من اغتال الحريري إسرائيل أم حزب الله؟
محمد الحاج صالح
لا أحد يُنكر على الشيخ “صبحي الطفيلي” قوله في مقابلة لـ “صدى البلد اللبنانية” نيسان 2006 “كل اللبنانيين يعرفون أننا [صبحي الطفيلي] أمّ الصبيّ [حزب الله] “. فالشيخ أحد مؤسسي حزب الله وأوّل أمين عام له.
في المقابلة نفسها يرى الشيخُ أن المقاومة يجب أن تبقى مقاومة وأن لا تُستغَلّ في مشاريع أخرى، غامزاًَ من قناة قادة حزب الله الحاليين ومهاجماً النظام الإيراني بعنف. “الإيرانيون يعتبرون شيعةَ لبنان مزرعة لهم” يقول الشيخ، ويضيف “السياسة الإيرانية تشكّل خطراً جدّياً على الشيعة في العالم العربي”.
نسوق هذا الكلام لنقول أن الشيخ صبحي الطفيلي مؤهلٌ لأن يقول قولةً في حزب الله، وقد قال. ففي مقابلته الأخيرة في الشرق الأوسط 6 آب 2010 يدعو الطفيلي قيادةَ الحزب الحالية إلى التغيير “خطأ المؤسسات والدول والأحزاب التي لا تتبدل فيها القيادات من حين لآخر يدلّ على أنّها حالةٌ مرضيّة… ثبات القيادة حالة قاتلة للبشرية…!”
ثمّ يفجر الشيخ الطفيلي القُنبلة المفاجئة حيث بربط التغيير في قيادة حزب الله مع عفو آل الحريري عن القتلة وإيجاد المخرج من مأزق المحكمة الدولة. يقول: “التغيير ممكن أن يجعلَ لنا مخرجاً في موضوع المحكمة… وعفو أهل الدم (آل الحريري) يصب في نفس الإطار وهذا ما طالبت به”.
في كلام الشيخ الطفيلي اتهامٌ مباشر لقيادة حزب الله باغتيال “الحريري”، وفيه أيضاً خطّة للخروج من مشكلة المحكمة الدولية، لا بل خطة لإخراج لبنان من المأزق. استقالة أو تغيير قيادة حزب الله، وتنشيط سياسي واسع، وأخيراً عفو من آل الحريري.
طبعاً من المستحيل أن يستجيب حزب الله لهكذا اقتراح واصم بالجريمة. وسواء أكانت قيادة حزب الله ضالعة بالاغتيال أم لا، فإن حزب الله أمعن في إثارة الشكوك حوله. فهو كان خصماً عنيداً و”جوّانيّاً” للمرحوم الحريري. ومن يراجع أدبيات الحزب قبيل اغتيال الحريري يخلص إلى وجود كراهية فاقعة. كراهية لا يمكن لها إلا أن تترجم بشيء ما.
وفي الواقع بدأت مشكلة الحزب منذ أن انسحب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان. إذْ حصل للحزب ما حصل لصدام حسين من قبل. فقد انتفخت آباط قادته فخراً بالإنتصار، وهذا من حقهم. وإنما المشكل أنهم أرادوا توظيف الانتصار في سوق السياسة مع الاحتفاظ بـ “شرف” المقاومة، وراحوا كلما تطلب الأمر تصريحاً يرفعون سلاح المقاومة إلى مواقع التقديس إلى درجة تخوين من يحاول التساؤل، في حين أن هذا السلاح ذاته صار عاملاً حاسماً في محاولة الهيمنة على لبنان واللّعب في ملعب تحسين مواقع الحزب و”الشيعة السياسية” في الشرق الأوسط. كلّما زاود قادة الحزب ولوحوا بسلاحهم تجاه اسرائيل، كلما تبين عملياً أن الكسب المُراد ليس على الحدود وإنما في بيروت. وكلما استخدم القادةُ خطاب النبالة والصدق والمقاومة، توغلوا عملياً في ابتزاز المجتمع والقوى السياسية.
في الحساب الأخير حزب الله حزب طائفيّ، وهو بدعم من سورية وإيران، أغلق الباب عامداً متعمّداً وحاز على شرف المقاومة طارداً كل الفئات اللبنانية الأخرى. كيف لا تغتاظ الطوائف الأخرى مثلاً عندما يكرر حسن نصر الله مخاطباً أنصار الحزب والجنوبيين بـ “أشرف الناس”؟ كلّ اللبنانيين يعرفون فكّ هذه الشيفرة بل وحتى السوريين وبعض العرب يعلمون ما المقصود بأشرف الناس.
المقابلة تأتي آلياً: بقيّة الشعب اللبناني أقلّ شرفاً.
تذاكت قيادة حزب الله كثيراً ودخل في روعها أن التنظيم الجيد والمصداقية العالية واستثمار المقاومة أشياءٌ كافية لأن يلعبوا لعبة أكبر من حجمهم كحزب، وأكبر من حجم الطائفة الشيعية في لبنان بل وأكبر من لبنان. أدخلوا أنفسَهم ولبنان في خدمة الاستراتيجية الإيرانية والسورية للحفاظ على وظيفة المقاومة، وفي الوقت ذاته رغبوا بقطف ثمرة أكبر من أن تتحملها أطراف عديدة. لكل ذلك سيزداد مأزق حزب الله اطراداً ومعه سيساقُ لبنان إلى المخاطر.
مهما جاء حزب الله بأدلة على إنه بريء وإن إسرائيل هي من اغتالت “رفيق الحريري”، فإن عاملاً واحداً كافياً لهدم هذه الجهود المنسقة والمتذاكية التي يجيدها حزب الله. لمَ لمْ يقدّم حزب الله هذه الحجج والاثباتات من قبل؟ لمَ انتظر خمس سنوات؟ لم ظلت أوساطه ومؤيديه على خصومة وعداء غريب للحريري حتى بعد موته؟
محمد الحاج صالح