صفحات مختارة

حرية الصحافة بين التنظير والممارسة!

أحمد عبد الملك
شهدت الدوحة خلال هذا الأسبوع عقد مؤتمر اليونيسكو والاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة؛ وذلك بالتعاون بين “مركز الدوحة لحرية الإعلام” ومنظمة اليونسكو. كما مُنح الصحافي السيريلانكي “لاسانتاويكر” رئيس تحرير صحيفة “ساندي ليدر” الذي اغتيل في يناير الماضي جائزة الصحافة لهذا العام. وكان الرأي السائد بين الحضور، أن وسائل الإعلام ما زالت مقصّرة في الاضطلاع بدورها. وقال مساعد المدير العام لليونيسكو إن الأوان قد آن للسماح للصحفيين المحترفين بممارسة مهامهم في الصحافة حتى تقوم هي بدورها في المجتمع. كما أشار “أليستر سباركس”، وهو كاتب ومؤلف من جنوب إفريقيا ومتحدث رئيس في المؤتمر إلى أن من واجب الإعلام أن يحدد الاختلافات الثقافية والروحية وأن يعزّز قيم الشعوب؛ مؤكداً على أن الحرية الصحافية ضرورة عضوية لأي صحفي أو صحيفة تريد أن تمارس مهمتها، وأن شرط وجود المناخ الديمقراطي أساسي لنمو وازدهار الصحافة. كما حَذر الدكتور “جورج إنستاسو بولوس”، رئيس المؤتمر، من ظاهرة تنامي حالات الرقابة الذاتية معتبراً إياها قيداً على حرية الصحافة؛ مشيراً إلى دور جماعات الضغط السياسية والاقتصادية في توجيه المعلومات والتحكم في مضامين الرسائل الإعلامية بما يخدم مصالحها الخاصة. وقال إن الأمر يتطلب الدفاع عن استقلال الصحافيين على رغم ما يثار من تشكيك في وجاهة هذا الاستقلال.
وقد صدر عن المؤتمر “إعلان الدوحة” الذي تضمن عدة توصيات تختص بإرساء الأطر القانونية الضامنة لحرية التعبير وقيام الصحافيين بأداء أعمالهم بكل حرية. وضرورة أن تكون هنالك إجراءات عادلة فيما يتعلق بوجود قضايا في المحاكم ضد الصحافيين. وأن تكون هنالك شفافية في التعامل معهم من أجل وصولهم للمعلومة. كما أوصى المؤتمر بنشر ثقافة السلام والحوار والمصالحة بين الشعوب، وكذلك دعم الحوار بين الثقافات والأديان.
إننا نعتقد أن مصطلح حرية الصحافة ما زال بعيداً عما هو مُمارَسٌ في العمل الصحافي في العالم العربي. فالصحف إما أن تكون رسمية، أو أن تكون تابعة لحزب معين، قد يكون مُرخصاً، أو محظوراً. كما أن ما يُطلق عليه صحافة أهلية أو حرّة، لابد وأن يكون -في حالات كثيرة- مرتبطاً بالدولة. وعلى رغم أن بعض الذين قد يتشدقون بمفهوم الحرية، أو يبالغون في احتفائهم بتعزيز الوعي بحرية الإعلام وحماية الإعلاميين، نجدهم أكثر الناس اجتراءً على حرية التعبير وعلى الصحافيين! وهذه إشكالية كبرى. فالازدواجية عقبة كأداء أمام عمل الصحافة الحرة أو الصحافيين المهنيين الذين يدركون أنهم “الحلقة الأضعف” في دولاب السياسة التي تلبس ألف قناع.
نسمع أحاديث منمقة وموزونة وبراقة حول حرية التعبير، لكننا قد نفاجأ بأن من يضع هذه العناوين البراقة هو أول منتهكيها في وضح النهار!
وفي العالم العربي خاصة هنالك ظاهرتان بارزتان في العمل الصحافي هما: ظاهرة الصحف المشيدة بالدولة ، وفي هذه الصحف من غير الوارد نشر أية انتقادات لأداء المؤسسات، وقد تبالغ في إبراز الإنجازات. كما أنها قد لا تتورع عن التضحية بقلم صاحب الرأي العاقل من أجل كسب الإعلان! وبذلك تتخلى عن دورها الأساسي في تشكيل الرأي العام.
أما الظاهرة الثانية فهي تلك الصحف التي تقوم بالدعاية عن الدولة في الخارج! وبعض هذه الصحف مصالحية، وتقوم ميزانياتها على الإعانات السنوية التي تقبضها من بعض الدول الغنية! وللأسف، فإن الظاهرتين أو النموذجين لا تتفقان مع ما تطالب به اليونيسكو -كما سبق- لأن الصحافي في مثل هذه الصحف قد لا يقوم بواجبه كما تحتمه منظمومة الأخلاقيات المهنية المُنظمة لعمل الصحافة! والصحافي يعيش تحت رحمة الراتب آخر الشهر، وهذا يضعه في دائرة القلق، بل والتضحية بتلك المنظومة لقاء الأمان الاقتصادي والنفسي. وهنا أيضاً تسقط أمنيات اليونيسكو في نشر الحرية وضمان وصول المعلومة للقارئ أو للصحافي أساساً.
ولقد برزت ظاهرة حديثة في بعض دول الخليج مؤخراً وهي ظاهرة صحافة العشيرة! تماماَ كما هي الفضائيات التي أصبحت تنادي للالتفاف حول العشيرة دون الوطن. فالصحافة في مثل هذه الحالة توجَهُ نحو خدمة مصلحة العشيرة لا الصالح العام أو صالح جميع المواطنين. وهنا ندخل في إشكالية كبرى! ذلك أن كل طرف يستخدم الصحافة من أجل تحقيق أهداف العشيرة وهي أهداف شخصية أكثر منها وطنية أو شعبية. وبالتالي يتم فرد مساحات كبيرة لشخصيات محددة على حساب الصالح العام أو المواطنين الذين يترشحون للمجالس التشريعية! وهنا تدخل البلاد -أية بلاد- في معارك هامشية، وتشتعل الحروب بين الأطراف السياسية ويضيع معنى أو مفهوم الديمقراطية.
ونعتقد أن النفوذ السياسي والاقتصادي ساهمَ في نمذجة أو قولبة الصحافة على نحو لا يخدم المسارات الديمقراطية ولا يلبي طموحات النُّخب في تحقيق العدالة الاجتماعية ومبدأ تكافؤ الفرص وإرساء أسس تنمية حقيقية في المنطقة. وإبلاغ الناس بالمشهد الحقيقي لأوضاع المنطقة. كما أن السياسات ومشاريع التنمية قد تتم وليس للشعوب حق في إبداء آرائهم أو ملاحظاتهم عليها!
هل نحن نعيش عصر الدهشة؟ نعم الدهشة بين القول والإعلان وبين التطبيق والممارسة! فنحن نسمع أحاديث منمقة وموزونة جداً وبراقة جداً حول حرية التعبير. وأنه بدونها لن تعيش الصحافة ولا الصحافيون في مناخ صحي. لكننا قد نفاجأ بأن من يضع هذه العناوين البراقة هو أول منتهكيها في وضح النهار! لذلك، فنحن معذورون لو قلنا: إننا لا نستطيع أن نصدّق كل ما يقال من بلاغات رنانة حول حرية التعبير.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى