صفحات العالم

من ماك كريستال إلى دافيد باتراوس: هل تغيّرت استراتيجية أميركا في أفغانستان؟

دافيد باتراوس هو الجندي الذي لا يمكن تفاديه في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر. من النادر في تاريخ الحروب والجيوش ان ترى جنرالا ذا رتبة رفيعة، يحترمه الجميع، ويعتبرونه “بطلا” وطنيا… ينزل من رتبته العالية ويعود إلى ميدان المعركة. فبعدما كان قائدا للقوات الأميركية في بغداد بين عامي 2007 و2008، صار قائدا مركزيا للقوات الأميركية في “قوس الازمات” الذي يمتد من القرن الأفريقي إلى باكستان مرورا بالشرق الأوسط والعراق وأفغانستان، عاد دافيد باتراوس الى الميدان.
ان تعيينه في كابول بدل الجنرال ستانلي ماك كريستال، الذي أُرغم على الاستقالة بعد تصريحاته إلى صحيفة “رولنغ ستون”، والتي ينتقد فيها رئيسه باراك اوباما وكل المسؤولين المدنيين الأميركيين، هو اختيار منطقي وجواب واضح على الذين يتساءلون عن احتمال تغير الاستراتيجية العسكرية الأميركية الجديدة. فبهذا التعيين يشير الرئيس الأميركي إلى انه لن تكون هناك استراتيجية جديدة لأميركا، فيما المعارك تحتدم ضد “طالبان”.
دافيد باتراوس هو من دون شك الرجل الذي يعرف أكثر من غيره ما يسمى بـ”استراتيجة ماك كريستال”، لأنه هو الذي صاغ غالبية بنودها. هو في الـ 57 من العمر، والألمع من بين زملائه، ويعتبر من بين الذين نسفوا المفاهيم العسكرية القديمة الناجمة عن الحرب الباردة. وقد أصدر عام 2006 دليلا عسكريا عنوانه “ضد حرب العصابات”، اعتبره الضباط الأميركيون إنجيلا لهم. وبعد عودته من بغداد مكلّلا بنجاحاته في استراتيجية “الدعم” التي سمحت بقلب مواقف رجال العصابات السنة ضد “القاعدة” وتوجيه ضربات قاضية لها، وفيما كان باراك اوباما يستلم مقاليد الحكم من جورج بوش في البيت الأبيض، كان دافيد باتراوس يطبق الاستراتيجية الاميركية الشاملة لأميركا المحاربة.
اذا كانت واشنطن أبرزت دور القائد السابق ستانلي ماك كريستال في كابول، فلا أحد ينسى ان هذا الرجل كان رجل العمليات الخاصة لدافيد باتراوس في العراق، وان “استراتيجية” ماك كريستال أوحى بها وشارك في صياغتها دافيد باتراوس نفسه.
وهذه الاستراتيجية، المسماة “الانتفاضة المضادة”، مبنية على الإقرار بفكرة ان جيشا تقليديا غريبا عن أرضه لا يستطيع التغلّب على رجال عصابات يعملون على أرضهم، لا يستطيع التغلّب عليهم بالوسائل العسكرية وحدها. فهناك تشديد أيضا على الجهود السياسية والاقتصادية، وعلى العمل لحماية المدنيين.
ماك كريستال في أفغانستان مثل دافيد باتراوس في العراق، ركّز عمله على ضؤ هذه الاستراتيجية: تصعيد المعركة ضد العدو والتقليل من الخسائر المدنية وإعداد الأرضية لليوم الذي يصبح فيه الحوار السياسي خيارا ممكنا ومعقولا.
الوجه الآخر لهذه الاستراتيجية ان عدد القتلى الاميركيين في تزايد. فقد قتل مئة جندي من جيوش الأطلسي في شهر حزيران الماضي وحده، وهو أكثر الشهور دموية منذ بداية الحرب. الولايات المتحدة خسرت أكثر من ألف جندي منذ العام 2001 ، فيما حلفاؤها في “الأطلسي” خسروا ألفا آخر.
ولكن، كما في العراق وسياسة “الدعم” المرفقة ببرنامج قتل القادة الجهاديين الأقل طواعية، فان الحملة الأفغانية بدأت تعطي ثمارها. فقد أشار الجنرال دافيد باتراوس في شهادته أمام لجنة الدفاع في الكونغرس “ان هناك أكثر من 130 طالبانيا بين قادة الصف الاول والثاني قتلوا أو القي القبض عليهم منذ شهر نيسان الماضي”. بموازاة ذلك، فان تكثيف هجمات الطائرات من دون طيار على الاراضي الباكستانية منذ انتخاب اوباما، المعطوفة على هجمات الجيش الباكستاني، وجهت ضربات قاسية للـ”قاعدة” وضيوفها من “طالبان” الباكستانيين.
ومع ذلك، فان ارتفاع عدد القتلى من بين الجنود الأميركيين أطلق نقاشا في واشنطن وفي صفوف الجيش الأميركي. وبعض البرلمانيين الجمهوريين والضباط العسكريين ينتقدون القيود التي وضعها ماك كريستال على استخدام الطائرات، وهي السلاح الأخطر على المدنيين.
خلال جلسته أمام اللجنة، التزم دافيد باتراوس بإعداد دراسة لقواعد المعركة بغية حماية الجنود الاميركيين؛ ولكن يبدو للبعض ان أمنية الجنرال بالأساس هي تهدئة الاحتجاجات ضد طريقة خوض الحرب. فهو مقتنع بالعمق ان حربا كالتي تشهدها افعانستنان لا يمكن الانتصار فيها إلا بالتحالف مع السكان المدنيين، وبإبعاد هؤلاء عن “طالبان”. وكان وعده: “سوف أتابع التركيز على خفض نسبة الخسائر في أرواح بين المدنيين خلال العمليات العسكرية”.
حكومة كابول التي كانت شديدة النقد لقيام قوات الاطلسي بقصف المدنيين عبّرت عن رضاها بتعيين دافيد باتراوس. والرئيس حميد كارزاي الذي كان متفاهما مع ماك كريستال، أبدى ارتياحه بتبديله بدافيد باتراوس، وهو صاحب الفضل الأصلي في صياغة الاستراتيجية الحربية الافغانية.
لا تغيير في الاستراتيجية اذن. دافيد باتراوس يصل إلى أفغانستان في لحظة حرجة فيما تستعد قوات الأطلسي لشن عمليات في منطقة قنداهار، والرأي العام الغربي بل العسكريون أنفسهم يشكّون بامكانية الانتصار في هذه الحرب. خطة الحرب لم تتغير، بما ان دافيد باتراوس هو الذي صمّمها. وقد كرر أوباما بأن تسمية دافيد باتراوس “هي تغيير في الاشخاص، لا في الاستراتيجية”. دافيد باتراوس مدعو فقط الى “تطبيق هذه الاسترتيجية بطريقة غير عادية”.
فرصة دافيد باتراوس تنتهي في شهر كانون الأول القادم، مع نهاية موسم القتال. والبيت الأبيض ينتظر هذه اللحظة للقيام بإعادة تقييم هذه الاستراتيجية. وهذه اللحظة سوف تكون حاسمة، بالنسبة لاستراتيجة دافيد باتراوس كما بالنسبة لرئيس أميركي وعد شعبه بانسحاب قواته في تموز 2011.

(ريمي اوردان. “لوموند” 2 تموز 2010)
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى