صفحات العالمما يحدث في لبنان

عباءة سعودية

ساطع نور الدين
العودة بالذاكرة الى قمة بيروت العربية في العام 2002 قد تكون مفيدة بعض الشيء في توضيح دوافع الزيارة الحالية للملك السعودي عبد الله والرئيس السوري بشار الاسد، اللذين لم يزورا العاصمة اللبنانية منذ ذلك الحين، وها هما يعودان اليها معا، وهما اكثر قربا من اي وقت مضى، من دون ان تفرق بينهما سوى بعض التفاصيل الصغيرة التي لا تفسد للود قضية.. ومن دون ان يكون لبنان هو الشاهد الوحيد على ذلك الود.
في تلك القمة حصلت على مرأى ومسمع العالم كله، واقعة لا يزال كثيرون يحارون في تفسيرها، عندما ترك الملك عبد الله ، الذي كان يرأس الوفد السعودي بصفته وليا للعهد مقعده، وتقدم نحو رئيسي الوفدين العراقي عزت ابراهيم الدوري الذي لا يزال طريدا، والكويتي الشيخ صباح الاحمد الصباح، الذي صار اميرا، وطلب منهما ان يتصافحا وان يتصالحا وان يتعانقا، في القاعة الرئيسية، ففعلا على الرغم من سيول الدماء التي كانت ولا تزال تفصل بين الرجلين وبين البلدين وبين الشعبين.. اللذين استهجنا صور العناق والقبل، لكنهما لم يستغربا السلوك السعودي ولم يستنكراه، ولم يطالبا بمحاسبة رئيسي وفديهما على هذا الخرق الفظيع لجو العداء المستحكم والمتبادل.
تفهم الجميع بادرة ولي العهد السعودي، وتجاوبوا معها، لكن ما ان ابعدت عدسات الكاميرات حتى عاد العراقيون والكويتيون الى سابق عهدهما. فيما احتفظ الملك عبد الله في وثائقه وملفاته الشخصية بصور محببة الى نفسه ومتناغمة مع تكوينه، هي صور الاب الروحي الذي يمد عباءته ليجمع تحتها اشد اشقائه العرب عداوة وكراهية لبعضهم البعض، ويرعى المصالحات المستحيلة بين الزعماء العرب، كما يرعى التسويات بين القبائل والعشائر السعودية، ويعبر عن حس قومي مرده الى الفطرة وهي اقوى عنده من اي شعور آخر.
لا يمكن اسقاط تلك الواقعة المحفوظة بحرص في سجلات القمم العربية، على رعايته واحتضانه زيارة الرئيس السوري الى بيروت، واصراره على اصطحابه له في طائرته الخاصة، وعلى خرق الكثير من الاعراف الدبلوماسية في العلاقات بين الدول الثلاث، لبنان وسوريا والسعودية… لأن احدا لا يستطيع ان يزعم ان ثمة صراعا او حتى خلافا جوهريا بين الرئيس الاسد ومختلف مستقبليه اللبنانيين الذين سبق لمعظمهم ان زاروه وصالحوه في دمشق، ومحوا معه تلك الصفحة السوداء من تاريخ العلاقات الثنائية اللبنانية السورية التي امتدت طوال خمس سنوات، بطلب رسمي مباشر من الملك عبد الله نفسه، الذي يبدو انه اراد ان يضيف الى ارشيفه الخاص صورا بيروتية ظريفة لا تخلو من التقدير لاولئك الذين تجاوبوا مع مطالبه ونداءاته للمصالحة، وتعاهدوا على البقاء اوفياء للمصالح اللبنانية السورية المشتركة، التي تغطيها وتضمنها العباءة السعودية، وتستبعد ايادي الشر التي عبثت بها!
اما حديث الخلافات بين الدولتين او ربما بين الدول الثلاث، فهو مؤجل الى يوم آخر، ليس ببعيد، لكنه بات محكوما بالعودة بين الحين والآخر الى الرياض.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى