صفحات سورية

واشنطن إذ ترسم سقفا للحراك السياسي السوري !

null
عريب الرنتاوي
رسمت الإدارة الأمريكية سقفاً لأهداف الحراك السياسي الذي بدأته السعودية بجولة عاهلها المفاجئة على أربع عواصم عربية، ففي تصريح مقتضب، لا يتعدى المائتي كلمة، لخّص المتحدث باسم الخارجية الأميركية فيليب كراولي الموقف على النحو التالي: (1) “إن الملك عبد الله يؤدي دوراً قيادياً مهماً في المنطقة، ولهذا فإن زيارته لسوريا ولبنان تتناغم مع بحثه عن السلام وتشجيع مبادرة السلام العربية”…(2) “وأنا أتوقع أن يتم خلالها – الجولة – عكس قلقه حيال التطورات الأمنية الأخرى في المنطقة، ومن ضمنها قلقه المعروف جداً حيال إيران”…(3) “ولهذا فنحن نقدر قيادة الملك عبد الله في المنطقة، وندعم بالتأكيد محادثاته مع دولة مثل سوريا، ونأمل أن ترد سوريا وتؤدي دورا بناءً أكثر في المنطقة”…(4) “لقد أوضحنا بشكل لا لبس فيه أن العلاقة بين سوريا وإيران تمثل قلقا بالنسبة لنا، وفي هذا الإطار فإن توسيع سوريا لعلاقاتها مع دول المنطقة والعالم سيكون أفضل لسوريا للابتعاد عن إيران، والسير في وجهة بناءة بشكل أكبر….(5) “إن العلاقة بين سوريا وإيران لا تقدم سوى منفعة صغيرة جدا جدا لسوريا، ولكن لدى سوريا الفرصة لتؤدي دورا بناء أكثر في المنطقة. نعتقد أنها فشلت في القيام بهذا الأمر بشكل ملموس خلال السنوات الماضية. هذا هو أحد الأسباب التي جعلتنا نختار الانخراط مع سوريا لإيصال الرسالة مباشرة. وإلى حد ما فإن سوريا قد تستمع إلى زعماء في المنطقة، مثل الملك عبد الله، ونعتقد أن الرئيس الأسد والقيادة السورية يجب أن يستمعوا بانتباه إلى ما سيقوله لهم الملك عبد الله”.
ما أوردناه سابقاً، هو النص الحرفي لتصريحات كراولي، قمنا بـ”تقطيعها” و”ترقيمها” فقط، تسهيلا للقراءة والقرّاء، واحسب أنها لا تحتاج إلى كثير من التعليق، ونعتذر عن طول الاقتباس الذي ننشره خلافا لمألوف كتاباتنا، ولولا أنه يخلص الموقف بمجمله، لما أقدمنا على هذه الفعلة.
ما يقال عن “لملمة الشتات العربي” و”استعادة التضامن العربي”، يُقرأ أمريكيا من زاويتين: الأولى في مواجهة إيران وبهدف عزلها والمباعدة ما بينهما وبين سوريا، حليفتها الاستراتيجية في السنوات الثلاثين الماضية…والثانية، في خدمة عملية السلام، وعملية السلام تتمحور الآن كما هو معروف، حول هدف واحد: الانتقال من محادثات التقريب غير المباشرة المفاوضات المباشرة، من دون إبطاء أو شروط مسبقة، ولخدمة هذا الهدف بالذات، تعرضت عواصم الاعتدال العربي، إلى طوفان من الاتصالات (تُقرأ الضغوط) الأمريكية خلال الساعات والأيام القليلة الفائتة، شارك فيها الرئيس الأمريكي شخصيا فضلا عن كبار مساعديه، أما ذكر “مبادرة السلام العربية” على لسان كراولي فمن باب حفظ الكرامات والمياه في الوجوه لا أكثر.
