صفحات العالمما يحدث في لبنان

الفتنة في عطب السياسة

سليمان تقي الدين
أكدت جهات دولية عدة منذ بضعة شهور أن المحكمة الخاصة بلبنان ستصدر قرارها الظني في الخريف وأن القرار يطاول بالاتهام عناصر قيادية في «حزب الله». لم تكن المسألة تسريبات صحافية وإلا لما تعامل معها المعنيون بهذه الجدية. فهل كان تداول هذه المعلومات يهدف إلى إشاعة مناخ اتهاميّ معيّن للمفاوضة عليه مع أطراف إقليميين؟ أم أنه تحضير واضح لمحاصرة «حزب الله» دولياً ومحلياً كمقدمة لفتح النقاش مجدداً حول سلاح المقاومة ووضعها بين نارين؟
في المعلومات المتداولة أن قرار المحكمة جزء من سيناريو يستدرج «حزب الله» إلى الفتنة الداخلية التي تُسقط مشروعية السلاح وهيبة المقاومة تمهيداً لعدوان إسرائيلي يشبه اجتياح 1982 وبخلق الظروف السياسية والمناخات نفسها في الداخل والخارج. ليس مهماً في هذا المشهد مدى صدقية المحكمة الخاصة وما هي الأدلة والقرائن سواء أكانت مرتكزة إلى إفادة شهود، وهذه متعذرة واقعياً في مثل هذه الجرائم، أم عبر إعادة تركيب ملف الاتصالات وهذه واهية ما لم تكن موثقة بكلام واضح عن الفعل الجرمي. المهم في هذا المشهد أن نستعيد مناخ «الاتهام السياسي» نفسه الذي شحن البلاد بكل عناصر الانقسام والفتنة وأخذ الجمهور إلى حال من الشك والحقد والقلق.
لا تسأل المحكمة في هذا السياق عن مصداقيتها، لأنها تدّعي استقلالها عن كل مراحل التحقيق السابقة وما انطوت عليه من فضائح قانونية.
هذا هو الفخ المنصوب من وراء «العدالة الدولية» الذي انزلق إليه لبنان تحت وطأة الحالة العاطفية والحالة السياسية التي خلقتها الجريمة وتداعياتها. على أي حال كان واضحاً أن قرار إنشاء المحكمة بصلاحياتها وطريقة عملها فوق إرادة اللبنانيين وهي صدرت بقرار عن مجلس الأمن وليس بقرار لبناني. إذا كان هذا يخفّف من مسؤولية المعارضة آنذاك، رغم محاولتها تحسين الشروط وأخذ الضمانات، إلا أنه يفتح على القضية الأساس التي كانت فيها المعارضة فاشلة في التعامل مع فكرة الدولة والمؤسسات ولا سيما العدالة. لقد ذهبت المعارضة إلى تسوية سياسية عشائرية أخذت منها حصة في السلطة السياسية ولم تعالج ولم تطرح أصلاً تلك الملفات الخلافية العالقة، بل هي قدّمت شهادة براءة وحسن سلوك لكل الفريق الذي أدار لعبة المحكمة وحرب تموز وقرارات 5 أيار.
في مكان ما شعرت المعارضة وشعرت المقاومة أن قوتها الميدانية قادرة على كبح المشروع السياسي. في مواجهة إسرائيل انتصرت في إحباط أهداف الحرب، وفي 7 أيار قمعت مشروع الفتنة. لكن القوة وحدها لا تحلّ المشكلات السياسية المعقدة المترابطة بين الداخل والخارج. ليست المقاومة طبعاً مسؤولة عن كل هذا «التآمر» السياسي والأمني وعن هذه الحرب المفتوحة ضدها خدمة لأمن إسرائيل. لكن أن تشعر المقاومة بخطر الفتنة الزاحفة على لبنان وأن لا تكون قد استثمرت بالسياسة إنجاز التحرير وإنجاز الصمود في تموز لخلق مناعة وطنية فهذا أمر يستحق المراجعة.
الفتنة لا تتقدّم إلا في بيئة حاضنة لها. والفتنة في لبنان لديها كل الأسباب والظروف التاريخية لأن نظامنا السياسي يقوم على توليد الأزمات والفتن والنزاعات الطائفية. لكن ثقافتنا السياسية تراجعت كثيراً إلى أحضان الفتنة نتيجة إدارة هذا الصراع في غياب مشروع وطني يجد فيه معظم اللبنانيين طموحاتهم وحضورهم.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى