أهل الحكم في دمشق يصدرون القرارات وعلماء السلطان يلبسونها الجبة والعمامة
محمد فاروق الإمام
يوم الثلاثاء 20 تموز الحالي تابعت على قناة الجزيرة برنامج ما وراء الخبر الذي يذاع بالساعة التاسعة والنصف ليلاً، وكان موضوعه عن القرار الذي اتخذه وزير التعليم العالي السوري بمنع المنقبات من التسجيل في الجامعات السورية الحكومية والخاصة والمعاهد بكل مسمياتها، وتداعيات هذا القرار وردات الفعل عليه وقد تناغم وتزامن مع إصدار قانون عن مجلس النواب الفرنسي يمنع ظهور المنقبات في المحلات العامة، وكان ضيوف الحلقة:
الكاتبة اللبنانية نهلة الشهال من باريس، ورئيس اللجنة السورية لحقوق الإنسان وليد سفور من لندن، ومن دمشق الدكتور محمد حبش عضو مجلس الشعب السوري ورئيس مركز الدراسات الإسلامية بدمشق.
وما لفت انتباهي السجال الذي دار بين الكاتبة اللبنانية نهلة الشهال والدكتور محمد حبش الذي كان يبرر قرار الوزير بأنه قرار حكيم وصائب يعيد لدمشق وجهها الحضاري ويبعد الإسلام عن اتهامه بالتشدد، وأن النقاب ليس من الإسلام في شيء وهو دخيل على الإسلام جاء أيام العهد العثماني، ولم يكن له أية أصول في تاريخنا الإسلامي، وأن النقاب شكل من أشكال التخويف والترهيب خاصة بالنسبة للعلاقة بين المدرّسة المنقبة وطالباتها، وبين المنقبة وزملائها الطلبة وأساتذتها في الجامعة. وأن من حق الحاكم أن يتخذ القرارات التي يجد فيها مصلحة للرعية على مبدأ فقه المصالح المرسلة ونبذ المفاسد، وقد أحسن الوزير في قراره الصائب بمنع المنقبات من التسجيل في الجامعات والمعاهد، حتى تعود لمؤسساتنا التعليمية أصالتها الإسلامية الوسطية غير المتشددة والمتسامحة التي عرفت بها دمشق على مر العصور.
وكان تعليق السيدة نهلة الشهال على السيد الدكتور محمد حبش وهو ينبري للدفاع عن قرار الوزير وأن من حق الحاكم أن يصدر القرارات التي يجد فيها مصلحة للأمة والرعية تجنيباً للوقوع في المفاسد قائلة: أنا اعرف أن النظام في سورية نظام علماني ولم يكن يوماً إسلامي وتاريخه في معادات الإسلام ومحاربة المسلمين لا يحتاج إلى تذكير، ولم أعرف أن الحاكم في سورية قد أصبح أميراً للمؤمنين وأصبح فقيهاً يفتي في الحلال والحرام، وقد أعلن السيد الوزير أنه اتخذ قراره بمنع المنقبات من التسجيل في الجامعات والمعاهد السورية بحجة أن نظام الدولة العلماني يتعارض وانتشار النقاب في سورية، وأن الأهالي طالبوه بإصدار مثل هذا القرار خوفاً على بناتهم وأولادهم، وأن ما يذكره الدكتور حبش بعيد كل البعد عن هدف المنع الذي أعلنه الوزير نفسه، ولا أفهم لم كل هذا الدفاع من قبل حبش لقرار الوزير وإعطائه صفة شرعية لإصدار مثل هذا القرار.
ويؤكد على ذلك موقع (كلنا شركاء) الذي يشرف عليه عضو حزب البعث أيمن عبد النور أن مكتب الأمن القومي التابع لحزب البعث الحاكم في سورية هو الذي كان وراء إصدار مثل هذا القرار.
وقال الموقع بلهجة ساخرة: (أشار مصدر مطلع أن كامل قضية المنقبات سواء في الجامعات أو وزارة التربية ليس لها علاقة بالأهالي فمنذ متى كان للمواطنين أو الأهالي صوت يسمع؟ ولكن القضية أمنية بحتة وصدر بها قرار من مكتب الأمن القومي بهذا الخصوص والوزراء يقومون كلاً منهم بحسب اختصاصه بإصدار التعليمات في وزارته).
