرتها منذ سقوط النظام في العراق وتحولها الى دولة إقليمية تسعى الى بسط نفوذ في مختلف الاتجاهات.
ومن غير المتوقع ان تُثمر العقوبات سريعاً على هذا الصعيد، فالإخلال بالموقع التفاوضي وبمستويات النفوذ يتطلب اختباراً يجب ان تجريه القوى والدول المستهدفة بهذا النفوذ. في الخليج مثلاً ستشعر دول وقوى «متواطئة» مع النفوذ الإيراني بأنها تخدم سيداً معاقباً وضعيفاً من غير المستحيل خيانته. وفي العراق سيكون على القوى السياسية الشيعية القريبة من طهران مساعدة «الأخت الكبرى» بدلاً من السعي لكسب مساعدتها، وهذا سيُخل مع مرور الوقت بمعادلة الاستتباع. أما الحضور الإيراني على شواطئ بحر قزوين فسريعاً ما ظهرت نتائج العقوبات عليه، اذ أن سعي طهران الى الانضمام الى منظمة شنغهاي للتعاون بين الدول المشاطئة لذلك البحر اصطدم بالنظام الداخلي لهذه المنظمة والذي ينص على عدم قبول أعضاء مشمولين بعقوبات دولية.
ثم ان العقوبات «الناعمة» سقطت على عاصمة الجمهورية الاسلامية في لحظة وطنية غير مناسبة. فطهران مصابة اليوم بشقاق أهل الثورة، وبوضع داخلي استوجب من مرشد الجمهورية علي خامنئي قبل أيام قليلة التلويح بمزيد من الاجراءات في وجه المُشككين بالنظام، وهو ما يؤشر الى شعور السلطة باستمرار الخطر الذي يُشكله المعارضون، لا بل باتساعه ليشمل قطاعات وشرائح لطالما كانت ظهير النظام وعصبه. فإذا أضيف ذلك الى معدل نمو اقتصادي يقارب الصفر، والى تصدع في الوظيفة الاقليمية، فإن الحد الأدنى من النتائج سيكون مراجعة من المفترض ان يجريها رأس السلطة، أي المرشد، لتبعات اختياره أحمدي نجاد ممثلاً له على رأسها.
نعم، المرحلة المقبلة ستكون بمثابة انتظارٍ لطبيعة رد الفعل الإيراني على الكثير من الوقائع المستجدة التي سبقت القرار الدولي والتي ستعقبه، ولا يبدو أن ثمة قيمة تُذكر للعبارة النجادية حول رمي القرار في سلة المهملات. كما ان توقع بعض الأوساط الغربية ان تقدم العقوبات خدمة في الداخل الايراني لأحمدي نجاد عبر تأمين التفاف حوله في ظل عدم اختلافه مع المعارضة في الملف النووي، يبدو سذاجة فاتها ان جهداً كبيراً بُذل لتفادي تكرار تجربة العقوبات على نظام البعث في العراق في أعقاب غزوه الكويت. وهذا مع العلم ان تلك العقوبات لم تؤمن للنظام في حينه التفافاً شعبياً حوله، انما أتاحــــت لقبضتـــــه الحديدية فرصاً جديدة للبطش بالعراقيين. ثم ان نجاد، والحرس الثوري من خلفه، لم ينتظرا فرصاً من هذا النوع، وهما كانا قد استأنفا منذ أكثر من سنة جولة بطش طالت هذه المرة أركاناً في صلب النظام.
من الواضح ان اعتبار القرار أساساً قانونياً لرُزم جديدة من العقوبات المختلفة هدفه تجريبي، اذ ان إمكان سعي النظام الى تجنيب نفسه نتائج القرار وحصر تبعاته على المجتمع الايراني تبقى قائمة. ولهذا فإن المرونة التي يقتضيها تجنيب الايرانيين نتائج العقوبات وحصرها بمؤسسة السلطة تبدو ضرورية لمنع تكرار التجربة العراقية من جهة، وللحد من احتمال استثمار النظام العقوبات في الداخل. فالقول بأن العقوبات لن تشمل المواطن الإيراني العادي، وفي نفس الوقت، توقع استهدافها «على نحو جوهري» الاقتصاد الايراني، يحتاج تدقيقاً وتجريباً، اذ كيف يمكن تجنيب المواطن تبعات تصدع الاقتصاد الوطني؟ وثمة تجربة على هذا الصعيد مسكوت عنها روتها لكاتب هذه السطور سيدة ايرانية، تقول انه، وفي سياق الضغوط التـــــي مورست على طهران في السنتين الفائتتـــــين، طُلب من دولة تستقبل استثمارات إيرانية على نحو لافت تخفيض تعاونها مع طهران عبر خفض عدد الإقامات الممنوحة للإيرانيــــين فيــــها. الدولة المعنية استجابت بأن ألغــــت عدداً كبيراً من الإقامات، ولكن معظم من ألغيـت إقاماتهم كانوا من الإيرانيين «الخضر» وعدداً آخر من معارضي النظام، ونسبة صغيرة منهم من مستثمري أموال الحرس الثوري!
حصل هذا استجابة لمخاوفَ من القوة الايرانية وليس إخلاصاً لقيم الثورة في ايران. أما تفادي تكراره في حالة العقوبات الدولية، فلا يحتاج الى الضغط على تلك الدولة لضرورة الاخلاص للتحالف الدولي في مواجهة طهران، انما يحتاج الى إشعارها بأن الخطر الذي يمثله عليها قبولها تنفيذ العقوبات لم يعد قائماً، وان المجتمع الدولي مستعد لحماية من يلتزم بقراراته.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى