صفحات سورية

اللاعب السوري يكسب المباريات الدولية لكن يخسر على ارضه!

null
صلاح علمداري
سئل معارض سوري بارزعما اذا كان بامكانه تصنيف النظام القائم في البلاد فاجاب الرجل بعد ابتسامة بالنفي وعدم امكانية تصنيفه وفق المعايير التقليدية المعروفة . فالنظام يعتر علمانيا من جهة ومن جهة ثانية يقيم تحالفا متينا مع نظام الملالي في طهران ويملك اكبر نفوذ على حزب الله وحركة حماس كما انه ليس بنظام اشتراكي ولا براسمالي والاقتصاد غير محرر لكن ايضا ليس في قبضة محكمة ثم لخص الرجل مجمل الرد بان تجربة النظام في سورية هي تجربة مختلفة عن انظمة العالم و سر استمراره يكمن في الاستراتيجية التالية : صناعة الفرص بغية الاستمرار في اللعب.
لا يستطيع احد ان يتجاهل للدور السوري -دونا عن دول العرب الاخرى- في مجمل احداث المنطقة ولا للتورط السوري في ملفاتها الشائكة ( فلسطين – لبنان – العراق ..) واثبت السوريون انهم رواد في صناعة اوضاع جديدة ومواقف جديدة في المحيط الاقليمي وقادرون على ادارتها كما قادرون ايضا على الخروج من ازماتهم وعزلاتهم وحصاراتهم باقل الخسائر الممكنة .
سوريا هي التي دفعت ايران اوربما جذبتها الى ساحة الاحداث في المنطقة لتضخ اموالا طائلة في مشروع المقاومة الذي هو بدعة سورية في الاصل والايرانيون يدفعون اليوم فواتير باهطة ثمن فعلتهم . والسوريون هم من دفعوا تركيا للانتقال من حليف لاسرائيل الى وسيط في المفاوضات بينها وبين الطرف العربي وهاهم الاتراك يغرقون يوما بعد اخر في خلافات و ازمات جديدة مع اسرائيل وامريكا . وسورية هي التي ( كما يذهب اليه العارفون) طلبت من قطر ان تلعب دور الوسيط في اعادة الدفئ الى علاقتها مع السعودية وايجاد تفاهمات حول الوضع اللبناني . وسوريا هي التي منحت فرنسا دورا في المنطقة مقابل تدخل ساركوزي عند الامريكان لتهدئة الاجواء وتلطيفها مع سوريا لا بل زيارة وفود عديدة من الكونغرس الى دمشق . وسوريا هي التي عرضت على الروس اقامة قاعدة عسكرية في طرطوس لتكون اكبر قاعدة لها في الشرق الاوسط كما ياتي ضمن هذا السياق الدور السوري المزدوج مع العراقيين اذ من جهة يقيم في سوريا اكبر عدد من اللاجئين العراقيين ومعظمهم من انصار ومؤيدي حزب البعث والرئيس الراحل ومتورطون في سيل الدم العراقي ومن جهة ثانية تدعو سوريا قادتها الجدد الى زيارة دمشق و تسدد لهم النصح وتدعوهم الى جيرة طيبة بدء من الرئيس طالباني الى الهاشمي وعبد المهدي و اخيرا الصدر وعلاوي وربما يثمر الجهد السوري دونا عن غيره من الجهود المبذولة لتشكيل الحكومة العراقية . كل هذه الاحداث والمتغيرات يمكن وضعها في الكفة السورية لترجح الكفة تماما لصالح القيادة السورية وعرابي سياساتها.
لكن مهما تكن براعة النظام في الخروج من الازمات التي هو نفسه ( النظام ) مسببها الرئيسي ومهما تكن المردودات ايجابية على مستوى العلاقات مع دول الجوارو العالم يبقى الداخل السوري هو الحامل الحقيقي للسلطة والشعوب السورية هي الاولى والاحق بالانفتاح والرعاية والساحة الوطنية هي المكان الانسب لصناعة الفرص وتحقيق المكاسب .
في الداخل السوري لا زال قانون الطوارئ ساري المفعول منذ اكثر من نصف قرن وبموجب هذا القانون تنحصر حقوق المواطنين وتزداد صلاحيات الاجهزة الامنية التي لا تتوانى عن اجهاض اي حراك ديمقراطي وطني بتلفيق تهم من وحي القانون المذكور جزافا تمس بالوطن وتزج اصحاب الراي الاخر في السجون والمعتقلات . الداخل السوري لا زال بحاجة الى الف تغيير وتغيير الى تفعيل مؤسسات الدولة بتحريرها من وصاية الحزب الواحد الى اعلام مستقل محترف والى حرية التعبير والفكر و الى انتعاش اقتصادي وحماية الصناعات الوطنية التي باتت تتراجع امام تدفق الصناعات التركية وتوفير فرص العمل مقابل النمو المخيف للسكان .
تحتاج سوريا الى تصالح مع ابنائها وحل مشكلة المهجرين ووقف طوابيرالمهاجرين من الوطن للبحث عن الحرية ولقمة العيش و الذين لا يقل عددهم عمن يعيشون في الداخل وذلك باعترافات وزارة المغتربين نفسها .
مطلوب من سوريا الرسمية ان تفتح الملف الكردي في البلاد وهو ملف يخص ثلاثة ملايين مواطن و تزيل عن كاهل مواطنيها الاكراد الغبن اللاحق بهم جراء سياسات ومراسيم ظالمة منها لا زال ساري المفعول منذ عهد الانفصال . ان تستبدل الخطط والسياسات العنصرية التي لا تولد الا عنصرية مضادة بمشاريع وخطط لتعزيز المواطنة والتعايش المشترك
واخيرا لا اعتقد ان النجاح في اللعبة الاقليمية والدولية يبرر تهميش الداخل الوطني والخسائر الكبيرة الناجمة عنها وان الاوان لم يفت بعد للالتفات الى القضايا الداخلية والى المواطن …. هذا الذي لم يتوانى يوما عن دفع الضرائب الوطنية وتسديد الفواتير الكبيرة اثر كل ازمة تعرض لها البلاد .
بريق المظهر من الخارج قد يستر عيوب الداخل لكن لا يعالج – ابدا – ما اصابه من الفتوقات والاهتراءات والشروخ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى