الإصلاح يعيق الإصلاح
غسان المفلح
الدورة السورية
بمناسبة خروج معتقلي إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي في سورية، من سجنهم بعد أن قضوا مدة حكمهم بمحكمة جائرة، وبقانون شخصي، يقرره رجل لا علاقة له بالقانون، سواء كان ضابطا استخباراتيا أو مسؤولا في مكتب الأمن القومي… لافرق..تعود في كل مرة كهذه المرة أيضا خطابات الدعوة إلى الإصلاح… نتمنى لو كذا ويحدث كذا، ونرحب بكذا على امل أن يحدث كذا…الدعوة للإصلاح حاجة ضرورية بالطبع، ولكنها ليست دائمة الحضور في الخطاب السياسي للمعارضة، ليست فرض عين.. في ظل ميزان القوى الكاسح الذي استتب للنظام بمواجهة أية فاعلية مجتمعية، منذ عام 1982 ونحن كمعارضة ندفع الثمن، وقبلنا الشعب السوري، الذي مهما حاولنا تجميل صورة المعارضة أو النظام- من خلال بث إمكانية الإصلاح- فإنه هو الذي تقع عليه نتائج سياسات السلطة وضعف المعارضة، وفساد هذا السلطة المنتشر طوليا وعرضيا، وبشكل لا يقبل الفصل إطلاقا بين النظام والفساد، أي أن الفساد نفسه بات نظاما، مع ذلك لازالت المعارضة بسماحتها، ونزعتها- الأخلاقية- تصر على الدعوة للإصلاح.
كنت قد كتبت مقالا في العام 2001 ادعو المعارضة إلى التعاطي مع توريث الأمر الواقع، فإعطاء فرصة للسيد الوريث الذي لا ذنب له فيما ورثه من نظام، ومن المعلوم أنها حالة نادرة بالتاريخ المعاصر، أن يكون وريث أي نظام، لم يكن له يد في ما ورثه من نظام، ولم يتبؤ أية مسؤولية فيه، وفجأة وجد نفسه الرجل الأقوى فيه. فمن زاوية أخلاقية هو لا يتحمل كل ماحدث قبل لحظة التوريث. صحيح أن القبول بلحظة التوريث التي تمت على هذه الشاكلة يعتبر بحد ذاته مؤشرا قويا على التوجه، لكن ما خلا ذلك لا يتحمل الرئيس الجديد لسورية مسؤولية ما حدث في نظام والده الراحل. لهذا انتظار سنتين لمعرفة المآل بالملموس، يحتاج منا رغم عدم قبولنا بعملية التوريث، إلى إعطاء فرصة للرئيس الجديد، وهو أمر مهم على المستوى السياسي. وبدأت دعوات الإصلاح تنهال من وثائق المعارضة، حتى جاءت اعتقالات ربيع دمشق 2002 وكانت تعبيرا عن خيبة أمل المعارضة من جهة، وتكريسا لاستراتيجية سلطوية جديدة تستمد مرجعيتها من النظام الموروث، ومن جهة أخرى زاد الوضع بلبلة عندما بدأت النخب الجديدة الشابة! بالاستيلاء التدريجي بقوة السلطة الجديدة على مجمل الثروة الاقتصادية بالبلاد، وهذه المرة عن طريق التملك الشخصي، وليس الاعتباري كسلطة، بل كأشخاص..حتى وصلنا الآن 2010 والبلاد نصف أو أكثر من ناتجها المحلي مملوك مباشرة أو مدوارة من قبل الحرس الجديد. صحيح ان أسم السيد رامي مخلوف تصدر الواجهة بعد تملكه وتحكمه شخصيا بقطاع الاتصالات السورية، إلا أن البحث يتحدث عن مئات مثل السيد مخلوف لكنهم خارج حدود الإعلام. أربعة عناوين احتلت فيما بعد المساحة:
انفتاح اقتصادي، مقاومة، إصلاح سياسي، وسورية الله حاميها. هذه عناوين حاولت أن تخفي بداية ما يجري عمليا على الأرض المجتمعية السورية. وتتكرر أمور الاعتقال الانتقائي والانتقامي أحيانا، بطريقة أقل شراسة وهمجية من النظام السابق. وفي كل مرة نندب حظنا على الاعتقالات، وفي كل مرة ندعو النظام للإصلاح بعد الافراج عن المعتقلين بعد أن يكونوا أنهوا مدة حكمهم. لدي سؤال أليست عشر سنوات كفيلة بأن نعرف: هل فعلا هنالك قاعدة لدى النظام تصلح للإصلاح؟
علمني الخوف من السجن والاعتقال” أنك إن لم تستطع قول الحقيقة للناس فالصمت أقوى، لهذا باتت دعوات المعارضة للنظام لكي يصلح نفسه، باهتة، فالصمت أبلغ لنا من استمرار هذه الدعوات”.