عن العدالة والاستقرار
حسام عيتاني
بغض النظر عن تماسك القرائن التي قدمها السيد حسن نصر الله في اتهامه إسرائيل بالوقوف وراء اغتيال الرئيس رفيق الحريري أو عن تفككها، فإن ما ينبغي أخذه في الاعتبار هو ذلك التناقض الخطير بين العدالة والاستقرار.
والحال أن منظومة العدالة الدولية، بمحاكمها ومدعيها وقضاتها، تخضع منذ نشأتها للمناخ السياسي الدولي السائد. لقد كانت المحاكمات الدولية من نورمبوغ إلى المحكمة الخاصة بيوغوسلافيا السابقة موضع اعتراضات وجيهة على حياد المحكمة واحترافها ودرجة مواءمتها للمناخ الدولي الذي جرت في ظله.
القضايا المطروحة أمام المحكمة الخاصة بلبنان تتعلق بجرائم سياسية ارتكبت في مرحلة شديدة الاضطراب بدأت مع صدور القرار الدولي 1559. غني عن البيان أن انكشاف لبنان أمام العوامل الخارجية يغري كل ما يمكن تخيله من أنظمة وأجهزة بمحاولة تحقيق مكاسب وتوجيه ضربات إلى القوى المناوئة. وهذه مقاربة ابتدائية.
مستوى أعلى من التعامل مع مسألة المحكمة يقول أن الانكشاف ذاته يجعل من الأطراف المحلية اللبنانية، أطرافا تابعة (او مستتبعة بالقوة والإغراء) لدول تملك من النفوذ والسطوة ما يخولها التحكم بمسارات السياسة والاجتماع اللبنانيين. عليه، لا يمكن تصور تحقيق «العدالة» هكذا بإطلاق، في لبنان، من دون الحصول على موافقات من الدول المعنية بالشؤون اللبنانية، والتي تتغير صراعاتها وتحالفاتها وفقا لمعطيات أقوى منها، هي المعطى الدولي بمكوناته السياسية والاقتصادية والاستراتيجية.
المعطيات المذكورة تغيرت منذ 14 شباط (فبراير) 2005 إلى اليوم. فقد التأمت جراح ونكئت أخرى واستمر النزيف في أماكن وتوقف في غيرها. ما يعني أن لائحة الدول والقوى والطوائف التي كانت تريد «العدالة»، عدلت مواقفها بل أن بعضها خرج كليا من صف المطالبين بوصول المحكمة الخاصة إلى الحقيقة.
المشكلة تبرز هنا. فالمعطيات الأمنية والأدلة القطعية، لا تكون عادة أهم ما ينظر إليه في المحاكمات المتعلقة بالجرائم السياسية. وسيان أأكدت المحكمة حرصها على استقلالها واستحالة خضوع قضاتها ومحققيها للتأثيرات الخارجية أو اعترفت بوجود ثغرات في حائط مناعتها، فأن ذلك لا يلغي وجود ترسانة من الوسائل لدى الدول المعنية، تؤدي إلى إبطاء أعمال المحاكم الدولية إلى الحد الذي تبدو فيه جامدة تماما. والعدالة المؤجلة هي عدالة معدومة.
والوضع في لبنان يشير إلى أن مسألة الاستقرار الداخلي تتقدم كثيرا على العدالة، بمفهومها العام. فاللبنانيون الذين يشعرون باقتراب العواصف من جهة إسرائيل، قلقون حيال تفاقم الصراعات الحالية وخروجها عن أطر التهدئة التي فرضتها سورية والمملكة العربية السعودية.
بيد أن ما تقدم لا يجب أن يحجب الحقيقة المُرّة القائلة أن الاستمرار في تأجيل التوصل إلى العدالة وتفضيل الاستقرار قصير الأجل على مشروع بناء دولة متاح فيها مجال التباين السياسي من دون اللجوء إلى العنف أو إلى التهويل به، يسوغ ترك لبنان نهبا لتصفية الحسابات الاقليمية والدولية ويسرع تعرضه لمحن قاسية على نحو دوري. وقد يكون اتهام اسرائيل باغتيال الحريري مريحا للعديد من الجهات، لكن صوغه على عجل، لا يفعل سوى تأكيد عمق الهوة التي يقف اللبنانيون على حافتها.
الحياة