الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّوريةصفحات العالم

ثمن العقوبات

سميح صعب
بعيد تبنّي مجلس الامن العقوبات الجديدة على ايران، سارعت القوى الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة الى الاعلان ان هذه الخطوة لا تعني إقفال باب الحوار مع طهران، وكأنها توحي بذلك ان العقوبات هي مجرد أداة للضغط على النظام الايراني لحمله على الجلوس الى طاولة المفاوضات. لكن ما لا يستطيع الغرب التنصل منه هو ان قرار العقوبات مثّل تصعيداً في المواجهة مع ايران التي سعت في ربع الساعة الاخير الى تفادي العقوبات عبر التوقيع على اعلان طهران لتبادل الوقود النووي بوساطة تركية وبرازيلية.
وأتت العقوبات لتزيد التصعيد الاقليمي المتأجج أصلاً بمضاعفات الهجوم الاسرائيلي الدامي على “اسطول الحرية” الذي كان متجهاً الى غزة، وبما أفرزه من تحول في الموقف التركي جعل واشنطن تبدي قلقاً حياله وتدقق في اسبابه، فضلاً عن انسداد الافق في عملية سلام متعثرة لم تنجح المفاوضات غير المباشرة التي تتوسط فيها اميركا،  في اعادتها الى الحياة بسبب تمسك الحكومة الاسرائيلية اليمينية المتشددة بالاستيطان وبالاحتلال والحصار.
واذا كانت واشنطن تتوخى من العقوبات دفع ايران الى القبول بالحوار، فإن ما يخشى هو ان تؤدي الى نتائج عكسية، لا سيما ان طهران لا تزال تمسك بالكثير من الاوراق الرابحة في يدها من فلسطين الى لبنان والعراق وافغانستان. وواشنطن هي في حاجة الى تعاون ايران من اجل تطبيع الاوضاع اقليمياً، في حين ان اتساع رقعة الخلاف معها ستؤدي الى حرب باردة في المنطقة.
وايران تحاول اليوم من خلال علاقاتها الجيدة مع تركيا ان ترسم خريطة تحالفات جديدة  في المنطقة لا سيما بعدما تأكدت واشنطن ان تدخلها العسكري في العراق كان تجربة فاشلة، فيما يبدو ان الوضع في افغانستان يتجه الى عراق آخر وربما أسوأ على رغم الزيادة في عديد القوات الاميركية والاطلسية التي ينتج منها تزايد في الخسائر البشرية وفق قائد القوات الاميركية في افغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال الذي قال ان الخسائر تضاعفت ثلاث مرات في الاشهر الاخيرة.
وهذا ما يقود الى الاستنتاج أن واشنطن المتعبة في العراق وافغانستان تخوض المواجهة مع ايران بالاختباء خلف مجلس الامن. عدا عن ان ثلاث دفعات من العقوبات أخفقت في اقناع ايران بالتخلي عن برنامجها النووي. وقد يكون رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين محقاً في استنتاجه ان العقوبات لم تمنع كوريا الشمالية مثلاً من تطوير برنامجها النووي ومن اجراء تجربتين نوويتين، وتالياً فإن العقوبات الجديدة على ايران لن تؤدي الغرض المتوخى منها.
أما اذا كان الرئيس الاميركي باراك اوباما يريد توظيف العقوبات كانتصار له في السياسة الخارجية على ابواب انتخابات منتصف الولاية، ووسيلة لاصلاح العلاقات مع اسرائيل التي مرت بمرحلة توتر بسبب  دعوة واشنطن الدولة العبرية الى وقف الاستيطان، فإن من المشكوك فيه ان يكون أدى غرضه لأن في اسرائيل قراراً استراتيجياً بعدم إقامة دولة فلسطينية. كما انه من المشكوك فيه ان تقتنع اسرائيل بأن العقوبات وحدها كافية لعرقلة البرنامج النووي الايراني.
وعليه، فان العقوبات لا تمثل سوى حلقة من حلقات الخلاف الاميركي – الايراني المستمر منذ اكثر من 30 عاماً. وبعدما كانت تلوح في الافق احتمالات تحقيق اختراق نحو تطبيع العلاقات في ظل رئاسة اوباما، تبدو الامور اليوم اكثر تعقيداً مع العودة الاميركية الى ممارسة المزيد من الضغط على ايران، الامر الذي يقفل الباب على أي انفراج قريب، ويفاقم التأزم الموجود أصلاً، ويشرّع المنطقة على كل المخاطر.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى