أزمة النقاب في سوريةغسان المفلح

النقاب في سورية سياسة كما المنع

غسان المفلح
ليس النقاب من الدين في شيء، وإنما الحجاب من الدين فرض. كي نتخلص من العنعنة، والتأتأة في التعاطي مع هذا الموضوع.
النقاب الحالي الذي انتشر في سورية، هو سياسة، تستند على موروث تقليدي، سعودي من جهة وتركي من جهة أخرى. مع العلم أن النقاب الراهن في سورية هو نقاب يمتزج فيه رمزيات متواجدة تقليديا في بعض المدن السورية منذ أيام الاجتلال العثماني مع ” رمزيات ظاهرة الأفغان العرب، الذين أرسلوا بقرار دولي وإقليمي لمحاربة الوجود السوفييتي في أفغانستان 1980وما بعد، ومحورية تواجد الرمزيات الخليجية عموما والسعودية خصوصا، في هذه الظاهرة التي عادت إلينا، وبدأت تأخذ في كل بلد حيز، حتى وصلت إلى الجاليات المسلمة في أوروبا. يمتزج وكنت قد تناولت هذا الموضوع في أكثر من مقال، المنع سياسي ولأهداف سياسية وليس لأهداف حقوقية.
المرأة المنقبة في أوروبا، لاتحتاج لمن يدافع عنها، لأن من ترتدي النقاب في أوروبا، هي إمرأة متعلمة وفي الغالب مستقلة ماديا، وذات رأي في السياسة وفي السفور الأوروبي كما يسمى. ومع ذلك كنت أتمنى على الحكومات الأوروبية التي منعت وتريد منع النقاب أن تطرحه للتصويت على الجاليات المسلمة، وإن كان من باب الاستشارة سترى، أن الجالية المسلمة في اوروبا لا تريد النقاب.
بالعودة لسورية وما يدور الآن من أنباء عن منع المنقبات من التعليم ومن التعلم في الجامعات والمدارس. النقاب التركي كان محدود في بعض المدن السورية، وهو أتى بفرمان تركي أثناء الاحتلال العثماني لسورية والمنطقة. واستمر في بعض المدن، ولم ينتقل للريف السوري حتى تسعينيات القرن العشرين. وكان هنالك نقابان شفافان واحد أبيض للمرأة من أصول تركية، والأسود للمرأة من أصول عربية، لكنه لم يكن هكذا حاسما من القدمين وحتى الرأس والوجه..هذا النقاب الحالي هو نقاب خليجي- أفغاني. وتريد بعض القوى السياسية والمدنية تحويله إلى نقاب إسلامي من أندونيسيا إلى المغرب. ثمة مفارقة لا بد لنا من تسجيلها، المجتمع السعودي لم تكن المرأة بحاجة أصلا إلى نقاب، لأنها بالأساس لم تكن تخرج خارج البيت، قبل عدة عقود. المراة التي تنقبت وتنقبت- بضم التاء- هي المراة التي خرجت إلى السوق والتعليم….وأخذ النقاب الآن أشكالا عصرية ومتعددة، وطبقية أيضا، فلكل مقام مقال.
كان لباس المراة السورية الدمشقية المنقبة ملفتا للانتباه، فهي لا تغطي ساقيها حتى الركبتين إلا بجورب لحمي خفيف، ومع ذلك منقبة. الآن نقب الساقان أيضا، والسبب ليس دينيا أو وراثيا بل السبب قراءة سياسية للدين وجاهزية سياسية لوضع المرأة فيها.
بالمحصلة النقاب الحالي هو نقاب سياسي، كان يراه النظام السوري ينتشر منذ منتصف الثمانينيات، واتسع انتشاره أكثر في التسعينيات وما بعد..وهذا الانتشار كان وليد سياسة شارك فيها النظام وقوى سياسية متعددة، وإن كانت تأخذ لبوسا دينيا أو مدنيا. وانتشار السلفيات في سورية، هو سياسة أرادها النظام، لكي يواجه المد الديمقراطي في تسعينيات القرن العشرين، تحت عنوان مواجهة الغزو الثقافي الغربي. وهذا يذكرنا في بدايات الأسد الأب، عندما كان يقمع كل المعارضة ماعدا المعارضة الإسلامية، حتى عام 1975 كان يغض الطرف عن نشاطها، ولا يريد فتح معركة معها، ليس خوفا وإنما ترتيبا للأوضاع.
موجة المنع الآن، في الواقع لا يمكن للمرء أن يتنبأ، لماذا اتخذت السلطة السياسية هذا القرار في سورية؟
تقول مصادر أنه اتخذ لأسباب أمنية، ومصادر أخرى تقول أنه اتخذ لمواجهة التطرف، ربما بعد فترة قصيرة نجد قوى التنقيب السياسي هذا توجه رسالة للرئيس الأسد لكي يلغي هذه الإجراءات ربما يستجيب وربما لا يستجيب لا أحد منا يحزر، فالسلطة في النهاية شخص واحد.
حقوقيا المنع مرفوض، ولكن سياسيا في الوضع السوري أرى بخلاف كثر من المعارضة السورية، أن منع النقاب في مؤسسات التعليم أمر ضروري وهام جدا، في حال ترافق مع مجموعة من الإجراءات التوعوية والتشاركية!!! وهذا لن يحدث في سورية بالطبع، لأن التشاركية عدو رقم واحد للنظام.
ربما الموقف من هذه الظاهرة، في المؤدى الأخير لا يمكن لنا مناقشته إلا في ضوء مناقشة، أزمة الحريات العامة المفقودة في سورية.
في العالم الغربي جاء المنع ديمقراطيا، وليس بقرار شخص واحد أو مجموعة من ضباط الأمن، سواء في بلجيكا أو فرنسا، ولأسباب مختلفة عن أسباب النظام السوري، كنا قد ناقشناها سابقا.

هنالك من أسر لنا أن هذا الإجراء جاء نتيجة نصيحة فرنسية للنظام في دمشق، لكي يلمع صورته في الغرب، ولا نعرف مدى دقة هذه المعلومة.
قضية النقاب الآن في سورية يجب نقاشها ضمن نقاش غياب الحريات العامة وقسم كبير من الحريات الفردية، وليس نقاشها كظاهرة منفصلة.
استطاعت سياسات النظام وبعض القوى الأخرى الإقليمية والحزبية الإسلامية السياسية أن توجد عمقا اجتماعيا وثقافيا للنقاب في سورية، وغن كان محدودا لكنه ليس قليل، وهذا أمر يجب التوقف عنده، ودراسته، لأنه أداة من أدوات الحرب الأهلية النائمة.
ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى