أضخم تسريب عسكري في التاريخ : هذا ما يحصل في أفغانستان
شُغل العالم أمس بمتابعة أكبر تسريب للمعلومات في التاريخ العسكري الحديث مع نشر موقع «ويكيليكس» بالتعاون مع ثلاث صحف عالمية أكثر من 92000 وثيقة عسكرية تعود للجيش الأميركي، وتتعلق بالحرب الدائرة في أفغانستان منذ تسع سنوات. وفيما تباينت ردود الفعل الرسمية على ما حصل، أكدت السجلات والوثائق المسربة أنّ النصر لا يزال بعيداً عن متناول واشنطن وحلفائها
صباح أيّوب، ديما شريف
بعد محاولات حثيثة للاتصال به، نجحت صحيفة الـ«غارديان» البريطانية في تدبير موعد سرّي معه في بلجيكا. وفي أحد مقاهي العاصمة بروكسل، التقى ممثل عن الصحيفة بالشخص المختفي عن الأنظار منذ أشهر والملاحق من البنتاغون والاستخبارات الأميركية. استمع ممثل الـ«غارديان» إلى ما قاله ذاك الشخص بدقّة، أبرم اتفاقاً أولياً معه، ثم خرج من المكان وفي حوزته منديل المقهى الورقي كتبت عليه بعض الأحرف. اللقاء الأولي ذاك تبعه لقاء ثان في استوكهولم، حيث جرى الاتفاق النهائي على تفاصيل العملية. بالأمس، اتضح أنّ الشخص المختفي ليس إلا جوليان أسانج، صاحب موقع «ويكيليكس»، والأحرف المكتوبة على منديل المقهى ليست سوى كلمة السر للدخول إلى الـ«داتا» الخاصة بأكبر عملية تسريب في تاريخ الجيش الأميركي.
… فعلها جوليان أسانج، صاحب موقع «ويكيليكس» الإلكتروني الذي نشر في نيسان الماضي شريطاً مصوّراً يظهر جنوداً أميركيين يقتلون مدنيين ومصوّراً صحافياً في العراق، والذي تلاحقه الأجهزة الأمنية الأميركية بسبب ما يملك من معلومات عن حربي أفغانستان والعراق. أسانج أخرج أخيراً بعض خباياه إلى العلن: 92201 من السجلات الداخلية السرية للعمليات العسكرية والاستخبارية الأميركية في أفغانستان منذ كانون الثاني 2004 حتى كانون الأول 2009.
هذه المرّة، قرر أسانج أن تشاركه في «الحفلة» بعض الصحف العالمية، فاتفق مع «نيويورك تايمز» الأميركية و«غارديان» البريطانية و«دير شبيغل» الألمانية، وسمح لها بالاطلاع على ما لديه من سجلات مسرّبة من داخل غرف عمليات الحرب، للتدقيق فيها ونسخها بغية النشر. وهكذا، على مدى أسابيع، فكّت مجموعات من الاختصاصيين العسكريين وخبراء في قراءة الداتا الإلكترونية والصحافيين الاستقصائيين رموز المصطلحات الحربية في اللغة العسكرية المستخدمة، وتأكدت من صحة المعلومات ومقاطعتها مع مصادر أخرى، فنجحت بترتيب الداتا الضخمة، ما جعل أكثر من 400 مصطلح عسكري حربي قابل للقراءة والفهم. وعندما انتهى العمل التدقيقي والاستقصائي، اتفقت الصحف الثلاث على النشر معاً، وهنا لم يكن لأسانج سوى شرط واحد: أن لا تنشر أيّ من الصحف المعلومات قبل يوم الأحد (الماضي)، حين يضع موقع «ويكيليكس» تلك السجلات على الإنترنت. وهكذا كان، فاستفاق قرّاء الصحف الثلاث أمس على مانشيتات شبه موحّدة ومقالات وخرائط وأرقام ومعلومات بالجملة تروي تفاصيل الحرب الأميركية على أفغانستان على مدى 6 سنوات.
وتحفّظت كل من الصحف المذكورة على كشف بعض المعلومات الاستخبارية وبعض أسماء المواقع والأشخاص الذين لا يزالون في ميدان الحرب، كذلك امتنعت عن نشر معلومات عسكرية قد تعرض قوات التحالف الموجودة حالياً في أفغانستان للخطر. كذلك أكّدت الصحف عدم اطلاعها المباشر على مصدر تلك المعلومات الأصلي.
وعن «المصدر الأصلي» للمعلومات قصّة أخرى ظهرت إلى العلن منذ أشهر، تقول إنّ أحد الجنود الأميركيين المسؤولين عن قراءة المعلومات العسكرية السرية وتحليلها، نسخ سجلات حربي أفغانستان والعراق وأرسلها إلى مسؤول موقع «ويكيليكس». وفي شهر أيار الماضي، بعد سلسلة أحداث غير متوقعة تتعلق بالقضية، اعتقل الجندي، المحلل العسكري، برادلي مانينغ واقتيد من قاعدته في العراق إلى سجن عسكري في الكويت، حيث يقبع من دون محاكمة، ولا أحد يعرف عنه شيئاً ولا عن ملابسات اعتقاله أو التهم الموجهة إليه.
وفي مقابلة مع الـ«غارديان» و«دير شبيغل»، يفسر أسانج دوافع نشره لهذه المعلومات السرية وتعريض نفسه للخطر، فيقول إنّ «العمل الصحافي الحقيقي هو العمل المثير للجدل الذي يفضح استغلال أصحاب السلطة للأمور، وعندما يكشف الاستغلال يمكن الأمور أن تصحّح». ويضيف «أنّ المعلومات التفصيلية الدقيقة، التي تصف مجريات الحرب، من شأنها أن تسلّط الضوء على حقيقة تلك الحرب وما رافقها من عنف يومي وقتل للمدنيين. وهي ستغيّر نظرة العالم تجاه المسؤولين السياسيين والدبلوماسيين وأصحاب القرار».
وعن إمكان ملاحقته أو محاكمة موقع «ويكيليكس»، أكّد أسانج أنّ «الطريقة الوحيدة لملاحقتي هي عبر القانون، لا عبر المؤسسات والجنرالات. وقد خضعنا لمحاكمات قضائية في بلدان عدّة وربحنا أمام القانون».
بن لادن هو المسؤول المباشر عن تنفيذ العمليات الانتحارية التي يقوم بها مقاتلون غير أفغان
الاستخبارات الباكستانية أدت دوراً مزدوجاً كحليف وعدو للولايات المتحدة
فما الذي أراد أسانج أن يكشفه للعالم في حرب أفغانستان؟
استهداف المدنيين والأطفال والقصف العشوائي، قتل رفاق السلاح بعضهم بعضاً في ميادين المعارك، دور باكستان وإيران، أسامة بن لادن والعمل الاستخباري، وأشياء كثيرة أخرى في الجزء الذي استطاعت الصحف كشفه بعد اطلاعها على السجلات.
وتفسر السجلات كيف أنّه، بعد تسع سنوات وثلاثمئة مليار دولار صرفت على الحرب في أفغانستان، لا تزال واشنطن وحلفاؤها في حلف شمالي الأطلسي بعيدين عن الربح الذي يتحدثون عنه دائماً. وتوضح ما كسبته «طالبان» على الأرض وكيف أصبحت هجماتها أكثر تنسيقاً وتركيزاً، موقعة خسائر كبيرة في صفوف التحالف، لتصبح أقوى من قبل بكثير.
كذلك يبدو من خلال هذه المستندات تخبط الجنود الأميركيين في المعارك. وتُظهر شكاوى المارينز من عدم وجود أموال كافية لتدريب الأفغان والحفاظ على ولائهم.
وتبرهن الوثائق أيضاً أنّ الجيش الأميركي أعطى أحياناً معلومات مضللة، مثل قوله إنّ مروحية أميركية أُسقطت بأسلحة تقليدية، فيما كانت «طالبان» تستخدم صواريخ حديثة (تبحث عن مصادر الحرارة وتقضي عليها) أو القول إنّ الأفغان حققوا إنجازاً ما في إحدى المهمات، فيما الفضل يعود للأميركيين. كذلك تكشف المستندات عن وجود فرقة كوماندوس سرية أميركية تدعى «فرقة 373» تضم عناصر من الجيش والبحرية تقضي مهمتهم باعتقال أشخاص محددين يُعَدّون من الأهم عند المقاتلين أو قتلهم. وتكشف الوثائق كيف نجحت هذه الفرقة أحياناً وفشلت أحياناً أخرى، مسببة قتل المدنيين. هكذا حصل في 11 حزيران 2007، حين كانت الفرقة تطارد، مع الأفغان، قائداً في «طالبان» يدعى قار الرحمانين قرب جلال آباد، وانتهت المهمة بهربه ومقتل 7 من القوات الأفغانية. وتقول جريدة «دير شبيغل» إنّ وجود الفرقة على قاعدة «مخيم مرمل» الألمانية في مزار الشريف يسبب حرجاً للحكومة الألمانية بسبب الأخطاء القاتلة المتكررة التي ترتكبها.
وتعطي المستندات دليلاً على الشكوك في ازدياد عمليات وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) شبه العسكرية داخل أفغانستان. فهي شنت غارات ليلية عدّة، وكمائن، وموّلت بين 2001 و2008 وكالة الاستخبارات الأفغانية وإدارتها كفرع لها.
وتوحي بعض الوثائق أنّ الجيش الأميركي كان متفائلاً وساذجاً أحياناً، وخصوصاً في ما يتعلق بالتقويم الداخلي لإمكان الربح في الحرب. كذلك تظهر الوثائق أنّ المقاتلين المناهضين لواشنطن كبّدوا الجيش الأميركي وقوات التحالف خسائر كبيرة عبر هجمات صغيرة قد تبدو غير فعالة. وهم من حددوا إيقاع الحرب عبر اختيارهم مكان المعارك، على أراضٍ يعرفونها جيداً، ثم اختفوا.
وتعطي الوثائق دليلاً على الشكوك المتعلقة بحقيقة الدور الباكستاني في أفغانستان. فتقول إنّ الاستخبارات الباكستانية أدت دوراً مزدوجاً كحليف وعدو للولايات المتحدة. فهي تعاونت مع واشنطن في بعض الأمور، فيما كانت تحاول، عبر علاقاتها مع شبكات المقاتلين الذين يحاربهم حليفها الأميركي، بسط نفوذها في أفغانستان. وتسمي إحدى الوثائق، التي تعود إلى آب 2008، عقيداً من الاستخبارات الباكستانية (ISI) على أنّه الرأس المدبر مع مسؤول في «طالبان» للتخطيط لاغتيال الرئيس الأفغاني حميد قرضاي. كذلك تكشف المستندات عن أنّ الجنرال حميد غول، الذي كان رئيساً للاستخبارات الباكستانية بين 1987 و1989، عمل على إعادة تفعيل علاقاته السابقة مع المجاهدين الأفغان الذين تحولوا إلى «طالبان» وأعاد إحياء صلاته بجلال الدين حقاني وقلب الدين حكمتيار اللذين تعدّهما واشنطن مسؤولين عن العنف في البلاد والهجمات عليها.
وتصف إحدى الوثائق لقاء غول مع ثلاثة قادة أفغان من طالبان و«ثلاث رجال عرب قد يكونون من القاعدة» في مدينة وانا عاصمة وزيرستان الجنوبية. وتضيف الوثيقة أنّ المجتمعين ناقشوا الانتقام لأحد المقاتلين الذين قضوا في هجوم من طائرة أميركية بلا طيار، وأنّ غول طلب من قادة «طالبان» العمل في أفغانستان فقط في مقابل غض السلطات في إسلام آباد النظر عن وجودهم في مناطق باكستان القبلية. وتقول وثائق أخرى إنّ الاستخبارات الباكستانية تشرف على عمل الانتحاريين الذين تكثف عملهم في أفغانستان في 2006 وأرسلت ألف دراجة نارية إلى حقاني في نيسان 2007 لاستخدامها في العمليات الانتحارية في خوست ولوغار.
أسامة بن لادن
ماذا عن العدو الرقم واحد، أسامة بن لادن؟ رغم اعتراف الاستخبارات الأميركية الشهر الماضي على لسان مدير «سي آي إيه» ليون بانيتا بأنّه منذ 2000 لم يكن لدى واشنطن معلومات دقيقة عن مكان وجوده، تظهر المستندات أنّه بين الحين والآخر كان لدى الأميركيين معلومات عن بن لادن وزياراته لباكستان. وتقول وثيقة تعود لآب 2006 إنّه كان موجوداً في كيتا في باكستان، حيث عقد اجتماعاً لستة انتحاريين لتنفيذ هجمات. وتضيف الوثيقة أنّ الملا عمر والملا داد الله والملا برادار كانوا في هذا الاجتماع. وتدّعي الوثائق أنّ بن لادن هو المسؤول المباشر عن تنفيذ العمليات الانتحارية التي يقوم بها مقاتلون غير أفغان. وتوضح وثيقة أخرى أنّ بن لادن مثلاً كلف «ثلاثة إرهابيين يتمتعون بتدريب عالٍ قتل الرئيس قرضاي» في أيلول 2004. وتقول وثيقة تعود لكانون الأول 2005 إنّ مستشار بن لادن المالي سافر بأوامر منه مع قلب الدين حكمتيار إلى كوريا الشمالية عبر إيران لشراء صواريخ.
وتربط مستندات عدّة بين بن لادن وتنظيم «القاعدة» وعدد من العمليات، مثل تهريب الصواريخ في قندهار، ومحاولة صناعة أسلحة كيميائية وغيرها. وتؤكد أنّ نفوذ بن لادن تزايد وينتشر على نحو كبير بين المقاتلين، حتى استطاع إقناع بعضهم بتسميم طعام قوات التحالف وشرابها، كما تقول وثيقة تعود لأيار 2008.
وتوضح المستندات زيادة أهمية العبوات المتفجرة لدى «طالبان»، إذ كان عددها 308 في 2004 وأصبحت 7155 العام الماضي، فوصل عددها في خمس سنوات إلى 16000.
وتظهر المستندات العقبات التي يواجهها الجيش الألماني أيضاً، على عكس التقارير التي تصدر عن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. ويبدو أنّ قوات الجيش الألماني لم تشهد تقدماً في عملها منذ 2002، تاريخ وجودها في المنطقة. وتشير «دير شبيغل» إلى وجود سذاجة عند قيادة الجيش التي اختارت المناطق الشمالية في أفغانستان لوجودها لأنّها هادئة لتواجه التفجيرات والعمليات الانتحارية ضد مهندسيها لاحقاً، رغم أنّ معظم عملها يقوم على إعادة الإعمار. إذاً، تعطي الوثائق المسربة صورة واقعية عن سير المعارك على الأرض في أفغانستان، وتظهر حقيقة غير منمقة، صادمة أحياناً، لحرب ابتعدت كثيراً عن هدفها، ويبدو أنّها لن تنتهي قريباً.
أبرز الوثائق
ـــــ 11 تشرين الأول 2009، مقاطعة بلخ: ضرب عناصر من الشرطة الأفغانية والجيش الأفغاني عدداً من المدنيين لرفضهم التعاون خلال تفتيش. حاول ضابط في الشرطة اغتصاب فتاة في السادسة عشرة من العمر، فاعترض أحد المدنيين الموجودين. فطلب الضابط من حارسه الشخصي أن يطلق النار على المدني. رفض الحارس، فأطلق الضابط النار على حارسه الشخصي أمام المدني.
ـــــ 4 كانون الأول 2009، مقاطعة أوروزغان: بعد حادث سير، تصاعد النقاش بين عناصر من الجيش وآخرين من الشرطة الأفغانية، ثم بدأوا بإطلاق بعضهم النار على بعض. أُصيب جندي أفغاني وثلاث من الشرطة، فيما قتل مدني واحد وجرح ستة.
ـــــ 3 أيلول 2009: سرق المتمردون شاحنتين محملتين وقوداً. لاحقت الطائرات الشاحنتين. بعد التأكد من عدم وجود مدنيين، أُعطي الأمر من المسؤول الألماني عن منطقة كوندوز بضربهما. أُطلقت قنبلتان تزن كلّ واحدة منهما 500 باوند من طائرة إف 15. قتل 56 متمرداً.
ـــــ 4 أيلول 2009: قتلت طائرة «إف 15» 60 مدنياً أفغانياً في كوندوز
ـــــ 6 نيسان 2006: تعرضت قافلة بريطانية لإطلاق نار وتدهورت إحدى الشاحنات العسكرية. طلب البريطانيون مساندة جوية من الأميركيين، وبدأوا بإطلاق النار باتجاه التلال المحيطة بهم. تبين أنّ مطلقي النار هم من الشرطة الأفغانية التي لم تعرف بمرور موكب بريطاني.
ـــــ 2008: استهدفت القوات الفرنسية حافة مدرسية تقلّ أطفالاً فجرحت ثمانية منهم، وقصفت القوات الأميركية حافلة أخرى للركاب مسببة جرح وقتل 15 شخصاً على الأقلّ.
ـــــ كانون الأول 2007: هاجمت قوة بولندية قرية أفغانية وأطلقت النيران على حفلة زفاف فقتلت كل الموجودين، من بينهم امرأة حامل. واتضح أنّ دوافع العملية العسكرية البولندية كانت انتقامية بحتة.
ـــــ 13 أيلول 2009: فقد أحد الطيارين الأميركيين السيطرة على طائرة بدون طيار كان يوجهها من قاعدة داخل الولايات المتحدة، ولم تُسترجع.
ـــــ 9 كانون الأول 2008، قندهار: طائرة بريداتور تشاهد رجالاً يحاولون زرع قنبلتين على جانب إحدى الطرقات. أطلقت الطائرة كلّ الأسلحة والقنابل الموجودة فيها. حين وصلت القوات الأرضية إلى المكان لم تجد سوى معول. هرب الرجال ولم تستطع العملية التي كلفت ستين ألف دولار جرحهم حتى.
الأخبار
موقع “ويكيليكس”: تاريخ من التسريبات السرية الحساسة
جوناثان فيلدز
مراسل بي بي سي لشؤون التكنولوجيا
نشر موقع ويكيليكس الإلكتروتي أكثر من 90 ألف تقرير سري مسرَّب عن خفايا الحرب التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان، وبذلك يعود مرة أخرى الى مركز اهتمام وسائل الإعلام في العالم. هنا لمحة عن تاريخ هذا الموقع، وأهم تسريباته:
أثارت آخر حلقة من المسلسل الطويل لتسريبات ويكيليكس هذه، والتي أكسبته سمعة نشر معلومات سرية وحساسة تتعلق بحكومات ومنظمات وهيئات مرموقة، حفيظة البيت الأبيض وانتقاداته نظرا لما تم الكشف عنه من تفاصيل حوادث قتل لمدنيين أفغان وعمليات سرية نفَّذتها القوات الخاصة الأمريكية ضد قادة حركة طالبان.
كما كشفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ميجان واتسون، لـ بي بي سي في وقت سابق من الشهر الجاري عن التفاصيل والملابسات التي أحاطت بعملية “تسريب” الشريط المذكور إلى موقع ويكيليكس.
ففي رسالة بعثت بها إلى بي بي سي عبر البريد الإلكتروني، قالت واتسون إنها تعتقد أن الجندي الأمريكي برادلي مانينج، البالغ من العمر 22 عاما والذي كان قد أبلغ عن الشريط المذكور، “حصل على معلومات دبلوماسية سرية على الرغم من وجوده في قاعدة عسكرية ميدانية في العراق”.
ردود فعل
وكان رد فعل ويكيليكس على ذلك أن نشر رسالة على موقع تويتر جاء فيها: “إذا ما صحت التهم الموجهة لماننج، فإنه سيكون دانييل إيلسبيرج زماننا”، وذلك في إشارة إلى الخبير الاستراتيجي الأمريكي الذي كان قد سرَّب 7000 صفحة من وثائق بالغة السرية في محاولة لإيقاف حرب فيتنام.
وفي شهر أبريل/نيسان من العام الجاري، نشر ويكيليكس على موقعه على الشبكة العنكبوتية شريط فيديو يظهر هجوما نفذته طائرة هليكوبتر أمريكية من نوع أباتشي على مجموعة من العراقيين في أحد أحياء بغداد عام 2007، مما أدى إلى مقتل 12 شخصا، من بينهم صحفيان يعملان لصالح وكالة رويترز للأنباء.
وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، نشر الموقع أيضا قائمة بأسماء وعناوين أشخاص قال إنها تعود لأعضاء في الحزب القومي البريطاني المتطرف “بي إن بي” (BNP) الذي وصف تلك الخطوة بأنها “عملية تزوير خبيثة”.
بريد سارة بيلين
وخلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2008، نشر الموقع أيضا لقطات تظهر البريد الإلكتروني ودفتر العناوين والصور الخاصة بالمرشحة الجمهورية لمنصب نائب الرئيس، سارة بيلين.
ومن بين الوثائق الأخرى المثيرة للجدل، والتي نشرها ويكيليكس على موقعه على الإنترنت، نسخة من إجراءات التشغيل الموحدة لمعسكر دلتا، وهي وثيقة تتضمن تفاصيل القيود المفروضة على السجناء في معتقل خليج جوانتنامو الأمريكي بكوبا.
إن نشر ويكيليكس لوثائق حساسة وغير مصرَّح بها أو مسموح بكشفها وتتعلق بالجيش وبوزارة الدفاع يتيح لوكالات وأجهزة الاستخبارات الأجنبية الحصول على معلومات قد تستخدمها للإضرار بمصالح الجيش ووزارة الدفاع
وكان موقع ويكيليكس قد أثار جدلا واسعا عندما تم إنشاؤه في شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2006، ولا تزال الآراء منذ ذلك الحين منقسمة حياله بين مؤيد ومعارض لما يقوم بنشره. ففي الوقت الذي يشيد البعض به “كمثال على الصحافة الاستقصائية”، يعتبره البعض الآخر “خطرا داهما بحد ذاته”.
رسائل 9/11
وقد نشر موقع ويكيليكس أيضا رسائل بيجر (رسائل إشعار) يُزعم أنها كانت قد أُرسلت أثناء تنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول من عام 2001 على نيويورك وواشنطن، وجاءت تحت اسم “رسائل 9/11”.
وفي أواسط شهر مارس/آذار الماضي، نشر مدير موقع ويكيليكس، جوليان بول أسانج، وثيقة قال إنها صادرة عن أجهزة الاستخبارات الأمريكية، وجاء فيها أن الموقع “يمثِّل تهديدا للجيش الأمريكي.”
هذا وقد أكَّدت الحكومة الأمريكية فيما بعد لـ بي بي سي أن تلك الوثيقة هي حقيقية بالفعل.
وقال متحدث باسم الإدارة الأمريكية لـ بي بي سي: “إن نشر ويكيليكس لوثائق حساسة وغير مصرَّح بها أو مسموح بكشفها وتتعلق بالجيش وبوزارة الدفاع يتيح لوكالات وأجهزة الاستخبارات الأجنبية الحصول على معلومات قد تستخدمها للإضرار بمصالح الجيش ووزارة الدفاع.”
مليون وثيقة
هذا ويمكن لأي شخص كان أن يقدِّم، بشكل لا يضطَّر معه للكشف عن هويته، وثائق لموقع ويكيليكس الذي يقول إنه يضم أكثر من مليون وثيقة.
يواجه ماننج الآن تهمتين متعلقتين بنقل وبث المعلومات السرية بشكل غير مشروع.
إلاَّ أن من يقرر في نهاية المطاف ما يُنشر على الموقع هو فريق من الخبراء الذين يقومون بمراجعة وتقييم الوثائق، بالإضافة إلى متطوعين من وسائل إعلام كبرى ورئيسية في العالم، وصحفيين وموظفي ويكيليكس أنفسهم.
وتعليقا على آلية وتقنية نشر الوثائق على الموقع، قال أسانج في مقابلة مع بي بي سي في شهر فبراير/شباط الماضي: “نحن نستخدم تقنيات تشفير وتقنيات قانونية من أجل حماية مصادرنا.”
وثائق وقيود
ويقول الموقع أيضا إنه يقبل تلقي “مواد ووثائق سرية، أو مواد تكون خاضعة للرقابة، أو لقيود هي على قدر من الأهمية السياسية، أو الدبلوماسية، أو الأخلاقية.”
لكنه في الوقت ذاته لا يقبل الموقع المواد والوثائق التي تقوم على “الإشاعات والأقاويل والآراء، أو أي نوع من البلاغات والتحقيقات الأولية، أو المواد التي باتت معروفة ومتاحة للعامة”.
وحول ذلك يقول أسانج: “نحن متخصصون بالسماح للمخبرين وللصحفيين الذين يخضعون للرقابة بإيصال موادهم إلى العامة”.
ويُدار موقع ويكيليكس من قبل منظمة معروفة باسم “صنشاين برس”، وهي تزعم أنها “ممولة من قبل نشطاء في مجال حقول الإنسان ومن قبل صحفيين متخصصين في مجال التحقيقات الصحفية، بالإضافة إلى خبراء تكنولوجيا وأفراد من العامة.”
ملاحقات قضائية
وعلى صعيد الملاحقات القضائية، فقد واجه موقع ويكيليكس منذ ظهوره على الإنترنت تحديات قانونية مختلفة ترمي لحجبه.
نحن نستخدم تقنيات تشفير وتقنيات قانونية من أجل حماية مصادرنا
ففي عام 2008، على سبيل المثال، حصل مصرف يوليوس باير السويسري على حكم من إحدى المحاكم يقضي بحجب الموقع بعد نشره “عدة مئات” من الوثائق حول نشاطات البنك في الخارج.
لكن مواقع مختلفة موازية لموقع ويكيليكس، يجري تحميلها على خوادم مختلفة حول العالم، واصلت عملها وكأن شيئا لم يكن، وذلك قبل أن يتم نقض الحكم المذكور في وقت لاحق.
يقول موقع ويكيليكس إنه قام بالتصدي لـ “مئة هجمة قضائية” عليه منذ إنشائه، وعزا مقدرته تلك بشكل جزئي إلى ما وصفه بـ “وسائل الاستضافة “العصية على الاختراق” التي يتبعها.
مزوِّد خدمة سويدي
يُشار إلى أن المستضيف الرئيسي لموقع ويكيليكس هو مزوِّد خدمة الإنترنت السويدي (Swedish ISP PeRiQuito (PRQ)، والذي كان قد اشتُهر باستضافته لموقع “ذا بايرت باي” (The Pirate Bay) السويدي المختص بتبادل الملفات.
ويقول القائمون على مزوِّد خدمة الإنترنت السويدي (ISP): “إن كان غير قانوني في السويد، فسوف نستضيفه، وسنبقي عليه بغض النظر عن أي ضغط يُمارس لحجبه.”
كما ينشر الموقع أيضا وثائق في دوائر قضائية ودول أخرى، منها بلجيكا.
إن كان غير قانوني في السويد، فسوف نستضيفه، وسنبقي عليه بغض النظر عن أي ضغط يُمارس لحجبه
مزوِّد خدمة الإنترنت السويدي (ISP) عن موقع ويكيليكس
ونظرا لخبرته مع أنظمة قانونية مختلفة في أنحاء شتى من العالم، فقد وقعت القرعة على الموقع لمساعدة النواب في آيسلندا على صياغة وإعداد الخطط المتعلقة بـ “مبادرة الإعلام الآيسلندي الحديث” (IMMI)، والتي تدعو حكومة البلاد لسن واعتماد قوانين تحمي الصحفيين ومصادرهم.
حماية المصادر
وحول هذه النقطة، قال أسانج: “لكي نحمي مصادرنا، كان علينا أن نوزع أرصدتنا ونقوم بتشفير كل شيء، وننقِّل وسائل اتصالاتنا والعاملين معنا حول العالم لكي نقوم بتفعيل وتنشيط القوانين الحمائية في دوائر قضائية وطنية مختلفة.”
ويضيف قائلا: “لقد أصبحنا ماهرين في هذا الشأن، إذ لم نخسر أي قضية حتى الآن. لكننا لا نتوقع أي شخص أن يقوم بذات الجهود الاستثنائية التي نقوم بها.”
وعلى الرغم من شهرته، والتي يعتبرها البعض بمثابة “سوء السمعة”، فقد واجه الموقع أيضا مشاكل مالية عسيرة.
ففي شهر فبراير/شباط الماضي، أوقف الموقع عملياته لأنه لم يستطع تغطية كلفة التشغيل. لكن التبرعات التي انهالت عليه من أفراد ومنظمات مختلفة منذئذٍ أنقذته وأعادت إليه الحياة.
“نمو هائل”
موقع ويكيليكس
اشتُهر موقع ويكيليكس ببث ومتابعة الكشف عن المخالفات والانتهاكات في العالم.
ولأكثر من ذلك، فقد كشف أسانج لـ بي بي سي في مقابلته في شهر فبراير/شباط الماضي إن الموقع قد شهد مؤخرا “نموا هائلا، إذ تلقى كمية غير عادية من المواد والوثائق.”
وأضاف بقوله: “إن الأمر يتخطَّى قدرتنا على إطلاع العامة عليها في الوقت الراهن.”
ونتيجة لذلك، قام الموقع بتغيير هيكليته وآلية عمله، وهو يأمل الآن بإنشاء عدد من “الأقسام، أو الهيئات المستقلة، حول العالم”، بالإضافة إلى اعتزامه العمل كوسيط بين المصادر والصحف.
يقول أسانج: “نحن نهتم بالمصدر ونتصرف كوسيط محايد. كما نهتم أيضا بنشر المادة، بينما يقوم الصحفي الذي يتم الاتصال به بالتحقق من صحتها ومصداقيتها.”
ويختم أسانج بقوله عن موقعه: “إنه يؤمِّن الاتصال الطبيعي بين الصحفي والمصدر، بحيث نكون نحن في الوسط نقوم بأداء الوظيفة التي ننجزها على أكمل وجه.”
بي بي سي
وثائق حرب أفغانستان الخفية: إيران تقدم المال والأسلحة لطالبان
معلومات قدمها جواسيس ومخبرون مقابل أجر
واشنطن – اف ب
نشر موقع “ويكيليكس”Wikileaks وثائق أمريكية سرية أفادت أن إيران تشارك في السر في الحملة ضد القوات الأجنبية في أفغانستان عبر تزويد حركة طالبان بالمال والسلاح والتدريب.
وتحوي الوثائق ملاحظات دبلوماسية سرية صادرة عن سفارة الولايات المتحدة في كابول حول المخاوف من النفوذ الإيراني المتزايد في أفغانستان، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية التي نشرت ملخصا لها الاثنين.
واستندت التقارير بأغلبها إلى معلومات قدمها جواسيس ومخبرون مقابل أجر لكن لا يمكن تأكيدها بحسب الصحيفة.
وأفادت مذكرة سرية كتبها ضابط رفيع أن “إيران اتخذت سلسلة إجراءات لتوسيع نفوذها وتعزيزه في أفغانستان”.
وأشارت المذكرة إلى معلومات صادرة عن الخارجية الأفغانية بتقديم إيران رشاوى بملايين الدولارات إلى نواب أفغان والعمل من أجل إخراج وزراء إصلاحيين من الحكومة.
ولإيران علاقات وثيقة بجارتها أفغانستان، وسبق أن رفضت تكرار اتهامها بدعم التمرد الذي يواجه القوات الأجنبية والحكومة الأفغانية.
وطالبت طهران عدة مرات بانسحاب القوات الأمريكية والأجنبية من أفغانستان مشيرة إلى أن وجودها يعزز مقاومة طالبان.
وفي وثيقة صدرت في مارس (آذار) 2009 أكدت الاستخبارات الأمريكية أن مجموعة من أكثر من 100 متمرد أفغاني وأجنبي ذهبت من إيران إلى أفغانستان لشن عمليات انتحارية.
وفي مايو (أيار) 2009 أعلن الجنرال الأمريكي ستانلي ماكريستال الذي كان يقود آنذاك القوات الدولية في أفغانستان أن “تدريب المتمردين الذي لحظناه يتم في إيران حيث يتنقل مقاتلون في داخل إيران”.
واكد تقرير صادر في فبراير (شباط) 2005 عن القوة الدولية للمساعدة على الامن (ايساف) ان عناصر طالبان يخططون لهجمات في ولايتي هلمند واوروزغان الافغانيتين انطلاقا من الاراضي الايرانية.
وأفادت الوثيقة أن “القادة يتجهون إلى أفغانستان لتجنيد مقاتلين” مضيفة أن الحكومة الإيرانية قدمت لكل من قادة التمرد مكافأة من1740دولارا لكل جندي يقتل و3480 دولارا لكل مسؤول حكومي.
وأشارت وثيقة أخرى تعود إلى يناير (كانون الثاني) 2005 إلى أن الاستخبارات الإيرانية قدمت ما يوازي 212 ألف دولار أمريكي إلى الحزب الإسلامي التابع لرئيس الوزراء الأسبق قلب الدين حكمتيار وهو حركة التمرد الثانية بعد حركة طالبان في أفغانستان.
كما أشار تقرير للاستخبارات صادر في يونيو (حزيران) 2006 إلى قيام مسؤولين إيرانيين بتدريب مقاتلين من طالبان والحزب الإسلامي في مدينة بيرجند شرق إيران، قريبا من الحدود الأفغانية.
وأرسلت عبوات وآليات خاصة بالانتحاريين من تلك المنطقة إلى أفغانستان، بحسب الوثيقة. وتحدثت وثيقتان أخريان عن مواد تدخل في صنع العبوات نقلت من إيران.
وتحدثت مذكرة بتاريخ فبراير (شباط) 2007 عن اعتقاد سكان من هلمند جنوب أفغانستان بأن إيران زودت طالبان بسم من أجل وضعه في الشاي أو الطعام الذي يتناوله مسؤولون حكوميون.
وأشارت وثيقة واحدة على الأقل إلى تردد الحكومة الأفغانية في الكشف عن علاقات إيران المفترضة بالمتمردين مشيرة إلى حرص الرئيس الأفغاني حميد كرزاي على “تجنب المزيد من التوتر مع جيران أفغانستان”.
العربية نت