ما المطلوب الان في سوريا ؟
مصطفى قلعجي
لعل من المفيد جداً أن نسأل هل الاقتصاد هو محرك السياسة أم أن السياسة هي التي تحرك الاقتصاد ؟؟
ومن منهما يحرك المجتمع ويكون صاحب الفعل فيه ؟؟
هل المطلوب هو الإصلاح السياسي أم المطلوب إصلاح اقتصادي أم غير ذلك من المجالات الأخرى .
إننا نعتقد بأن المطلوب من النظام في سورية كان وما يزال إصلاحا سياسيا شاملاً ، لماذا لأن كل مناحي الحياة في أي دولة من دول العالم مبنية على نظرية سياسية لها أيدلوجيا معينة محكومة بها.
من هنا دعونا نبدأ
بداية لابد لنا من أن نشير إلى أن الاقتصاد السوري ومنذ الاستقلال يعتمد في آليات عمله على اقتصاد السوق ، ومعظمنا يذكر هذا الاقتصاد المتمثل بكل آليات العمل التي تحققه شركات صناعية وزراعية وتجارية وسياحية ومصرفية من كل الأنواع مساهمة وغير ذلك.
يقوم الاقتصاد في جميع بلدان العالم على التجارة والصناعة والزراعة وعلى أعمال أخرى ، فالبلد الذي تتوفر فيه شروط إقامة اقتصاد يحتوي على كل هذه المفردات ، الحقيقة هو اقتصاد نادر ومتين ومع ذلك سورية كانت تعمل بكل هذه المجالات وهذه نعمة كبيرة حباها الله بها .
فسورية بلد زراعي غني منذ قديم الزمن ، تطورت فيه الصناعة وفق ما يتوفر فيه من صناعة يعتمد إنتاجها على الزراعة ، وصناعة تعتمد على ما توفر في سورية من مواد أولية ، وحديثاً دخلت صناعة السياحة لتنضم إلى باقي مكونات الاقتصاد السوري وقديماً قيل عن مدينة حلب بأنها مانشستر الشرق لبراعة أهلها في صناعة النسيج ونسيج ( الدامسقو ) زودت به قصور أوربا والذي أخذ اسمه من دمشق وأهم ما في الأمر الموقع المهم جداً على طريق التجارة الإقليمية والدولية .
وهنا دعونا أن نعود للوراء قليلا :
أسست غرفة تجارة وصناعة حلب عام 1885 بعد غرفة إستانبول مباشرة قبل عمان وبيروت وحتى القاهرة .
هذا الاقتصاد المهم كان موجوداً ولم يكن يعتمد في آليات عمله على أي دعم من الدولة في ذلك الوقت إلا ما يسهل عمله من أنظمة وقوانين ، بل كان يقوم بدوره في تنمية المجتمع السوري وهو ما عرفه الفريق الاقتصادي السوري اليوم باقتصاد السوق الاجتماعي ، كانت سورية في ذلك الوقت خلية نحل نشيطة في كل المجالات كل يقوم بدوره فكانت بذلك سباقة لمعظم اقتصادات دول المنطقة.
ماذا جرى بعد ذلك ؟؟؟
تغير نظام الاقتصاد السوري في نهاية الخمسينات وتم تحويل الاقتصاد من اقتصاد السوق الحر إلى اقتصاد اشتراكي مخطط ، سعد البعض بذلك بل الكثيرين وهرب رأس المال العامل خارج سورية جزء منه توجه للبنان وقامت نهضة لبنان في ذلك الوقت عليه وجزء آخر توجه للأردن وأيضاً قامت نهضة الأردن عليه ونشاط أصحاب رأس المال الهارب تطور ولا يزال يعمل حتى اليوم في لبنان والأردن وبلدان الاغتراب الأخرى وكان الأحرى أن يستثمر هذا المال في تطوير نهضة بلدنا الحبيب سورية .
ومنذ عام 1990 أي بعد تغيير الاقتصاد بنحو ثلاثين عاماً عاد مرة أخرى الاقتصاد في سورية إلى استخدام آليات عمل اقتصاد السوق بدون تغيير أو تعديل للدستور ، وهنا نجد المخالفة واضحة للجميع …. كيف لبلد دستوره ينص ( على أن اقتصاده اشتراكي مخطط يعتمد فريقه الاقتصادي على إقرار قوانيين تعمل وفق آليات عمل اقتصاد السوق الحر ) .
ومنذ اليوم الأول لصدور قانون الاستثمار في سورية بدء بدعوة رأس المال الذي دعيناه بالمهاجر للعودة إلى سورية لكنه وأصحابه لم يعودوا بسبب عدم تعديل الدستور .
وهنا لا أتحدث عن تغيير المادة الثامنة منه بل عن المادة رقم 13 الخاصة بالاقتصاد .
ومن هنا نعتقد أنه بدأ الخطأ كيف كان ذلك ؟؟
إن أي اقتصاد يبنى على الأنظمة والقوانين لا يبنى على القرارات الحكومية لذلك أصاب القائمون على إعداد هذه القرارات وهم الصواب وعملوا وفق من أخطأ له أجر ومن أصاب له أجران لكنهم لم يحصلوا على شيء بالنهاية ، فقد كان الاقتصاد محل تجارب الخطط الخمسية المتلاحقة والتي إن عرضنا الأولى بجانب الأخيرة نجد أن هذه الخطط لا تدعم بعضها ولا تصلح لنفس البلد مطلقاً بل وكأنها وضعت لبلدان مختلفة.
يتحدث الكثيرون عن مواضيع الإصلاح في سورية ، التي بدأت بمواضيع مهمة نعتقد أنها سياسية بامتياز ومنها ربيع دمشق وإطلاق عدد من المنتديات السياسية ، وهنا أيضاً وللأمانة أقول بعض إجراءات الإصلاح لم تستثمر بشكلها الصحيح ، فقد استعملت المنتديات على وجه المثال فقط من أجل عرض أفكار التيارات السياسية في سورية أو للتهجم على النظام دون عرض الحلول لأي من المشاكل التي تعترض حياتنا اليومية باستمرار.
ثم كان الحديث عن إصلاح اقتصادي تبعه إصلاح إداري والإصلاح الإداري قسم مرات عديدة من الاستعانة بالخبرات الفرنسية والماليزية وحتى تطبيق نظريات من مدارس مختلفة كل مسؤول حسب البلد الذي درس فيه آخرها كان تطبيق نظرية الإدارة بالأهداف التي لم تدم طويلاً.
إن تطبيق أي نظرية بدون تعديل النظم والقوانين اللازمة لها كمن يقاتل بطواحين الهواء ، فلكل نظرية آليات عمل محددة لها ولا يمكن لك أن تقوم بنقل الاقتصاد من اشتراكي مخطط كما في الدستور إلى اقتصاد السوق الحر بذات الوسائل وبنفس القوانين والآليات .
لذلك نرى أنه لابد من أن يكون الإصلاح سياسياً بامتياز ، ويتم ذلك من خلال العمل على :
1- إصدار قانون للأحزاب .
2- دعم عمل الجمعيات الأهلية بكل أنواعها .
3- دعم وتسهيل عمل منظمات المجتمع المدني .
4- القضاء على كل أشكال الفساد .
مصطفى قلعجي :الامين العام للحزب الديمقراطي السوري