والأرجح أن الحراك السياسي الدائر بين العواصم العربية إنما يستهدف التوطئة والتمهيد لهذه النقلة الجديدة في العملية التفاوضية، وجعلها “تمر” بأقل قدر من ردات الفعل والتداعيات، الأرجح أن حصاد هذا الحراك، سيصدر على شكل قرار عربي، ربما في السادس عشر من أيلول / سبتمبر القادم، عن وزراء الخارجية العرب، بالذهاب إلى مفاوضات مباشرة، وثمة ما يشير إلى أن عواصم الاعتدال والسلطة، بدأت تجنح لهذا الخيار، وأنها بصدد توفير شبكة الأمان للرئيس عباس، للقفز الحر عن الشجرة، قريبا وقريبا جداً، وللمرة الثانية خلال أقل من نصف عام، وتعتقد أغلب المصادر التي تحدثنا إليها، أن القاهرة ستتابع نتائج جولة الملك عبد الله وتبني عليها، وقد تأخذ زمام المبادرة وتبدأ عملية كسر الحواجز واستئناف المفاوضات، وإن كانت – القاهرة – وفقا للمصادر ذاتها، غير متحمسة لمهمة الملك عبد الله لجهة الانفتاح على سوريا، والإقرار بدورها الإقليمي، خصوصا في لبنان، ومن تابع “التصريحات اللبنانية” لوزير الخارجية المصرية، يلمس بلا عناء، مستوى الضيق المصري بتنامي الدور السوري في لبنان.
ثمة توجه إقليمي – دولي، لا تبدو القاهرة جزءا منه، يسعى في “إغراء” سوريا لتغيير تحالفاتها والانتقال من خندق إلى خندق، حتى وإن كان ثمن هذه العملية “تلزيمها” لبنان بقضّه وقضيضه، وفي مقدمته وعلى رأسه، سعد الحريري وتيار المستقبل، وعبارة “تلزيم لبنان لسوريا”، عادت للتداول مؤخرا، بعد سنوات خمس من الحظر والحجب، وبصورة تذكر بمناسبات سابقة، أحيل فيها “العطاء اللبناني” بكامله على دمشق، قبل أن تدور الدائرة، وينقض الجميع على الدور السوري في لبنان.
ومن آيات هذا التوجه، اصطحاب الملك عبد الله الرئيس السوري معه إلى قصر بعبدا، وقيامهما بزيارة مشتركة، غير مسبوقة إلى لبنان، أو إلى أي مكان آخر، لكأننا بصدد “عملية استلام وتسليم”، تتم في قصر بعبدا، قبل المصالحة السورية – المصرية، بل وبالضد من الرغبة المصرية على ما يبدو، ووفقا لما تفيض به مصادر لبنانية عديدة.
بخلاف ما يقوله كراولي، فإن من فشل في إبعاد سوريا عن إيران وفض عرى تحالفاتهما، هو الولايات المتحدة وأصدقائها وتكتيكاتهم الصدامية والإقصائية. لم تفشل سوريا في الابتعاد عن طهران وحلفائها في لبنان وفلسطين، ببساطة لأنها لم تحاول ذلك، والأرجح أن سوريا لن تقطع مع طهران ولن تغادر موقفها، وإن كانت مستعدة بالطبع لتبني خطاب أكثر هدوءا، وإقامة علاقات أقل صخبا مع هؤلاء. فدمشق التي اعتادت تاريخيا الاحتفاظ بعلاقات وطيده مع قوى متناقضة، لن تتخلى عن عادتها هذه، وهي إذ ترحب بالانفتاح السعودي – الغربي عليها، فلن تقامر بصداقتها وتحالفاتها القديمة، لا سيما وأن حليفتها الاستراتيجية الجديدة: تركيا، تتّبع نفس المدرسة في التحالفات والتكتيكات، وتلقى الإشادة والثناء من قبل الغرب على حنكتها ودهائها، بل وينظر لقدرة أنقرة على الجمع بين واشنطن وطهران، وإسرائيل وحزب الله، وطالبان وكرزاي والناتو، وعباس وحماس، بوصفها شاهداً على عبقرية السياسة التركية وصنّاعها، فلماذا يعد أمر كهذا عبقريا إذ يصدر عن أنقرة ويعد عملا “شيطانيا” إذ يصدر عن دمشق، بل ويستخدم كشاهد على “عدم توفر الاستعداد لدى دمشق للمصالحة مع القاهرة” وفقا لناطق مصري رفض الكشف عن هويته ؟!.
مركز القدس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى