حول خطاب المواجهة المحتملة
غسان المفلح
يقول تقرير مجموعة الأزمات الدولية “إن أياً من اللاعبين ذوي الصلة المباشرة بهذا الأمر – أي إسرائيل، و”حزب الله”، وسوريا وإيران – لا يحبذ احتمال المواجهة، وبالتالي فإنهم جميعاً، في الوقت الحاضر، عازمون على البقاء على أهبة الاستعداد. غير أن الجذور السياسية للأزمة تظل دون معالجة، وتبقى الديناميات المحركة لها عرضة للانفجار ولا يمكن استبعاد حدوث خطأ في الحسابات. إن المقاربة الأكثر فاعلية هي تلك التي تسعى لاستئناف مفاوضات سلام ذات معنى بين إسرائيل وسوريا من جهة وإسرائيل ولبنان من جهة أخرى والتوصل إلى اتفاق في نهاية هذه المفاوضات. ليس هناك حل آخر لمعضلة “حزب الله”؛ وفي الوقت الراهن، هناك عدد محدود من الوسائل الأخرى التي من شأنها التأثير في حسابات طهران.*
إن كافة التقارير التي نشرتها هذه المجموعة عن الشرق الأوسط، تؤكد دوما على المجتمع الدولي، أن ينخرط في فتح المسارين السوري الإسرائيلي، والإسرائيلي اللبناني، لأن المجموعة وباحثيها يعتقدون” أن هذا هو الحل الوحيد، لخروج لبنان والمنطقة من مواجهة عسكرية، يطبل لها الآن ويزمر، أيضا مجموعة من الكتاب والمراكز البحثية، من احتمال نشوء مواجهة بين إسرائيل من جهة وحزب الله وحركة حماس وسورية من جهة أخرى. وهذا التصعيد اللفظي، مع ما يرافقه أحيانا من مسرحيات دموية إسرائيلية كالتي حدثت عند شجرة العديسة وراح ضحيتها شهداء لبنانيون، ومنهم صحفي أيضا، هذه المسرحيات والتي خرج علينا السيد حسن نصر الله، بخطاب عرمرم، يريد منه قطع يد إسرائيل في المرة القادمة! لقد فات مجموعة الأزمات الدولية أمر على غاية من الأهمية، وهو أن حزب الله الآن ليس في وارد مواجهة مع إسرائيل، لأن حزب الله الآن له هاجسين” الأول لبناني داخلي وما يستتبعه من محكمة دولية أو تخل سوري عنه مستبعد بالطبع جدا، والهاجس الآخر مساندة طهران في حال أية مواجهة محتملة وإن كانت مستيعدة، وإيران لن تضحي بحزب الله بالسهولة التي يمكن ان يتخيلها بعضهم، حتى لو أدت الأمور بنظام دمشق لكي يقلب لطهران ظهر المجن، وهذا أمر بات منافيا للطبيعة السياسية للتحالف بين دمشق وطهران، والحال أيضا أن إسرائيل لا تجرؤ أيضا على المواجهة، لأنها خاسرة حكما، لأسباب عديدة، فهي لن تستطيع كما قلنا سابقا أن تزيل حزب الله وسلاحه من أرضه ومن بين جمهوره، حتى لو دمرت لبنان بطائرتها كاملا.
لهذا تحاول مجموعة الإزمات الدولية دوما في تقاريرها القطاعية، أن تبتعد عن جوهر الإشكالية والتي تتمحور، حول عجز إسرائيلي ذاتي وموضوعي عن المضي في العملية السلمية المفتوحة مع الفلسطينيين.
كما أن تقريرها هذا يحاول الإيحاء بأن إسرائيل والنظام في دمشق يمكن أن يحدث بينهما مواجهة عسكرية! وهذا تحليل للتصدير لا أكثر ولا أقل..هنالك خطوط مرسومة بعناية فائقة على جبهة الجولان، تتيح لإسرائيل، خرقها في الإجواء السورية بين فترة وأخرى، وتتيح للنظام في دمشق الرد بالوقت المناسب!
هذه الحالة هي الان بعد مضي أكثر من ثلاثة عقود ونصف على تأسيسها، باتت حالة دولية وحاجة إقليمية وخاصة إسرائيلية سورية.
ثم من جهة أخرى، لا تناقش مجموعة الأزمات الدولية في تقريرها هذا، ماذا يعني التفاوض من أجل أهداف غير السلام الشامل؟ ومامدى انعكاسات هذه المفاوضات على استمرارية الحالة المنتجة، لما هو مزمن في المنطقة، من تلاقي مصالح معقد، ومتلط خلف خطابات متنوعة.
حزب الله لن يحارب إسرائيل، إلا عبر طهران، وإسرائيل تتذرع وتصعد خطابيا وعملياتيا محدودا أحيانا، لاعتبارات تتعلق بهدفها الأهم، وهو تخفيف الضغط عن المسار الفلسطيني.
هنالك الآن تعويما للنظام السوري، وهذا ما تؤكد عليه تقارير هذه المجموعة، من خلال مثل هذه التحليلات، التي تظهر وكأن الأمور مفتوحة على احتمالات عدة على جبهة الجولان، وهذا أمر غير صحيح لا في الشكل ولا في المضمون.
ونتمنى أن تكون التقارير القادمة لهذه المجموعة، أكثر تركيزا على سيناريوهات لحل حقيقي للقضية الفلسطينية.
*مجموعة الأزمات الدولية ICG مؤسسة بحثية اميركية تعمل من واشنطن وبروكسل ولديها مكاتب في العديد من العواصم وهي معنية باصدار اوراق سياسات علاجية لأزمات اقليمية ودولية.
ايلاف