صفحات سورية

رد على مقال حول أزمة الحياة السياسية في سوريا

null
حسن الصفدي
رد على الجزء 3 من المقال – نشرة الآن* ، العدد 25- نيسان 2010
ارتأيت البدء من الفقرة الأخيرة: “وكان لما ترتب على ذلك من صراعات ومن صدمات واستنزاف قوى وجماهير المعارضة المحدودة أصلاً، ومن ممارسات ودعوات مغتربة عن الواقع والتاريخ، كان لذلك كله دور كبير في إضعاف المعارضة السورية وإضعاف مصداقيتها أمام جماهيرها خلال العقد الماضي، مما عمق من أزمتها، وزاد في اليأس من جدوى نضالها. الأمر الذي سيترك آثاراً مريرة لسنوات تلي. فاستعادة الثقة والمصداقية بعد شرخها….. أصعب بكثير من بنائها للمرة الأولى.”.

لأني أحترم الحزب الذي يصدر النشرة، فقد فاجأني المقال وأدهشني في أن معاً. إذ كنت أظن أن الموضوعية لن تفارق أعضاءه الناشطين. لكن رياح اليوم تجري باتجاه تأكيد امتلاك الحقيقة المطلقة، لكل جماعة أو حزب يعد نفسه منخرطاً في الشأن العام، الذي ما عاد يمكن للراعي الصالح الفرد أن يكون فاعلاً فيه، بل إن تكوينه في الزمن الحاضر بحاجة إلى عمل منظومات عالمة متمرسة بشؤون تدعيم الاقتصاد الوطني ودفعه. وحيث لا يستطيع أي اقتصاد في العالم النماء من دون صدق وشفافية القائمين عليه. وقد أثبتت أحداث الحياة أن السير في عكس الاتجاه لن يحقق أغراضه المعلنة القريبة المدى فما القول بالبعيد منها.
تقرر الفقرة المستشهد بها أن “جماهير المعارضة محدودة أصلاً” بالتالي فأي لطمة توجّه إليها ستكون كبرى. غير أن عنوان “المعارضة الوطنية الديمقراطية” يترك مجالاً للعديد من الأسئلة:
– هل يعود إلى هذه المعارضة قياد المعارضين قاطبة؟! أم هناك معارضات تلتقي مع بعضها في أمور وتختلف في أمور أخرى؟! وكذلك وجود معارضين منفردين كلٌ على طريقته. أم لابد من توفير الإجماع وإعلان الولاء في كلا الاتجاهين!! ومن يختلف في الرأي أو الرؤية عن النظام أو عن أحد أطراف المعارضة منشق أو خائن أو كافر!
– من المتسبب في الصراعات والصدمات، أهي الممارسات والدعوات المغتربة – الكمبيوتر والخليوى وغيرهما هل هما من إنتاج الفكر الـمنهمك في التنظير ليوتوبيا قائمة في المستقبل؟ أم أن الأمر أبعد من ذلك بحيث تغدو الانتقائية الفكرية المفروضة مأساة المآسي.-.
أم أن المتسبب نفس ما تعرض له حزبكم بالذات؟ ولا بد من أن أعضاءكم الأعزاء لمسوا في فترة سجنهم وخارجها مدى التنوع الفكري لمعتقلي الرأي/الاعتقاد في المعتقلات وخارجها.
– هل يزول اليأس من جدوى نضال المعارضة (المحدودة وليس الواحدة الموحدة) فيما لو صدر أعضاؤها جميعاً فكرياً عن عقل/قلب واحد؟ فيعيدوا تأييد ما سبق تأييده وذاقوا من جراء سوء التنظير له وتوصيفه المبهرَج وتعذّر تنفيذه الأمرّين! هل يعقل أن يكون مطلوبا من الجميع الموافقة والانسجام على رأي واحد.؟ أم أن التعددية مقصود بها العددية وليس التنوع الفكري نسغ العلم والحياة…
– عندما قرأت جملة: “ومن ممارسات ودعوات مغتربة عن الواقع والتاريخ،” خلت نفسي أقرأ بياناً لجماعة سلفية ترفض أي حرف من خارج النص!!! بل لعلها جماعة قوموية لا تقبل قولاً في الواقع الوحدوي واستمرار التاريخ الدارس!!!
ليست معارضاتنا على اختلاف أنماطها بحاجة لاستعادة الثقة والمصداقية، فهي لم تفقدها بعد لسبب صارخ: لم يتح لأي منها أكثر من الإعلان عن نفسه، وعدد ليس بالهين من ناشطيها البارزين يرزح تحت نير سوء المعاملة في السجون بغية توهين عزيمة الناشطين الموجودين قاب قوسين أو أدنى من هذه السجون. التي يدخلونها، أو سيدخلونها، بحجة توهين عزيمة الأمة، فهل يوهِن الواهنُ، أم أن الوَهن شأن، بل لعله، قدر الجميع.
هناك مثل عربي قديم ينطبق على مثل حال وصف مقالة “الآن” المعارضة المكتوفة: “أحشفاً وسوء كيل”؟!…..
…………..
-2-
يبدأ مقال نشرة “الآن” “حول أزمة الحياة السياسية -3- بلمحة تاريخية عن اللبراليين السوريين، فيقول: “أغلق الانتداب الفرنسي على سوريا طريق التطور الاقتصادي المستقل”، فأي طريق؟ وأي مستقل؟! فهل كان الاقتصاد السوري – في يوم – خلال الأربعة قرون ونيّف المنصرمة، كذلك؟؟!! أم أننا نريد تطبيق مساطر معتمدة غيباً، كما يفعل ذوو الاقتصاد المبرمج الذي لا تقْدر البيروقراطية الأوامرية المركزية على تحقيق شيء من برامجه، إلا كل طويل عمر، وبعد عمر طويل، أي بعد أن يغدو عتيقاً، ونظل نصر على الحفاظ عليه وعلى طرائق تفكيرنا التي أنتجته….
يسترعي الانتباه في تلك اللمحة ورود مصطلحي: “ملاّك الأراضي والاقطاعيين” ولم يشر الكاتب إلى الفرق بينهما! لعله رأى أن الثانية ليست واقعية بالنسبة لبلادنا بحكم أن الفيودال الذي ترجمناه بالإقطاع نظام إدارة ملحق بها الاقتصاد المحلي، وهذا ما كان موجوداً عندنا في الفترة ما قبل الإمبراطورية العثمانية، أما خلالها فقد كانت ولايات سوريا وألويتها تحكم مركزياً. مع ذلك أورد الكاتب الكلمة فهل جاء ذلك بحكم العادة في التثنية؟ أم لعله أراد تلافي سجال من نوع آخر، يخرجه من مضمار أصحاب الفكر الاشتراكي، لخروجه عما صنفّه الآباء!!.
تتابع اللمحة التي تهتم بالسرد المتعجل (مادامت قد عنيت بالتفاصيل) أكثر مما تهتم بالمنهج التحليلي بالقول: “واستمر كذلك…… مما وفّر أرضية قوية للشراكة والتصالح (وليس التناقض والصراع) بين الطبقات……”. صحيحٌ كان هناك شراكة، بل شراكات، لكن ألم يلفت نظر الكاتب التناقض بل التناقضات القائمة، والمتسارعة التبدل، منذ مطالع القرن العشرين؟! وإلا فمن أي أرضية متشاركة/ متصالحة نشأت أحزاب: الشيوعي ونقيضه الإخوان المسلمون. والسوريون القوميون ونقيضهم البعث العربي والعربي الاشتراكي؟!
ثمّ هل الكاتب مقتنع أن خالد العظم لبرالي، بل أحد أبرز رموز اللبرالية؟. وهل هو من اعتمد لنا نظام السوق! أم أنه المؤسس الحقيقي لمبدأ حماية الصناعة السورية الناشئة وسوقها. إذ أنه ألغى بجرة قلم – لما كان رئيساً للوزراء – 22مصلحة من 24 مصلحة كانت مشتركة مع لبنان. وهذا ما يتنافى مع أبسط مبادئ اللبرالية. أما لبنان فهو الذي بقي وفياً للبرالية، رغم سيادة حكم العائلات الشرقي بِسِمة غربية.
لقد كان لحماية الصناعة السورية أثر مدمر عليها، مازالت تعاني منه حتى الآن، ولذلك فهي ما تزال عاجزة عن المنافسة لارتفاع التكاليف، رغم رخص أيدينا العاملة، وتشابك بل تناقض وتشوّه القوانين، ففي حين كان السوق يندفع باتجاه الانفتاح (التهريب الكثيف مثالاً) كانت الحماية تنيخ بكلكلها على الصناعة فتبطئ نموها وتزيد من تشوهها. كذلك نتائج تعثر تنفيذ الإصلاح الزراعي (وهذا ليس بعمل اشتراكي بتاتاً بل هو مشروع أمريكي الأصل، والإصلاح ليس من بين الأعمال الثورية، بله الانقلابية) ما تزال تطل برأسها حتى اليوم. ومازالت نتائج بيروقراطية رسملة الدولة، الناتج الطبيعي للحماية غير الطبيعية، تربك اقتصادنا بتأرجحها به يمنة ويسرة.
والقول: “…. إلى مبادرة عدد من ضباط الجيش المنتمين للأحزاب الشعبية لمقابلة عبد الناصر وطلب الوحدة مع مصر، متجاوزين السلطة…..” ألا يحتاج إلى إعادة نظر ورؤية موضوعية!!
1- هؤلاء الضباط – المبادرين والمتجاوزين – على ماذا أقسموا عند تخرجهم حاملين السلاح؟!
2- هل المبادرة بما يخص البلد (مازلنا بعيدين عن مفهوم الوطن) بمنأى عن السلطة، مباحة لكل ذي ظفر؟ فما القول بتجاوزها؟؟ ألم تؤد هذه المبادرة، وهذا التجاوز، إلى اقتطاع كل الأرض السورية، خلافاً لأحكام القانون الذي يحاسب، في هذا، على القول وحده!!
3- هل جرى نقاش ما فعله بالمجتمع أولئك الضباط بتنشيطهم امتداد فعل الأجهزة الأمنية العسكرية داخل المجتمع المدني في السنوات الأربع السابقة للوحدة. ثم جاءت الوحدة لتكرس ذلك وتضاعفه وهكذا دواليك……
غير أن الوحدة لم “تطو صفحة ما يسمى مجازاً بالمرحلة اللبرالية…..” إذ كانت تلك المرحلة محكومة بالنفوذ العسكري مجللاً بغطاء مدني فضفاض. ومن يشاء يستطيع العودة إلى قراءة كيفية تشكيل الوزارات، ومن له القول الفصل، أيام ذلك الحكم الذي يُشاد به ويُزاد…..
أما الحديث في آخر تلك اللمحة التاريخية عن الذين “هاجروا ليلحقوا بأموالهم….. دون أن تترك لبراليتهم السطحية أي أثر مهم على ثقافة ووعي المجتمع السوري….” فتناقضه الذاتي يشي بعكس المعنى. فهل:
– هل أولئك الأفراد المهاجرون لبراليون حقاً؟ وإذا كانوا كذلك فهل كانوا اللبراليين الوحيدين.
– هل هناك لبرالية سطحية وأخرى عميقة وثالثة بين بين!!
– لو كان هناك واقعياً فكر لبرالي منذ تأسيس الدولة السورية فهل يعقل ألاّ يترك أي أثر في ثقافة المجتمع خلال عدة عقود، هي فترة التأسيس.
الواقع الجلي أنه ما كان لدينا فكر لبرالي، بل ربما بعض التوجهات هنا وهناك. كما أننا لم نكن نعي ماهية الديمقراطية، إذ ما كان لدينا، بذاتنا، القدرة على ذلك (انظروا إلى تعامل الأُسر حتى الآن)، بل كان لدينا إرهاصات ومحاولات دائبة لترسيخ مكتسبات من بعض جوانب الديمقراطية، لكن ما أكثر ما كنا نُقاطع بأحكام الطوارئ، وينحرف بنا الطريق مرة ومرات، إلى أن حُرمنا حتى من بذل أي محاولة لتنشيط الحوار (الحديث فقط لا غير) العلني عن الديمقراطية، لجهلنا المريع بأن الكلام فيها يعدّ توهيناً والعياذ بالله ……
3 ـ
يتابع المقال فيتطرق إلى ما أسماه “الأصوات اللبرالية الجديدة” فيقول: “في بدايات القرن الجديد بدأ يظهر في أدبيات وخطاب بعض القوى والشخصيات السورية المعارضة – هكذا دون تحديد!- مصطلح (اللبرالية) من جديد – هل كانوا يعرضونه من قديم؟-” ثم يصل إلى القول: “ويا للمفاجأة، من شخصيات سياسية وحزبية تنحدر من الطبقات الشعبية،…….، (حزب الشعب….، العديد من حزب العمل الشيوعي وحزب العمال الثوري، والقوميون العرب، والاشتراكيون العرب، وماركسيون رسميون – رسميون هذه لا أدري لم وصفوا بها!– سابقون.). ويتساءل: “فما الذي ولّد هذه الموجة المستجدة من الأصوات (اللبرالية)” تليه تساؤلات وتصورات، وتراه يتحدث عن إحلال: “تقديس……… الحريات الفردية، الفكرية والدينية والسياسية والاجتماعية، تقييد دور الدولة…….”.
ومع أني لست لأرى في كل ما أشار إليه أي مِسحةٍ تدل على ترويج اللبرالية، بل لا تعدو كونها تعبيرٌ عن توقٍ إلى تطبيقاتٍ مألوفةٍ من الديمقراطية. فإنني أرى أنه تعسف في جمع هؤلاء جميعاً في جراب واحد، ودعوى واحدة، متناسياً أن لكل شيخ طريقته في تناول الأمور. ثم لنفترض جدلاً أن كل هؤلاء، الذين ذكرهم، هم كما قال، وهم أصحاب رأي، فما العيب في أن يكون لهم رأيهم الخاص في أي قضية وأي موضوع!!. وما باله يضمّن مقولاته نفساً تنديدياً وكأنه يحاول التشهير بهم جميعاً؟! ولا أدري لماذا غلب على ظني أن ماضي حزبه الطهراني لا يفسح له المجال لمثل هذا. أيضاً يطرح هنا سؤال نفسه: هل نقرأ أنشتاين أم النسبية؟ هل علاقتنا مع القائل (للحكم عليه) أم مع المقولة تأييداً أو تفنيداً. أم ترانا عندما نوافق على مقولة قائل نغدو من أنصاره. وعندما نعترض على مقولته يغدو خصمنا، وينعدم الود!
المسألة التي تدفع إلى الأسى أن كوارث نصف قرن من التجريب برسملة الدولة، على حساب ملكية المجتمع لأدوات الإنتاج، لم توضح فساد الأسلوب المتبع بعد، وهذه داهية الدواهي. ترى أمازال هناك من يرى أن سلطة الدولة بديل المجتمع وعِوَضُه، وهذا أدهى وأمر.
من هنا يصبح مفهوماً أن كل دعوة للعودة إلى تفهّم الاشتراكية على أساس ماركسي وليس لينيني ولا ستاليني، والعمل على تدعيم القوى الاقتصادية الصاعدة بغية تحقيق الارتقاء بالإنتاج للوصول إلى بناء مجتمع الوفرة والرفاه الذي هو المجتمع الاشتراكي، حيث لا وجود لذلك النوع من السلطة التي تنشب مخالبها في رقاب من يصرون – لا يتنازلون، وليس يقدسون – على كل تلك الحريات التي رفضها الكاتب واستنكرها ضمناً، توصم – تلك الدعوة- باللبرالية تعسفاً.

* النشرة الناطقة باسم حزب العمل الشيوعي في سورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى