إلى أبعد مما توصي به التقاليد
حسن داوود
لم تتحفّظ مجلّة تايم الأميركيّة عن نشر صورة مخيفة على غلاف عددها الأخير. بدل الأنف في الوجه الجميل لعائشة هناك ثقب متّسع يوصل إلى ما يشبه الأخدود الضيّق. أما الأذنان اللتان قطعتا، بالسكين أيضا، فقد احتجب مكانهما الذي سلختا عنه خلف الشعر، ثم خلف الغطاء الذي يعلوه. الناظر إلى غلاف المجلّة سريعا ما يُجري ذلك التحويل السريع للصورة، ناظرا إلى وجه عائشة مستثنياً من نظره أنفها المجدوع. أليست هي جميلة؟ يسأل فيما هو يرفع صورتها منقّلا إيّاها بين وجهي رفيقيه الجالسين أمامه. المجلّة أيضا رغبت في إظهار ذاك الجمال المُتلف المشوّه. وهي ذهبت بمفارقته القاسية إلى دفعنا للظنّ أنّ ما أصاب عائشة، الزوجة ذات الثمانية عشر ربيعا، يمكن أن يصيب نساء أفغانستان جميعهنّ.
وذلك محتمل وممكن ما دام أنّ ما عُوقبت به عائشة لا يدانيه، في استثنائيّته، ما فعلته وارتكبته. كانت قد فرّت من منزلها الزوجي بعد أن عانت فيه الأذى الذي يمكن تخيّل درجته عند رؤية ذاك العقاب الأخير. قالت، بعد أن أخرجها الطالبان من المنزل الذي لجأت إليه، إنّ زوجها وأهله عاملوها كعبدة، لكنّ فريق التعذيب، المتشكّل من أهل الزوج جميعهم، ومن رعاته “القانونيين” المتشكّل من رجال طالبان، لم يكونا بصدد الاستماع، بل التنفيذ. بعد إنزال العقاب بها تُركت عائشة هناك،عند قمة الجبل الذي كانت قد حملت إليه. ولأنّ الحكم الذي قرّره الطالبان ينبغي له أن يدلّ على قابليّتهم لإطلاقه وتحمّل تبعته، ولأنّه ينبغي لهم أن يكونوا حكّاما لـ” أهلهم”، أرسلوا من يبلغ عمّ عائشة بأنها تلقّت العقاب الذي تستحقّه، وأنّها صارت عبرة لسواها من النساء اللواتي قد يخطر لهنّ أن يقمن بما قامت به.
وقد علّقت المجلّة على صورة الغلاف تلك بالتحذير التالي: ” ماذا قد يحدث إن تركنا أفغانستان؟” ذلك سؤال أجابت عنه المجلّة، مبدئيا، بصورة عائشة وتشويهها الذي حدث منذ سنة واحدة، في وقت ما كان الأميركيّون موجودين هناك لم يرحلوا بعد، وهم ما زالوا موجودين إلى الآن. أي أنّ عائشة حالة من حالات الماضي وهي تستخدم الآن للتحذير مما قد يكون عليه المستقبل. ذاك أنّ المناطق التي تبسط عليها الطالبان سلطتها، الآن، قد تتسع بعد أن يتم التوصل إلى الاتفّاق الذي يجري الإعداد له بين الطالبان وحكومة كرزاي. أحد الديبلوماسيين الغربيين في كابول قال، معلّقا على ما صرّح به أوباما من أنّ الانسحاب من أفغانستان سيبدأ في تموز من العام المقبل: ” يجب أن نكون واقعيين. لن نظلّ نرسل جنودا وأموالا إلى الأبد. يجب أن نصل إلى اتفّاق، وذلك يتطلّب تضحية”.
“التضحية ستكون بالنساء”، تقول فوزيّة كوفي النائبة في البرلمان الأفغاني الآن. ذاك أن الإتفاق الذي سيعقد مع طالبان سيعني انتصارها في تلك الحرب التي لم يستطع الأميركيّون إنهاءها، كما سيعني فرضا لقوانينها خصوصا تلك المتصّلة بتطبيق الشريعة، بحسب فهمهم لها. وهم بدأوا بتعميم القوانين وإعلانها حيث أصدر المجلس الديني بحيرات، في شهر أيّار المنصرم، مرسوما يقضي بمنع خروج المرأة من منزلها إن لم تكن بصحبة رجل، زوجها أو أخيها أو .. ذلك المجال المتعلّق بأوضاع المرأة والزواج سيكون في يد طالبان إذ أنّ أكثر جوانب عقيدتهم تقوم عليه. أما الدستور الذي أقرّ مع الحكومة المدنيّة، والذي يشير إلى الحقّ بالمساواة بين الجنسين، فسيعتبر، حتى لو ظلّ قائما ومعمولا به، من الشكليّات اللازمة التي ستحوّل الجانب المدني من السلطة، الذي يمثّله كرزاي، أقرب إلى فريق مطالبة وتسجيل الخروقات التي ستحصل واقعيّا.
النساء اللواتي اندفعن إلى واجهة المشهد الأفغاني بعد إبعاد الطالبان في 2001 بدأن ينذرن بأن ما كان يجري في سنوات حكم طالبان الخمس، ابتداء من 1996، ربما يعود ثانية. لم يطمئنهنّ في شيء قول هيلاري كلينتون للوفد النسائي الذي التقاها: “سنظلّ معكنّ دائما”. ذاك أنّ درجة الإصرار فيه غير مقنعة ما دام أنّه يصدر عن محارب منسحب.
في التحضير لما سيكون عليه الحال بدأت الرسائل، في جنوب البلاد، تصل إلى من ينبغي عليهم تسلّمها: ” عليكِ ترك مهنة التعليم فورا وإلا سنقتل أولادك ونحرق ابنتك بالنار”، أو” سنذيقك ما لم يسبق لإمرأة أن ذاقته”. هاتان الرسلتان اللتان كشفت عنهما هيومان رايتس واتش يحملان في أعلاهما شعار السيفين المتصالبين وختم “إمارة أفغانستان الإسلامية”، وهو الإسم الذي كان لحكومة طالبان السابقة.
والمرأتان اللتان تسلّمتا الرسالتين ستمتثلان للتحذير الذي فيهما، ذاك أنّ الرعب الذي عايشتاه في تلك السنوات التي سبقت لا يترك مجالا لاختبار إن كان التهديد سينفّذ أو لا ينفّذ. وهو، في نواح من البلاد قد جرى البدء، أو إعادة البدء، بتنفيذه، حيث أحرقت بنات بحجّة ذهابهنّ إلى المدارس ورُميت وجوه أخريات بالأسيد.
النساء اللواتي قصدن الملاجئ التي تحميهنّ من ملاحقة أزواجهنّ بتن خائفات من أن يقعن في قبضة طالبان، التي ستنتشر في أنحاء أفغانستان جميعها بعد عقد ذلك الاتّفاق. أما اللواتي ذهبن بعيدا في تصديق دولة ما بعد 2001، ومن هؤلاء ديبلوماسيات وبرلمانيات ومقدمات برامج تلفزيونية ورياضيات شارك بعضهنّ في مباريات أولمبية، فسيكون عليهنّ الانسحاب مما أنجزنه. ذاك أنّ أحدا لن يحميهنّ ما دام أنّ القوانين والدساتير تظلّ قشورا يسهل نزعها لكونها لا تصنع عصبيّة ولا تزيح عصبيّة قائمة. لم يستطع أهل عائشة حمايتها من الطالبان وهم لم يبادروا إلى ذلك أصلا، “بسبب الخوف، لكن أيضا بسبب العار”. في الريف الأفغاني تتولى عائلة المرأة الهاربة معاقبتها، “ببيعها عبدةً مثلا، أو بقتلها غسلا للعار”.
التحقيق الذي أجرته مجلّة تايم ذكر أنّ التقاليد، الآن، وقبل مشاركة طالبان القادمة، توصي البرلمان بما ينبغي أن يقرّه. لم تستطع الكوتا النسائيّة فيه أن تحول ضدّ إقرار قانون يحرم المرأة من حضانة طفلها إن امتنعت عن مجامعة زوجها، كما منعها من الخروج من دون موافقة أهلها أو زوجها. فقط 12 من البرلمانيّات الـ68 أعلنّ معارضتهنّ لهذا القانون.
المستقبل