صفحات العالمما يحدث في لبنان

سيناريوات قديمة وخيارات محدودة؟!

حازم صاغيّة
لنستعدْ للحظة منتصف 1976.
يومذاك، وتحت وطأة الخوف، وفي ظلّ شعارات كـ «الطريق إلى فلسطين تمرّ من جونية»، قرّر ممثّلو السياديّة اللبنانيّة مناشدة سوريّة أن تدخل إلى لبنان.
وفعلاً دخلت سوريّة فاصطدمت بمن كانوا حلفاءها، وبنت تحالفاً جديداً، لم يعمّر طويلاً، مع من كانوا خصومها.
مَن يستمع إلى كلمة الأمين العامّ لـ «حزب الله» ويقرأ مقابلة «الحياة» مع رئيس الحكومة اللبنانيّة، قد ينتابه أنّ هناك شيئاً من هذا، أو بالأحرى، أنّ ثمّة من يداور هذا الاحتمال، وأنّ المداورة تصدر عن طرفين نقيضين.
هكذا: بدل المقاومة الفلسطينيّة و «الحركة الوطنيّة» اللبنانيّة، نضع «حزب الله»، وبدل سليمان فرنجيّة وكميل شمعون وبيار الجميّل، نضع سعد الحريري وقادة 14 آذار، وبدل الاتّحاد السوفياتيّ، حليف سوريّة الذي اضطربت علاقته بها قليلاً، نضع إيران. أمّا دمشق فتبقى دمشق.
هل هذا معقول؟
الذين قد يدافعون عن سيناريو كهذا يمكنهم العثور على حجج تقنعهم وقد تقنع غيرهم:
فأوّلاً- في 1976 لم يتصدّع تماماً تحالف سوريّة مع المقاومة والسوفيات، بل سريعاً ما رُمّم في ظلّ تعديل عرفه توازن القوى داخل التحالف. فليس محتّماً، إذاً، أن يتصدّع تحالفها الراهن مع «حزب الله» وطهران.
وثانياً- تجد دمشق ما يخاطبها ويغريها في الدعوة إلى تجديد نفوذها اللبنانيّ. وهي، في هذه الحال، دعوة تجمع عليها مراكز الشرعيّة اللبنانيّة ورئاساتها كلّها.
وثالثاً- فضلاً عن حمايتها الخائفين، توفّر استعادة النفوذ، ولو من دون حضور عسكريّ مباشر بالضرورة، ظروفاً أفضل للتحكّم بالحدود الجنوبيّة التي تتكاثر التقديرات في صدد انفجارها لحسابات إسرائيليّة و/ أو إيرانيّة.
ورابعاً- لسيناريو كهذا أن يحسّن علاقات دمشق مع الرياض وربّما مع القاهرة، فضلاً عن مخاطبته أصدقاء سوريّة الجدد في أنقرة ممّن أبدى السوريّون رغبتهم في ألاّ يفقدوا دورهم الوسيط على الجبهة السياسيّة السوريّة – الإسرائيليّة.
هكذا تغدو الصورة الأخيرة للأسد والحريري وأوغلو وكأنّها توازي (وتناقض؟) الصورة السابقة للأسد وأحمدي نجاد ونصر الله.
بطبيعة الحال لن يُعدم منكرو هذا الاحتمال الحجج التي تنافي الحجج المذكورة أعلاه. لكنّ ما يمكن قوله، الآن، أنّ خطوة 1976 لم توفّر أيّ خلاص للبنان، وقد انجرّ عنها ما انجرّ ممّا انفجر انفجاره المدوّي في 2005. ويعرف الجميع أنّ لبنان، لا سيّما بعد توقيع كامب ديفيد المصريّ – الإسرائيليّ، رُبط ربطاً غير مسبوق بالنزاع العربيّ – الإسرائيليّ، فيما كانت دمشق مهندسة الربط هذا.
أمر واحد يملك القدرة على تعديل التوقّعات الأسوأ، في حال صحّة السيناريو المذكور، هو أن نكون عشيّة تقدّم سلاميّ فعليّ بين إسرائيل وسوريّة. وهذا، في أغلب الظنّ، لا يزال مستبعداً، أو في أحسن أحواله، غير ناضج.
في هذه الغضون شيء واحد يمكن قوله، هو أنّ السياديّة اللبنانيّة، في 1976 كما اليوم، محكومة بخيارات أحلاها مرّ، تبعاً لضعف الإرادة الوطنيّة الجامعة حيال الأنظمة كما حيال المنظّمات. وهذا، إلى أجل غير مسمّى، يبقي المشروع اللبنانيّ معلّقاً على حبال الانتماءات الطائفيّة… «البغيضة» في أقوالنا فحسب.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى