صفحات العالم

المواطن فولكنر

ساطع نور الدين
انشغلت شبكات التلفزيون الاميركية الكبرى طوال يوم امس، بتحليل سبب امتناع الرئيس الاميركي باراك اوباما عن الرد على سؤال محرج وجهه اليه احد الصحافيين بعدما اعلن اقالة الجنرال ستانلي ماكريستال من منصبه كقائد للقوات الاميركية في افغانستان، وما اذا كان لم يسمع السؤال بوضوح، مع ان الصحافي كان يصرخ باعلى صوته، ام انه لا يعرف الجواب، ام هو ببساطة لا يريد اعطاء الرد الذي يخفيه على نفسه لانه يدرك ان الاميركيين جميعا يخشون سماعه منه شخصيا.
لم يكن مؤتمرا صحافيا مفتوحا للاسئلة والاجوبة. كان اوباما يطل على الجمهور الاميركي بوجه متجهم حانق، لكي يعلن عن عقوبة قاسية اتخذها بحق جنرال تمرد عليه وسخر منه شخصيا ومن كبار المسؤولين المدنيين في ادارته، ومس للمرة الاولى جوهر النظام الديموقراطي الاميركي الذي ينص على خضوع العسكر التام والمطلق للسلطة المدنية. كان الرئيس يدافع عن نفسه وعن الدولة ومؤسساتها، في لحظة حرجة جدا لم يسبق لها مثيل في جميع الحروب السابقة التي خاضتها اميركا على امتداد تاريخها.
بحركة مسرحية متقنة، ادار اوباما ظهره الى الصحافيين الذين كانوا يغطون الاعلان عن اقالة الجنرال ماكريستال، في الحديقة الخلفية للبيت الابيض، وقفل عائدا الى مكتبه وتبعه نائبه جو بايدن ووزير الدفاع ورئيس الاركان الذين سمعوا بلا شك السؤال المباشر والدقيق والذي تفرضه اللحظة كما تستدعيه الكلمة الموجهة من الرئيس الى الاميركيين والتي نصت على ان تغيير القائد العسكري الاميركي، لا يعني تغيير الاستراتيجية الاميركية في افغانستان.
«هل يمكن النصر في هذه الحرب»؟ كان هذا هو السؤال الذي لم يرد عليه الرئيس، والقى بظلال اضافية من الشك على تلك الاستراتيجية التي قال اوباما انها لن تتغير على الرغم من ان الجنرال الذي وضعها وناضل من اجلها منذ نهاية العام الماضي طرد من منصبه بتهمة العصيان… وصارت حاله اشبه بحال ذلك المواطن الاميركي غاري فولكنر الذي عاد بالامس الى منزله في دنفر في ولاية كولورادو من باكستان حيث اعتقل، للمرة السادسة او السابعة، بتهمة حيازة مسدس وسكين كان يتسلح بهما للقيام بمطاردة شخصية لزعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن انتقاما لضحايا هجمات 11 ايلول 2001!
لم يعلق بن لادن حتى الان على اقالة ماكريستال ولا طبعا على استعادة المواطن فولكنر، لكن رد فعل حركة طالبان كان مبتهجا بالطبع، ومعبرا بدقة غير مألوفة: لم يكن القائد هو الذي سقط، بل الاستراتيجية كلها هي التي انهارت. فالرئيس نفسه لم يكن مقتنعا وظل حتى اللحظة الاخيرة مترددا ازاء الاستجابة لالحاح الجنرال طوال شهور على ارسال المزيد من الجنود الاميركيين الذين يتساقطون على الجبهات الافغانية هذه الايام بمعدلات مرتفعة اكثر من اي وقت مضى، ما يقدم ردا كافيا على ذلك السؤال الذي ظل معلقا امام اوباما.
هل هي بداية النهاية للاحتلال الاميركي لافغانستان؟ التصدع الذي احدثته اقالة ماكريستال يمهد لاستراتيجية خروج تشبه خطة اخراج المواطن فولكنر من ارض المعركة الافغانية الضارية التي لم ينتصر فيها احد على مر التاريخ؟
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى