الدور التركي في المنطقةصفحات العالمغسان المفلح

تركيا دولة وليست سلطة إسلامية

غسان المفلح
بغض النظر عما يجري بين القوات التركية وقوات حزب العمال الكوردستاني، من حرب تحولت بفعل الزمن، والمتغيرات إلى مناوشات مناسباتية، نعتبرها مناوشات اللحظات الأخيرة، في حل دولتي تركي للمسألة الكوردية في تركيا يمضي على الأرض، ورغم أن هذه المناوشات باتت تستبيح كوردستان العراق بين الفينة والأخرى، والحزبين الرئيسيين هناك من جهة لا يريدان قوننة وجود حزب العمال بزعامة عبد الله أوجلان، في شمال العراق، كحزب تركي بالمؤدى النهائي، ومن جهة أخرى لا يريدان الدفاع عن شمال العراق. لتتحول الأزمة المزمنة إلى مسار تفاوضي معقد، وذو مصالح عديدة ومتناقضة أحيانا. من الواضح أن هذا الفعل التناوشي المسلح ورغم ما يذهب نتيجته من دماء، إلا أنه بات له مريديه، وبات لتزمينه مؤسسات سياسية وشخصية أحيانا، لأنه كما نعرف، لامكان لمعركة فاصلة بالمعنى العسكري في هذا الصراع المزمن.
كتبت في هذه المقدمة عما يدور في جانب من المسألة الكوردية التركية، لأنها توضح بأن تركية دولة، مهما تغيرت حال السلطات السياسية فيها، أي أنها دولة لها استراتيجياتها، التي لا تخضع لمقتضيات حزب واحد أو ديكتاتور واحد، بل تخضع لمؤسسات، ومراكز قوى مؤسسية، وليس حالها كحال بعض دول المنطقة، حيث الدولة مبتلعة من قبل السلطة السياسية بكل مافيها من مكانيزمات شخصانية، سورية نموذجا.
تركيا حيث تحاول أغلب التحليلات ربط التحول التركي تجاه قضايا المنطقة إلى حزب العدالة والتنمية ذو الخلفية الإسلامية، وهذه النتيجة، التي أصبحت مقدمة لكل التحليلات السياسية لهذا التغير التركي، وخاصة بعد ما جرى أخيرا في قضية أسطول الحرية ورفع الحصار عن غزة الذي تدعو له بقوة الحكومة التركية.
هذه النتيجة في قراءة التحول التركي خاطئة من جهة وصحيحة من جهة أخرى.
خاطئة لأن التحول ليس مرتبطا بحزب العدالة والتنمية التركي بل ارتبط، بتغير الدور التركي كدولة منذ انهيار جدران ومتاريس الحرب الباردة، حيث لم تعد تركيا كدولة محمولة على هذه الحرب أو مضطرة لأن تبقى مصطفة مع جهة ما من جهتي الحرب الباردة لم تعودا موجودتين، ووجودها في الحلف الأطلسي لا يغير من الأمر شيئا، بل بالعكس يعطيها مرونة وقوة أكبر في التحرك من أجل مصالحها كدولة، في غالبية التحليلات التي وقعت تحت يدي، لم يتطرق أحد للجذر الدولي في التغير التركي، وهو انعكاس نهاية الحرب الباردة على مصالح تركيا وموقعها في الخارطة الإقليمية والدولية، ومن جهة أخرى إن هذا التحول، يشبه إلى حد كبير تعاطي دول الغرب مع قضايا المنطقة، ما عدا قضية إسرائيل، فالخلاف في أساسه يعود إلى اختلاف في المصالح بين دول الغرب وبين تركيا، فدول الغرب لا حدود لها مع دول الإقليم، أما تركيا فلها حدود مع سورية والعراق وإيران، وكلها دول منخرطة أصلا في اللانظام الإقليمي الذي صنع بفعل ثلاث عوامل، سياسة غربية وسلطات استثنائية شخصانية، وسياسة إسرائيلية توسعية، حولت الإقليم على ساحة من الصعب اجتراح نظام إقليمي فيها. الحرب الباردة في نهايتها بقيت تدفع لإسرائيل فقط، وتمنحها امتيازاتها، بينما لم تعد تدفع لتركيا جراء دور لم يعد له وجود، ولهذا على تركيا كدولة أن تسعى لكي تجد مصالها في محيطها غربا وشرقا شمالا وجنوبا. هنا جوهر التغير المؤسساتي الذي طرأ على الدور التركي.
ولهذا قلنا خاطئة عن تلك النتيجة، لأنها لم تأتي نتيجة لمجيء حزب العدالة والتنمية، الذي كان ومجيئه لأسباب جلها داخلية تركية، ضمن اللعبة الديمقراطية المؤسسية في هذا البلد الكبير، بل اتت نتيجة لنهاية الحرب الباردة ومفاعيلها على تركيا والإقليم الشرق أوسطي عموما، وصحيحة لأنه تغير يتناسب بشكل أو بآخر مع منطلقات حزب العدالة والتنمية ذات البعد الإسلامي، وكان خير منفذ لهذا التغير الاستراتيجي في النظام العالمي لجهة تعاطية مع مصالح الدولة التركية على الصعيد الشرق أوسطي. ولكي نعزز فرضيتنا، نقول” على فرض أن حزبا آخر جاء إلى السلطة في تركيا غير حزب العدالة والتنمية، حتى ولو كان حزبا تركيا قوميا او ليبراليا ذو خلفية علمانية، فإن السياسة التركية لن تتغير كثيرا حيال المنطقة، لأنها محكومة بتغير أساس جاء مع نهاية الحرب الباردة كما أسلفنا، فلا أوروبا راضية بتركيا، ولا إسرائيل تريد لتركيا أن تقوى، فما على تركيا إلا أن تبحث عن مصالحها، فهل السياسة البرازيلية مثلا تجاه إيران لأن في البرازيل حزبا إسلاميا؟
لهذا أجد من المناسب إعادة قراءة الدور التركي في ظل المتغير الاستراتيجي الأساس، وهو سقوط نظام الحرب الباردة الدولي وانبثاق نظام دولي لم تكتمل معالمه المؤسسية حتى اليوم، في ضوء ذلك فقط يمكننا فهم التغير في السياسة التركية، أما موضوع غزة وغيرها من موضوعات، وحتى علاقتها مع النظام في دمشق، هل تختلف عن علاقة فرنسا ساركوزي، أو علاقة ألمانيا ميركل؟ نعم تختلف في شيء واحد فقط، أن سورية على حدود تركيا ولها أطول حدود معها، إضافة لعوامل أخرى تتمحور كلها حول هذه الجيرة الحدودوية كما يقال.
يقول الصديق علي الشهابي في مقالته المنشورة في صحيفة الحياة اللندنية 02.07.2010″ تركيا حجر الرحى في تكامل الشرق والغرب” يقول التالي”تمثل هذا السعي داخلياً بالعمل التدريجي على الخلاص من «الديموقراطية العلمانية» باعتبارها مبضع استئصال أهم ما هو شرقي في تركيا، إسلاميتها. فهذه الديموقراطية أداة دستورية لممارسة الديكتاتورية على المسلمين، إذ لا فرق مثلاً بين فرض الأصوليين الإسلاميين لارتداء الحجاب وفرض العلمانيين الأتراك لنزعه. بهذا المسار أخذ المجتمع التركي يبني ديموقراطية مدنية على أنقاض الديموقراطية العلمانية، مما يفسح المجال أمام بروز وجه شرقي جديد لبلد مسلم تكون العلاقات الديموقراطية فيه ضمان استقراره واضطراد تطوره. وهذا الانتصار للغرب والشرق هو هو التكامل بينهما الذي يتحدث المفكرون والمثقفون عن صحته النظرية، لئلا يروه حين يصير واقعاً”
هذا القول رغم ما فيه من إضاءات على تركيا داخليا إلا أنه لا علاقة له مطلقا بتغير الدور التركي، ولا علاقة للتعامل مع الاستئصالية العلمانية الأتاتوركية، بالتغير الذي حدث على دور تركيا الدولي والإقليمي.
وهذا ربما يكون له منعكسات بالضد من تكامل الشرق والغرب، لأن المسائل ليست مطروحة شرق وغرب، ليعذرنا علي الشهابي، بل المسائل مطروحة على تركيا كدولة ذات مصالح سواء كانت في الشرق أو في الغرب، وهذا التلقيح الصناعي الذي يحاول علي الشهابي رميه في رحم السياسية التركية، لن ينجب مطلقا.
لا أحد معني في تركيا بين تكامل غرب له ملامح واضحة مع شرق لا يراد له أن يصبح غربا، أقله الشرق المحيط بتركيا، وهذه القضية مرتبطة بإسرائيل والنفط، ولا شرق مختصر وجوده في سلطات استثنائية فاسدة معني بأن يصبح مثل الغرب.
ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى