تسرب نفطي في خليج المكسيك وآخر سياسي في واشنطن
حسن منيمنة
في طبيعة الحال، يتحين خصوم الرئيس الأميركي باراك أوباما الفرص لإغراقه بالنقد، ولا سيما أن الانتخابات النصفية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل قد اقتربت. وإذا كان أداء الرئيس في عدد من الملفات الرئيسة قد أتى بنتائج، وإن أقل من الوعود بأقدار، مما يجعل استثمار هذه الملفات لإضعاف الرئيس وحزبه أقل فاعلية، فإن كارثة التسرب النفطي في خليج المكسيك تقدم لبعض هؤلاء الخصوم فرصة مهمة لاستنزاف شعبية الرئيس والعودة إلى ترتيب للقوى السياسية في واشنطن ينتهي معه تهميش الحزب الجمهوري. إلا أن هذه الكارثة تأتي حاملة أوجه، منها ما قد يعزز مواقعهم، ومنها ما من شأنه أن ينقلب عليهم.
خلاصة الاعتراض الذي يواجهه الرئيس أوباما في شأن كارثة التسرب النفطي هي أنه كان بطيئاً في رد فعله، ولم يعطِ المسألة الأولوية التي تستحقها، وأنه حين حاول الظهور بمظهر من يوليها فعلاً الأهمية جاءت خطواته كرد فعل على الامتعاض العام والتركيز الإعلامي، وهذه الخطوات على أي حال لم تأتِ بنتيجة. ويجتهد خصوم الرئيس باستدعاء المقارنة بين أداء الرئيس أوباما إزاء هذه الكارثة، وأداء سلفه جورج دبليو بوش إزاء إعصار كاترينا الذي ضرب المنطقة ذاتها. وكانت انتقادات السياسيين الديموقراطيين قد انهمرت على الرئيس بوش لتقصيره في موضوع كاترينا، وكان أوباما من موقعه في مجلس الشيوخ في حينه قد ساهم في هذه الانتقادات، وإذ بالتسرب النفطي اليوم يبدو وكأنه كاترينا أوباما.
وإذ يرفض مؤيدو الرئيس هذه المقارنة، انطلاقاً من أن كارثة التسرب النفطي هي حادثة غير مسبوقة ولم يكن في الإمكان توقعها، فيما إعصار كاترينا جزء من نمط مناخي سنوي يتوجب الاستعداد لمعالجة عواقبه، بل إن ضرب الإعصار لمدينة نيو أورليانز لم يكن من دون سابق إنذار، إذ أشارت مؤسسات توقع الأحوال الجوية إلى احتماله قبل أيام من حدوثه مما كان يستلزم المباشرة بالتحضير له، وهو ما لم تفعله حكومة الرئيس السابق بوش. أما التسرب النفطي والحاصل من دون سابق إنذار فهو حالة جديدة مستعصية تتطلب ابتكار حلول لم تسبق تجربتها. وإذا كانت ثمة مسؤولية في هذا الشأن تتعدى المسؤولية المادية التي تقع على عاتق الشركة المستثمرة، فإنها في تخفيف القيود الرقابية، وهو ما يدعو إليه الجمهوريون على الدوام.
وبالفعل، فإن نشاط الجمهوريين لتوظيف الكارثة لمصلحتهم يعترضه هتاف كان قد ارتفع بمثابة شعار للحملة الرئاسية الجمهورية الماضية، وهو «احفر يا عزيزي، احفر» في دعوة الى حفر المزيد من الآبار النفطية في عرض البحر، كالبئر التي تسببت بالتسرب، وذلك في سعيٍ إلى تحقيق «الاستقلال بالطاقة» وتخفيض الاعتماد على استيراد المواد النفطية، لا سيما من دول الشرق الأوسط «المعادية» للولايات المتحدة، أو التي تلتزم قيماً متناقضة مع قيمها.
إلا أن السعي الديموقراطي لإلقاء اللوم على الجمهوريين في موضوع الكارثة هو بدوره ملتبس. فهدف الاستقلال بالطاقة اعتنقه الديموقراطيون كذلك، والرئيس أوباما نفسه أجاز الشروع بحفر المزيد من الآبار في عرض البحر. أما كون القيود الرقابية المفروضة على هذه الآبار غير وافية، فهي مسؤولية الكونغرس بمجلسيه. فالتشريعات في هذا الشأن صادرة عنه، بتأييد من الجمهوريين والديموقراطيين على السواء استجابة لمطالب رائجة في المناطق التي يجرى فيها التنقيب، سعياً لاستقطاب النشاط الاقتصادي.
والواقع أنه في حين أصبح عموم الجمهور الأميركي، في أعقاب كارثة التسرب، يضع الحفاظ على البيئة كأولوية تسبق الاستقلال بالطاقة، فإن قطاعات اجتماعية واسعة في الولايات المشرفة على خليج المكسيك حيث الكارثة تدعو إلى التروي في اتخاذ أي قرار من شأنه أن يعترض المزيد من التنقيب لأهميته الحيوية بالنسبة الى العمالة في المنطقة، ولا سيما في ظل الظروف الاقتصادية المتردية لتوّها.
وهذه الاعتبارات المتداخلة قد رسمت حدود الاستثمار السياسي لموضوع التسرب النفطي بالنسبة الى الطرفين، وألزمت الجميع سردية موحدة تعتبره كارثة وطنية على الجميع بذل كل الجهود لمواجهتها. وانطلاقاً من هذه السردية، أصبح في وسع حاكم ولاية لويزيانا بوبي جندل، وهو الجمهوري الداعي دوماً إلى الحد من دور الحكومة الاتحادية، دعوة واشنطن إلى المساهمة الفاعلة والتعويض لما ألمّ بولايته وجوارها من نوائب. وجندل الذي اعتبره البعض منافساً محتملاً للرئيس أوباما في الانتخابات الرئاسية المقبلة قد تمكن بالفعل من خلال حضوره من تجاوز الصورة السلبية التي كانت قد اقترنت به بعد أداء خطابي غير موفق جواباً على خطاب حال الأمة الذي ألقاه الرئيس أوباما العام الماضي.
غير أن هذه السردية الموحدة ذات الصبغة الوطنية تلقي المسؤولية القيادية حكماً على شخص الرئيس الأميركي، وتقرن بينه وبين الكارثة. فالحكم على الرئيس يتوقف على كيفية معالجة المسألة وعواقبها، فكلما أخفقت الشركة المستثمرة للبئر في إيقاف التسرب، ازداد تعرّض الرئيس للنقد. وفي المقابل، فإن الفضل سيعود إليه يوم تنجح، لما يكون قد أبداه من إصرار على تحقيق هذا النجاح. وعلى أي حال، فإن النهج الأولي الذي بدا وكأن البيت الأبيض يسعى إلى اعتماده، أي اعتبار الكارثة مسؤولية الشركة الخاصة، وتحميلها والقطاع النفطي والجمهوريين مسؤولية مادية ثم معنوية عبر الاتهام بالجشع، ليس مجدياً. ولكن، من جهة أخرى، فإن طاقم الرئيس لم يرسم له بعد النهج البديل، وهو إذ ظهر قبل زهاء شهر ليعلن استعداده للدور الأول في موضوع التسرب، إلا أن استعداده لم يترجم عملياً بعد.
ويتحدث المقربون من الرئيس أوباما عن أسلوبه الهادئ في القيادة، أي أنه يعمل من دون ضوضاء إعلامية. ولكن مع غياب النتائج واستفحال الأزمات الاقتصادية والبيئية المترتبة على الكارثة، ليس في وسع الكثير من الأميركيين الاطمئنان إلى قيادة هادئة مفترضة. وإذا كان ثمة من ينتظر أية هفوة لانتقاد الرئيس، فإن الامتعاض من غياب الرئيس اليوم لا يقتصر على خصومه. والانتخابات النصفية المقبلة كفيلة باختبار مدى اتساع هذا الامتعاض ومدى قدرة الرئيس على معالجة عواقبه.
الحياة