حبش نفسه الذي يتصدى اليوم للنقاب ويبرر قرار السيد الوزير في منعه ويعطيه الحق الشرعي في اتخاذ مثل هذا القرار، وأن ذلك صلاحية الحاكم المسلم لدرئ الأخطار والمفاسد التي تنجم عن انتشاره.. هو نفسه الذي يقول في خطبة له في افتتاح حسينية الزهراء في دمشق يوم 4 تموز 2003: (أن الحجاب – وكانت قاعة الاحتفال مكتظة بالنساء المنقبات – الذي تلبسه المرأة المسلمة ينعكس ضياء وفيض نور ولا يحول دون تفوقها في مراكز المجد والخير والتقدم. إنني أشعر بالغبطة القلبية والاعتزاز والفخر والشكر لأولئك الذين بعثوا في الشام رقاد ثلاث سيدات طاهرات؛ رقية بنت الحسين وسكينة بنت الحسين وزينب المقدسة بنت علي بن أبي طالب).
ويضيف قائلاً: (لقد تمكنا أن نستعيد ذاكرتنا وأن ندرك أن المرأة في صدر الإسلام الأول شريك كامل في بناء هذا المجد.
شكراً لك زينب… شكراً لك أيتها المرأة التي يزّاحم على أعتابها المحبون من كل أرجاء الأرض… إنك تقولين كل يوم: بالإسلام تمكنت المرأة أن تكون شيئاً خالداً في ضمير العالمين).
وكان حبش قد أدلى بحديث لصحيفة القدس العربي نشرت في 20 تموز الحالي أكد فيه أن (النقاب ليس مشروعاً وأن الدين الإسلامي شرّع الحجاب الشرعي ونهى عن التشدد، معتبراً أن النقاب ليس في أصول الإسلام ولا من أركانه)، مضيفاً في حديثه لـ (القدس العربي) بأنه (يحق لولي الأمر أن يتدخل لمنع بعض المباح – إذا اعتبرناه مباحاً – مشبهاً المنقبات بالأشباح حيث يقول تعليقاً على نقل المعلمات المنقبات من حقل التعليم إلى مؤسسات الدولة الأخرى (أن هناك أسباباً تعليمية تربوية وأن هناك أسبابا أمنية تفرض بألا يُسمح بالنقاب في المجتمع) وأضاف: (تصور أنك تمشي في مدينة كل الذين فيها ملثمون وبنظارات سود هذا المشهد غير مقبول لا من النساء ولا من الرجال ومن حق ولي الأمر منع ذلك).
ولم يقتصر الأمر على دفاع الدكتور حبش عن قرار الوزير، فهذا الشيخ الفقيه حسين شحادة رئيس منتدى المعارج لحوار الثقافات والحضارات يفتي بتحريم استغلال النقاب واستخدامه لأغراض العنف والإرهاب، وقال الشيخ شحادة في حديث لـ(القدس العربي) نشر يوم 20 تموز الحالي أيضاً: (أفتي بتحريم استغلال النقاب واستخدامه لأغراض العنف والإرهاب وهذا ما يجب على المنقبات الفاضلات أن يأخذنه بعين الاحترام لأي إجراء يمنع استغلال النقاب لأغراض مشبوهة لا ترضى بها المنقبات أنفسهن).
وأكد شحادة في حديثه (على الفصل بين وجوب الستر والاحتشام وتقوى الحجاب واللباس وبين تقليد النقاب الشائع)، مشدداً على أن (حجاب المرأة المسلمة هو تعبير عن الهوية الثقافية والحضارية للأمة. أما النقاب السائد فليس فيه ما يعبر عن الفلسفة الإسلامية في نظرتها للمرأة) على حد تعبيره.
هذا التناقض العجيب والغريب في مواقف الدكتور محمد حبش والعديد من علماء السلطان الذين تزخر بهم الساحة الإعلامية السورية لتسويغ وتبرير كل ما يصدر عن السلطان في سورية من قرارات ومراسيم وقوانين وأحكام وإلباسها القالب الشرعي لأمر محزن ومعيب بحق الشام وأهلها، وانتقاص من قيم الشام وأهلها التي توارثتها كابراً عن كابر لقرون مديدة، حتى جاء حزب البعث بما لم تأت به الأوائل فحرم المحلل وأباح المحرم بتبرير وتسويغ وتوقيع علماء السلطان (فانعم بطول سلامة يا مربع).
خاص – صفحات سورية –