صفحات الحوار

فارس حلو: المعارضة كلمة كبيرة في سورية… والكوميديا عمرها قصير!

يرى أن المتاجرة بالشعارات وتمثيل الألفة في الأعمال السورية المصرية لا يفيد
حوار: محمد منصور
أكثر ما يوصف به فارس الحلو أنه (فنان مشاغب) فهذا الممثل الذي كان قادراً على أن يلفت النظر إليه في أي دور يلعبه، منذ أن تخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق في مطلع ثمانينات القرن العشرين، كان قادراً كذلك على أن يشع حيوية وطاقة خلاقة، طالما رأى فيها الوسط الفني الساكن، (شغباً)
ومسيرة فارس حلو المليئة بالنجاحات والعلامات، وبالأجواء المبهجة والعذبة التي أشاعها في الأعمال الكوميدية التي شارك فيها، هي مليئة بالخيبات والفرص الضائعة أيضاً… لكن الزمن وتتالي الصدمات وتغير الكثير من القيم الفنية، حوّل تلك الصدمات إلى ترياق للاستمرار، ولفهم الواقع الفني والاجتماعي بشكل أعمق، إلى درجة أنه بات يرى اليوم أن المجتمع العربي هو مجتمع تلفزيوني متفرج… يشبه بالضبط دوره في الواقع الاجتماعي والسياسي الذي يحياه!
وهكذا كان هذا الحوار فرصة لفهم فارس حلو بآرائه وطموحاته، وللاستمتاع بصراحته المسكونة بالصدق الجارح أحياناً، وبالذاتية المتمردة أحياناً أخرى.
س: تابعك الجمهور العربي في رمضان الماضي، من خلال مسلسل (آخر أيام الحب) الذي كتبه هاني السعدي وأخرجه وائل رمضان… هل أنت راض عن هذا المسلسل كتجربة سورية مصرية؟
– دائماً ندخل على أي عمل كممثلين، وعندنا تصوّر أو تخيل عن مساره العام وإلى أين يمضي… وخصوصاً أنه كنص تلفزيوني، المادة الدرامية فيه بسيطة، ولأنها بسيطة فهي بحاجة لكثير من الأمانة، ولكثير من العناية كي لا تظهر فقيرة… فالإنتاج بالدرجة الأولى هو المسؤول الأول عن رعاية النص ودعمه وتوفير التقنيات اللازمة له لإظهاره بشكل لائق ليستأهل المشاهدة والعرض… وللأسف هذا الشيء لم يكن متوفراً في تجربة (آخر أيام الحب) التي كان هم الطرف المصري فيها تكبير مساحته بالشبر، بغض النظر عن منطقية الحدث وتوازن الحالة.. وأنا أعتقد أن التجربة السورية المصرية المشتركة في الفن، تحتاج لدراسة أكبر… لأن المزاجين مختلفين وأحياناً متناقضين في تناول بعض المسائل الاجتماعية والاقتصادية… فالسوري لا يأكل الأرانب مثلاً… بينما المصري تكاد تكون وجبته الأساسية.
يجب لنجاح التجربة أن تجمعها مصالح الشخصيات الدرامية (حتى لو كانت هذه المصالح على مقاس عصابة مثلاً) فذاك أكثر جدوى وفاعلية من المتاجرة بالشعارات في وسائل الإعلام، وتمثيل الألفة المصطنعة بين الشعبين!
س: وكيف ترى تجربة الممثلين السوريين في مصر.. هل أضافت برأيك لأي من الطرفين؟!
– هي تجربة مشروعة، كأن يعمل الفنان السوري في الأردن أو فرنسا أو أمريكا… فالممثل يمكن أن يعمل في أي مكان يطلب إليه… لكن للأسف لم تصنع هذه التجربة ولم تثمر إلى الآن شيئاُ متطوراً لصالح الطرفين، بقدر ما كانت تجربة تجارية تسويقية لا أكثر ولا أقل!
س: أنت من نجوم الدراما السورية الذين يسأل الجمهور عن غيابهم، أو على الأقل ثمة من يتمنى حضورك في المشهد الدرامي السوري على الدوام… فلماذا هذا الغياب؟!
– الغياب يتحمل مسؤوليته الآخر وأنا… بعض الأدوار لا ترقى لمستوى طموحي. أشعر بأنها ضيقة على روحي… بمعنى لا أجد ما يشبع توقي الروحي أو يتجاوزه فيكون أكبر. وبعض أسباب الغياب الذي تتحدث عنه، لها علاقة بشائعات مغرضة، ولكن بعد أن اطمأن بعض النجوم لمستقبلهم وحجزوا المكان الذي يحبون لنجوميتهم… ملوا من إطلاق الشائعات عني!
س: شائعات مثل ماذا؟!
– إحدى أكثر الشائعات التي كانت تطلق علي، أنني (ممثل متعب) أطلب تعديلات كثيرة على الدور الذي يعرض علي… لكن حقيقة الأمر انني أرى أن العمل الفني تبذل فيه جهود كبيرة، وتصرف عليه أموال كثيرة، وبينه وبين أن يكون جيداً ولامعاً بضعة سنتيمترات… لماذا لا ندع التباطؤ والكسل ونفكر بروح إيجابية من أجل تحسين فرص نجاح العمل؟ هذا ما أطلبه، وغالباً ما تنصب ملاحظاتي على جوانب تمس العمل ككل وليس على دوري وحسب، لكن بعض منتجي البسطة يعملون بمبدأ (اضرب واهرب) وأنا لا أحب هذا المبدأ!
س: ومن الشائعات التي أطلقت عليك أنك… معارضة!
– كلمة (معارضة) كلمة كبيرة في سورية.. ويمكن القول انها (تهمة كبيرة) تستخدم للنيل من الخصوم، أو لدفعهم كي يصبحوا خصوماً.
هناك أفراد يحملون آراء معارضة هدفها الخير للمجتمع وليس قلب نظام الحكم أو النيل منه… وخصوصاً المعارضة العلمانية التي ترى الأمور بأفق وطني، وكان آخر أمثلتها معارضتها لقانون الأحوال الشخصية الذي يقيد المجتمع ويحرم المرأة الكثير من حقوقها التي ناضلت من أجلها. وبالنسبة لي فأنا متابع جيد لملاحظات المعارضة وآرائها وأفكارها، لأنها تسلط الضوء على منابع التخلف والقهر بغض النظر عن حدتها التي تكون أحياناً غير مقبولة، والتي تتقاطع مع حالة الطرش وتجاهلها و(تطنيشها) غير المقبولة أيضاً.. يبدو أن كل صاحب رأي مستقل أو حر يتهم في الوسط الفني بأنه (معارضة) على الرغم من أنني أؤيد أي شيء جيد ينجز، إن كان قانوناً أو مرسوماً أو حتى مشروعاً مُلحاً سواء كان اقتصادياً أو اجتماعياً أو سياسياً … أنا مع المشروع الإصلاحي ولكن أشعر بالألم أحياناً لأنه يسير ببطء.
س: لنعد إلى الفن… الكثيرون يشعرون بالأسف لأن موهبتك الكوميدية الاستثنائية لم تستمر في أعمال تلفزيونية كثيرة بعد؟!
– هناك سمة عامة في فن الكوميديا في العالم… وهي أن الكوميديا عمرها قصير. ولا تتحمل العمر الطويل، ولا تسمح بتألق نجم كوميدي لمدى زمني طويل.. إلا إذا استندت الى مؤسسات إنتاجية فنية إبداعية تضخ للممثل النجم الكوميدي النصوص الملائمة والتقنيات اللازمة… وهذا للأسف غير متوفر عندنا.. وإن توفر فهو يطيل من عمر الممثل الكوميدي إلى حد معين..
الكوميديا نتاج واقع يتبدل كل فترة بحكم الظروف السياسية أو الاقتصادية والاجتماعية التي تتغير سواء على شكل (تطوّر) أو على شكل (تخلّف) وهذا يؤثر على المزاج الجماهيري العام، فيتطلب ذلك قواماً جديداً من الكوميديا شكلاً ومضموناً، يفرز ممثلا كوميديا جديداً، فيما يكون الممثل الحالي أول ضحاياه.. كل هذا عدا عن تقدم عمر الإنسان- الممثل الذي يعيقه عن تناول الكثير من المواضيع الطريفة التي لا تناسب تقدمه في السن..
الممثل الكوميدي يجيّر كل طاقاته المعرفية والإنسانية والعصبية للهدف، ويصبها كلها في الشخصية التي عشقها الجمهور، فيشع نجمه أكثر بكثير من النجم التراجيدي أو الدرامي، لكنه للأسف ينطفئ قبله، والأمثلة عديدة حول هذا الموضوع من شارلي شابلن إلى لويس دوفينيس ونورمان ويسدوم واسماعيل ياسين وعبد السلام النابلسي وغيرهم وآخرين…
س: ولكن هناك استثناءات فدريد لحام مستمر كنجم كوميدي منذ ستينيات القرن العشرين، وعادل إمام منذ منتصف السبعينيات؟!
– كانا أذكى من غيرهما حين لمسا تخلف الصناعة الفنية وضعفها في إمدادهما.. لاحظ أن ما قدماه (بعد فترتهما الذهبية) لا ينطوي تحت مسمى العمل الكوميدي الخالص كنوع، كانت لدبهما لمسات كوميدية خاطفة في أعمالهما الفنية اللاحقة.. وهو تكتيك دفاعي رائع ليبقيا في الساحة.. لأنهما يعرفان و أفلامأن خياراتهما الكوميدية صارت أصعب، في وسط فني متخلف، لم يرق لمواهبهما الكبيرة.. وسط يكاد يكون خاليا من المؤسسات الإبداعية والفكرية المنوط بها تكليف من يكتب النصوص، ثم تقرأ وتحلل وتستقرئ الواقع، وتعمل على صناعة النجوم وتطويرهم…
الصناعة الدرامية بالعموم هي صناعة كتاب واكتشاف نصوص ومواهب لجعلها نجوماً تدر الربح على الممولين، وهذا مفقود عند منتجينا الفنيين الخائفين الذين يعتمدون تجارة البسطة كملاذ آمن لرأسمالهم الفكري المتواضع.. ووسط هذا كله أنا لا أضمن وضع كل مقدراتي في عمل كوميدي لن تكون هناك إمكانية للاستمرار به وتطويره وحمايته… لأننا نعمل عموماً بلا ضمانات!
س: لكنك تألقت في أداء شخصية (فرحان) في مسلسل (عيلة خمس نجوم) وفي أداء شخصية (اسماعيل) في مسلسل (أحلام أبو الهنا) لماذا لم تلتقط هذه الفرصة للاستمرار في صناعة كاريكتر يحميك كممثل كوميدي؟!
– لأن قرار استمرار هذه الشخصيات للأسف ليس ملكي… قرارها بيد المنتج والكاتب والمخرج… وهؤلاء لا يعملون ضمن مؤسسة تجمعهم وعندها مشروع. وأود أن أقول ان الممثل السوري متطور عن الحالات الإنتاجية الثانية، لأنه يقدم ويبحث ويجتهد، لكن لا تجد من يتابعه ويلتقط ما قدمه… تظهر مواهب جديدة لدينا باستمرار ويحبها الناس، لكن لا أحد يستمر فعلياً لأنه لا توجد مؤسسات حاضنة له ولديها مشروع… كل المؤسسات الإنتاجية عندنا ليس عندها شعور بالاستقرار، فهي تعتقد أنها ستغلق أبوابها غداً… لذلك يعملون بمبدأ أصحاب البسطة والباعة الجوالين!
س: وكيف ترى حال الممثل السوري في السينما، خصوصاً أنك حصدت جائزة أفضل ممثل في مهرجان (فالانسيا) السينمائي عام 2007 عن دورك في فيلم (علاقات عامة) للمخرج سمير ذكرى؟!
– أنا شخصياً أحب السينما، وأحب الطريقة التي تعمل بها، فهي تناسب مزاجي أكثر… لكن تبقى السينما السورية سينما فقيرة الحال… ولا أقصد الفقر المادي المزمن والملازم لها وحسب، بل هناك عيوب من نوع آخر مثل: ضعف الخيال، الرغبة الدائمة بالتنظير، وسطحية النص الذي يكتبونه أو الموضوع الذي يختارونه… لذلك ترى الممثل السوري ليس عنده رغبة بالعمل السينمائي إلا من باب الفضول والتعرف إلى السينما… لأن ما يقدمه التلفزيون هو أغنى بكثير من هذه الحالة السينمائية المتواضعة وأكثر جماهيرية، خاصة أن مجتمعنا العربي عموماً هو مجتمع تلفزيوني بامتياز … مجتمع متفرّج فقط… وهو يشبه بالضبط دوره في الواقع الاجتماعي والسياسي الذي يحياه!!
س: ولكنك قلت في احد حواراتك أنك تجد في السينما متنفساً لك كممثل؟!
– ما اقصده بالمتنفس هو التأني والتأمل في العمل، والبحث والتكثيف والاختزال، واحترام عقل المشاهد وذكائه وإحساسه… فهذه الأشياء أستمتع بها أثناء العمل، وإن كانت النتائج مختلفة… وهذه الأشياء مجالاتها موجودة في السينما أكثر من التلفزيون الذي هو مسألة تلق غير خاضع للنقاش.
س: في أي عمل سينمائي شعرت بأنك تعيش هذا المتنفس كممثل؟!
– في (الليل) وفي (صندوق الدنيا) وفي (علاقات عامة) طبعاً ليس في كامل تلك الأفلام، بل في مشاهد معينة، لأن أغلب المشاهد تكون مرسومة في ذهن المخرج بحذافيرها، في حين أن هناك بعض المشاهد التي ينتظر فيها المخرج أن يرى الممثل كيف سيتحرك فيها، وكيف سيغنيها ويتفاعل معها… وهذه التي أشعر بأنها تشكل متنفساً لي لكي أبدع أكثر وأقترح.
س: أنت من الممثلين القلائل الذين يضحون بالكم من أجل الكيف، وكثيراً ما ترفض دور بطولة وتختار دوراً قصيراً أعجبك… ألا يؤثر هذا على تسويقك كنجم؟!
– لا يهمني كثيراً تسويقي كنجم في مجتمع تلفزيوني أستطيع ببساطة أن أعيد العلاقة بيني وبينه، لكن ليس ببساطة أستطيع أن أجد دوراً غنياً أكثر من دور البطولة.
س: هل هناك دور رفضته ثم ندمت عليه بعد أن مثّله غيرك؟!
– للأسف لا… أنا لم أرفض دوراً جيداً أبدا… لكن هناك دائماً ترشيحات لي لأدوار جيدة لم تتم.. لاعتبارات لا أفهمها!
س: هل تشغل بالك قضية العمل وغنى موضوعه أكثر من دورك فيه؟!
– في بدايات عملي الفني كان يشغلني العمل وموضوعه الفكري والفني أكثر من دوري.. ولكن ما فاجأني على الدوام هو حجم الجهل والعناد المجاني ورغبة الاستسهال لدى الآخر، صدمني الأمر في البداية، وبقيت أقاوم ولكن إلى حد معين، فانا لست صاحب قرار، و(يصطفل) صاحب القرار فهذا ماله وعقله وهو لا يريد غير هذا، بقيت أقول ما عندي من باب الأمانة للعمل الفني والخيار لهم للآخرين… من كاتب ومخرج ومنتج… ماذا أفعل إذا كانت هذه قناعاتهم؟!
س: هل أشعركَ هذا بالهزيمة؟!
– أشعر بالقهر أكثر من الهزيمة.
س: هل هذا هو ما دفعك إلى أن تلتفت لتنظيم ملتقيات للنحت والرسم كالتي حققتها في السنوات الأخيرة؟!
– لا… الدافع هنا شيء آخر. كنت أبحث عن قيم أخرى لوجودي كإنسان في المجتمع خارج قيمتي المهنية كممثل. وكان السؤال بالنسبة لي: إذا غبت أو غُيّبت كممثل فهل ستكون قيمتي صفراً في مجتمعي؟! أنا أرفض أن أستمد قيمتي الإنسانية من قيمتي المهنية، وأرفض الخلط بين ممثل جيد وإنسان جيد… فكان هذا هو الدافع الرئيسي للاتجاه نحو مشروعات فنية وثقافية تحريضية وبحرية كاملة، لا يتدخل فيها أحد، لا كاتب ولا مخرج ولا منتج… ووضعت لها أفكاراً وأهدافاً استطعت تحقيقها كلها ولو بنسب متفاوتة، مما جعلني أثق بنفسي أكثر وأستعيد النشاط الروحي اللازم لممارسة عملي الفني كممثل… وزادتني قوة وصلابة، وزادتني مرونة بعد الاحتكاك بالواقع والمجتمع.
س: ألا يشغلك التفكير بحضورك في موسم رمضان التلفزيوني الذي يلهث الجميع للوجود فيه وعبر أكثر من عمل في وقت واحد؟!
– لا يعنيني الموسم بقدر ما يعنيني العمل الفني، فتجربتنا في عرض مسلسل (عيلة خمس نجوم) في التسعينيات، الذي رفضته إدارة التلفزيون آنذاك ثم وضعته مع حذف حلقات منه على القناة الثانية وبأوقات متفاوتة ومحيّرة … علمتني أن العمل الجيد تلحق به الناس ولو كان معروضاً في تلفزيون اليمن أو السودان أو ليبيا.
س: كيف تفكر بالمستقبل كممثل؟!
– أنا الآن أتابع حياتي كممثل كما الآخرين… لكن في ذهني فكرة أو مشروعا لعمل فني كبير أختم به حياتي التلفزيونية، ومشروعا آخر للمسرح، وكفى الله المؤمنين شر القتال.
س: ألست مبكراً عن التفكير باختتام حياتك الفنية؟!
– لا… فهذه الأعمال تحتاج لوقت أيضاً.
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى