العاصفة الأميركية في أفق إيران
نعوم تشومسكي
يُعتبر ملف إيران أخطر أزمة تواجه إدارة أوباما على صعيد السياسة الخارجية. فقد عزّز الكونغرس الأميركي الحصار على إيران، بفرض عقوبات قاسية على الشركات الأجنبية التي تملك فروعاً لها في هذا البلد.
وسارعت الإدارة إلى توسيع القدرة الهجومية الأميركية في الجزيرة الإفريقية “دييغو غارسيا” التي تدّعي بريطانيا امتلاكها بعد أن طردت سكانها منها حتى تتمكن الولايات المتحدة من بناء قاعدة ضخمة تستخدمها لمهاجمة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. وأعلنت القوات البحرية الأميركية أنها أرسلت غواصة إلى الجزيرة لمساندة الغواصات النووية المزودة بصواريخ «توماهوك» والقادرة على حمل رؤوس حربية نووية.
وصرّح مدير مركز الدراسات الدولية والديبلوماسية في جامعة لندن إلى صحيفة «صنداي هيرالد» قائلا: «إنهم يستعدون جيّداً لمواجهة إيران. فيبدو أنّ القاذفات والصواريخ الأميركية البعيدة المدى قادرة اليوم على تدمير 10 آلاف هدف في إيران خلال ساعات قليلة».
وتحدثت الصحف العربية عن عبور أسطول أميركي قناة السويس باتجاه الخليج حيث تقضي مهمته بـ«تطبيق العقوبات ضد إيران ومراقبة السفن التي تدخل إليها وتخرج منها».
وفي طريق عودته من أفغانستان حيث طمأن قوات “الناتو” بعد التغيير الذي طرأ على قيادة الحلف إثر إقالة ماكريستال، قام رئيس أركان الجيوش الأميركية “مولن” بزيارة إسرائيل للقاء رئيس أركانها أشكنازي، وذلك في إطار استكمال الحوار الاستراتيجي السنوي بين الجانبين.
ويستخدم بعض المحللين البارزين تعابير مأساوية للحديث عن الخطر الإيراني. فقد حذّر أميتاي إيتزيوني من أنه «ينبغي على الولايات المتحدة أن تواجه إيران أو أن تتخلى عن الشرق الأوسط».
وحض إيتزيوني في مقال له في «الدورية العسكرية» التابعة للجيش الأميركي، الولايات المتحدة على شن اعتداء لا يستهدف منشآت إيران النووية فحسب، بل الأصول العسكرية غير النووية أيضاً بما فيها البنية التحتية أي المجتمع المدني.
وعرض تقرير أعدته وزارة الدفاع الأميركية تحليلاً شاملاً للخطر الإيراني، وتمّ تقديم هذا التقرير إلى الكونغرس في أبريل الماضي.
وأشار إلى أن نفقات إيران العسكرية تعتبر «متدنية نوعاً ما مقارنة بسائر المنطقة»، لافتاً إلى أن العقيدة العسكرية الإيرانية «دفاعية… وتهدف إلى إبطاء عملية الاجتياح ومحاولة التوصل إلى حل ديبلوماسي للأعمال العدائية». وفي ما يتعلق بالخيار النووي، «يشكل برنامج إيران ورغبتها في إبقاء إمكانية تطوير الأسلحة النووية مفتوحة، جزءاً أساسياً من استراتيجية الردع الخاصة بها».
وتعتبر واشنطن أن قدرة الردع الإيرانية هي ممارسة غير شرعية لسيادتها وتتعارض مع مشاريع الولايات المتحدة العالمية، كما تهدد سيطرة الولايات المتحدة على موارد الطاقة في الشرق الأوسط.
لكنّ الخطر الذي تفرضه إيران يذهب أبعد من قدرة الردع. فإيران تسعى إلى توسيع دورها في المنطقة، الأمر الذي يزعزع «الاستقرار» الذي تسعى الولايات المتحدة إلى إرسائه من خلال سياساتها في المنطقة. وتضيف الدراسة إلى ذلك أن إيران تساند الإرهاب من خلال دعم «حزب الله» وحركة «حماس».
أما نموذج الديمقراطية في العالم الإسلامي فيتجلى في تركيا لكن إدارة أوباما عضبت منها عندما عملت مع والبرازيل على التوصل إلى اتفاق مع إيران للحدّ من تخصيب اليورانيوم. فسارعت واشنطن إلى التقليل من أهمية الصفقة بدعوة مجلس الأمن الدولي لفرض عقوبات جديدة على إيران. وكانت هذه العقوبات غير مجدية إلى حدّ أن الصين وافقت عليها معتبرة أنها قد تحول كحد أقصى دون تنافس المصالح الغربية والصين على موارد إيران.
وقد صوتت تركيا (والبرازيل) ضد قرار العقوبات الأميركية في مجلس الأمن، بينما امتنع لبنان العضو الإقليمي الآخر عن التصويت.
وأثارت هذه التصرفات مزيداً من الامتعاض في واشنطن. ونقلت وكالة «الأسوشييتد بريس» أن فيليب غوردن، الديبلوماسي الكبير في إدارة أوباما حذّر تركيا من أن الولايات المتحدة لا تفهم تصرفاتها وأنه يجدر بها أن “تبرهن على التزامها بالشراكة مع الغرب».
ويبدو أن الطبقة السياسية تتابع هذه المسألة باهتمام، فقد رأى ستيفن كوك، وهو باحث في مجلس العلاقات الخارجية، أن السؤال الأساسي يكمن في «كيفية إحكام السيطرة على الأتراك حتى يمتثلوا للأوامر على غرار الديمقراطيين المطيعين”.
وما من إشارات تدل على أن البلدان الأخرى في المنطقة تدعم العقوبات الأميركية. فقد وقعت كل من باكستان وإيران، خلال لقاء في تركيا، على اتفاق لمدّ خط أنابيب جديد بينهما. وما زاد من مخاوف الولايات المتحدة هو إمكان أن يمتد هذا الخطّ إلى الهند.
وكانت المعاهدة النووية الموقعة بين أميركا والهند عام 2008، تهدف لمنع نيودلهي من الانضمام إلى خط الأنابيب. والهند وباكستان قوتان من ثلاث قوى نووية رفضت التوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، مع العلم أنّ القوة الثالثة هي إسرائيل. لقد طورت الدول الثلاث أسلحة نووية بدعم من الولايات المتحدة، ولا تزال تفعل ذلك.
وما من إنسان عاقل يرغب في أن تطوّر إيران أو أي بلد آخر الأسلحة النووية. فالطريقة الوحيدة لإبعاد أو إلغاء هذا الخطر تكمن في إرساء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.
وقد تمّت إثارة هذه المسألة خلال مؤتمر لمنع انتشار الأسلحة النووية في مقر الأمم المتحدة في بداية مايو الماضي. فاقترحت مصر التي ترأس حركة عدم الانحياز أن يدعم المؤتمر خطة تدعو إلى بدء مفاوضات في عام 2011 لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، حسبما تمّ الاتفاق عليه مع الغرب، وضمنه الولايات المتحدة، خلال مؤتمر مراجعة معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية المنعقد في عام 1995. ولا تزال واشنطن موافقة رسمياً على هذا الأمر، لكنها تشدد على ضرورة استثناء إسرائيل من ذلك.
وعوضاً عن اتخاذ خطوات عملية حيال تقليص خطر تطوير الأسلحة النووية في إيران وغيرها، تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز سيطرتها على المناطق الحيوية التي تنتج النفط في الشرق الأوسط عن طريق القوة إن لم تنجح الوسائل الأخرى.
الاتحاد