لماذا طَفَحَ كيل ماكريستال؟
سعد محيو
لماذا انفجر الجنرال ماكريستال، بطل استراتيجية إدارة أوباما للحرب في أفغانستان، على هذا النحو المُذهل في وجه قادته المدنيين في واشنطن؟
وهل يمكن لدولة ما، حتى لو كانت عظمى كالولايات المتحدة، أن تربح حرباً، ولو كانت ضد قوة “قروسطية” كطالبان، فيما قادتها العسكريون والمدنيون والتشريعيون مختلفون حول قواعد هذه الحرب وأهدافها؟
السؤالان مترابطان .
فالأول، الذي اتهم فيه ماكريستال مستشار الأمن القومي جيمس جونز بأنه “مهرج”، ونائب الرئيس بايدن بأنه “لا أحد”، والرئيس أوباما نفسه بأنه “يخاف ولايهتم”، يعني أن الكيل طفح بقائد القوات الأمريكية والأطلسية في أفغانستان من تدخّل المدنيين في حربه العسكرية الخاصة . وهو بالطبع لم يكن ليتأفف لو أن مجريات هذه الحرب تسير على مايرام .
والثاني يشي أيضاً بأن الخلافات بين السلطات الثلاث لم تكن لتتفاقم، لو أن القوات الأمريكية تحرز التقدم الذي وعد به الجنرال نفسه، بعد أن حصل على 30 ألف جندي إضافي .
وفوق هذا وذاك، جاءت التقارير التي تتحدث عن فجوة واسعة بين الجنود الأمريكيين المقاتلين في الجبهات وبين ضباطهم وجنرالاتهم، لتطرح المزيد من التساؤلات حول مدى جدوى استراتيجية الحرب .
والحصيلة: تخبط شديد، واهتزاز أشد في مدى قدرة الولايات المتحدة على سحب قواتها من أفغانستان في يوليو/ تموز ،2011 وفق الصفقة التي أبرمها أوباما مع جنرالاته مقابل رفع عديد القوات الأمريكية، والتي تتضمن تشتيت طالبان وإقامة دولة وجيش أفغانيين قويين يستطيعان كبح جماح “القاعدة” .
صقور البنتاغون وبقايا المحافظين الجدد سيحاولون الآن الإفادة من هذا الشرخ الجديد في استراتيجية أوباما للعمل على إطاحتها . فهم من البداية لم يكونوا مقتنعين البتة بأن تجنّب قتل المدنيين الأفغان بهدف كسب قلوبهم وعقولهم هو الطريق الأمثل . والآن وبعد ان انخفضت أعداد الضحايا المدنيين الأفغان، في مقابل ارتفاع أعداد أكياس البلاستيك التي تحتوي جثث الشبان الأمريكيين المعادين إلى بلادهم، سيكون في وسعهم تصعيد ضغوطهم .
الصقور باتوا يطرحون الآن المعادلة التالية: إما أن نقرر حماية أرواح الأفغان فنخسر أرواح الأمريكيين، أو نقرر حماية أرواح الأمريكيين فيخسر الأفغان أرواحهم جزاء وجود طالبان بين ظهرانيهم . وبالطبع، حين يُطرح مثل هذا الخيار على الآباء والأمهات الأمريكيين، فلن يترددوا لحظة في الاختيار . أما بالنسبة إلى إدارة أوباما، فإن تسويق هذا الطرح على نطاق واسع في أوساط الشعب الأمريكي، سيجبرها على إعادة النظر بكل طبيعة حربها في أفقر دولة في العالم .
على أي حال، يشي “انفجار” الجنرال ماكريستال على أن حرب أوباما الأفغانية دخلت بالفعل مرحلة حرجة للغاية وقد تصل إلى مستوى المأزق الكبير، في حال عجز الهجوم الأمريكي الأطلسي الكبير المتوقع قريباً على منطقة قندهار في تحقيق أهدافه، كما فشل قبله الهجوم الكبير الأول في منطقة مارجا .
وإذا ماحدث ذلك، سيكون أوباما أمام خيارين: اما تصعيد الحرب إلى مستوياتها الفيتنامية وإلى آماد طويلة (كما يطالب العسكريون والجمهوريون) بحجة مقاتلة “الإرهاب الإسلامي”، أو الانسحاب السريع من أفغانستان الذي قد يكلّفه إطاحة فرص ولايته الثانية .
وبالطبع، كلا الخيارين أكبر كارثية من الآخر .
الخليج