رفيق الحريري اغتيل ثلاث مرات
غسان المفلح
كان يقال أن الرجل صنع في السعودية، ثم قيل لاحقا” أن الرجل تابع لدمشق، ثم رددت أوساط دمشق أن الرجل أمريكي أو غربي الهوى، طهران كانت تفتح له أبوابها، وحزب الله أقام معه حلف الدولة والمقاومة، أنا لا أعرف من أين اتى رفيق الحريري، أقصد من أين أتت ثروته، ليقل الآخرون ما يريدون أمر لم يكن مهما، والحريري بكل حركته لم يرفع بندقية بوجه أي لبناني، وهذا باعتراف الجميع من كان على صلة جيدة معه، ومن كان على عداء معه.
الحريري اغتيل أول مرة عندما تركوه أصدقاءه يواجه قدره بعد صدور القرار 1959 القاضي بانسحاب كافة القوات الأجنبية عن لبنان، بما فيها السورية، وكان الجميع يعلم ما ينتظر رفيق الحريري، بما فيهم جاك شيراك نفسه، هذا ليس اتهام لأحد، ولكن على ما يبدو أن الرجل” كان مستقلا أكثر مما كانت تبدو الأمور، وهذا أمر مرفوض في لبنان، والنظام اللاإقليمي الشرق أوسطي لبنانيا.
واغتيل في المرة الثانية، عندما وضعوا عبوة تحت سيارته، وانتقل إلى رحمة ربه.
ويغتال ويغتال من اغتيلوا معه، من جبران إلى سمير القصير، لأن الأمور تجري باتجاه العودة لا بل عدنا، إلى حكومات الوحدة الوطنية اللبنانية بزعامة حزب الله. نموذج عربي وسوري مهترئ من حكومات الوحدة الوطنية التي تشكل بقوة القوة لا بقوة الانتخابات.
مشروع رفيق الحريري، عاد إلى نقطة الصفر.
يبدو أنه لبنانيا لم يعد هنالك حوامل له. مشروع دولة ديمقراطية مدنية، بكل ما تعني الكلمة من معنى.
الحريري كان مشروعا برجوازيا تقليديا، دولة لبيرالية بكل ما تحمله هذه المفاهيم من دلالات.
الحريري لم يكن سنيا بقدر ما كان لبيراليا، ولم يكن سعوديا بقدر ما كان عربيا، ولم يكن عربيا بقدر ما كان لبنانيا.
أنا استبعد ان يكون حزب الله هو من وضع القنبلة تحت سيارة المغدور، رغم كل التسريبات ورغم كل ما يقال الآن عن سيناريوهات محتملة، وإن كان هنالك يد لأحد من قياديي حزب الله في الموضوع فهو تصرف ليس باسم الحزب، ولا علاقة للحزب به، ليس دفاعا عن حزب الله، ولكن حزب الله الطرف الوحيد الذي لم يتضرر من خروج القوات السورية من لبنان، بل العكس هو الصحيح حزب الله استفاد أكثر بعد خروج هذه القوات من لبنان، وبات أكثر استقلالية تجاه سورية من قبل، وبقيت الحاجة السورية له، أكثر مما هو يحتاج للنظام في دمشق. والسبب بسيط:
حزب الله عسكريا ولوجستيا، على الصعيد اللبناني، لم يعد بحاجة إلى عتاد عسكري، إلا ما ندر والنوعي جدا منه، فإذا كانت سورية لا تستطيع تأمين مثل هذا العتاد، فكيف تأمنه لحزب الله؟ وإيران بدت ذات حضور أقوى بكثير مما كنت عليه الأمور إبان تواجد القوات السورية.
ما يحتاجه حزب الله إلى أموال إيرانية لمؤسساته يستطيع تأمينها من إيران دون الحاجة لسورية.
النظام السوري كان المتهم الأول باغتيال الراحل رفيق الحريري، واستبعدت إسرائيل، ولم يأتي أحد على ذكر إيران، لماذا استبعدت إسرائيل؟
لأنه في سياسة المنطقة، لم تكن إسرائيل تريد خروج القوات السورية من لبنان، ولم تطالب بهذا الأمر وتعمل على هذه المطالبة بشكل جدي. وطبعا هذا سبب من الأسباب التي تم استبعاد إسرائيل من الاتهام، وعلى فرض أن إسرائيل هي من قامت بهذه الجريمة، ماكان يمكن لأمريكا وفرنسا شيراك أن تسمحا بقيام محكمة دولية، لأن إسرائيل لا تخفي على حلفاءها الغربيين إلا ما ندر، خاصة إذا كانت عملية يمكن أن يترتب عليها إجماعا دوليا ما، تتحسب له إسرائيل.
أنا كمواطن سوري اتمنى ألا يكون أي سوري متورط في الاغتيال، ولكن النظام ما اتبعه من سياسات حتى لو أدت إلى رفع الحصار عنه، وأحضرت الشيخ سعد الحريري إلى دمشق، إلا أنها كلها ممارسات لا تبرأ ساحته.
حزب الله الآن متورط بسيناريو الاغتيال يعتقد الكثير من المحللين أنه تسريبا سوريا، وبين محاولة إسرائيل إعادة الجيش السوري إلى لبنان. نعم إسرائيل تخاف من معركة مفتوحة مع حزب الله، هذا أمر لا يحتاج إلى كثير عناء، والسبب أن حزب الله على أرضه وبين جمهوره، ومسلح بسلاح تحسب له إسرائيل حساب، وليس كما كان الحال أيام المقاومة الفلسطينية. الطرف القادر على لجم حزب الله عسكريا ولبنانيا هو النظام السوري، والنظام السوري مطالبه معروفة إسرائيليا، والجولان آخرها.
ثمة أمر آخر، حزب الله لن يلقي سلاحه إلا بقرار إيراني، أو أن يصبح النظام السياسي اللبناني برمته في يد طهران. العراق نموذجا.
ضمن هذه الكرنفالات يتم الآن اغتيال الراحل رفيق الحريري للمرة الثالثة، لأنها أجواء تذكر بأجواء 1975.
أين أصبحت المحكمة الدولية؟
أنا في الواقع لا أعرف، لينيرنا أحد ممن يعرفون!
ايلاف