صفحات سورية

قراءة هادئة للقاء مجلس شورى إخوان سورية

null
محمد صالح الشمّري
(ما جرى في اجتماع مجلس الشورى من انتخاب قيادة جديدة للجماعة، هو عملية ديمقراطية شورية بامتياز، والأخ رياض الشقفة، الذي انتخب مراقباً عاماً للجماعة كان جزءا من المرحلة الماضية، وكان منسجماً مع السياسات العامة التي اتّخذت طوال تلك المرحلة. وليس صحيحاً أن هناك تيارات متصارعة داخل الجماعة، خلال المسيرة السابقة كانت مواقفنا تتخذ بالأكثرية، ولا وجود لتياري الحمائم والصقور، كما يريد بعض الناس الترويج لذلك، وقد أكد مجلس شورى الجماعة أن سياسات الإخوان مستمرة على حالها).
هكذا باختصار وتكثيف شديدين وغير مخلين وصف المحامي علي صدر الدين البيانوني، الذي انتهت ولايته للتو؛ ما حصل في جماعة الإخوان المسلمين السوريين، فلم يكن البيانوني تاجراً يساوم على قضية شعبه، وأتمنى أن يضع القارئ الكريم خطاً مزدوجاً تحت كلمة شعبه، لأن القضية ليست قضية الإخوان المسلمين، بل قضية شعب بأكمله يعاني من الظلم والتسلط والاستبداد والفقر وفقدان الإنسانية.
السيد رياض الشقفة، المراقب العام الجديد لإخوان سورية – شريك شراكة كاملة غير منقوصة في كل السياسات التي انتهجتها الجماعة في ولايات البيانوني الثلاث – والتي بذل البيانوني كل الجهد الممكن لإعفائه من آخرها من دون جدوى.
لم يأت الشقفة على صهوة جواده الأدهم حاملاً رمحه ومجرداً سيفه في غزوة لا ترد على النظام، فـ’مجلس شورى الجماعة أكد أن سياسات الإخوان مستمرة على حالها’ كما قال البيانوني في التصريح الآنف، ومن يعرف جماعة الإخوان المسلمين السوريين يعلم أنه (لا يمكن لمرحلة ما من عمر الجماعة أن يحدد معالمها شخص المراقب العام بمفرده، وإنما هو دور تكاملي تقوم به مؤسسات الجماعة ومراكزها ولجانها المختصة، لأن الشورى – وهي ملزمة في نظام الجماعة – تقتضي أن الجميع شركاء في صناعة المواقف والسياسات، والمراقب العام يمثل منها هرم سلطة التنفيذ).
نعيب على الأنظمة الاستبدادية استمرار القائد الفذ الضرورة…. إلى آخر حياته ثم توريث أبنائه من بعده، ونكاد نطلب ذلك من الأحزاب والجماعات، وإلا فما معنى أن يقال: إن انقلاباً حدث في جماعة الإخوان السوريين لمجرد أن أنهى مراقب عام ولايته وتم انتخاب مراقب عام جديد لهذه الجماعة عبر ممارسة شورية التزم بها أعضاء الجماعة كافة وأدوا البيعة للمراقب العام الجديد فور صدور نتائج الانتخابات، ومن الجدير بالذكر في هذا المجال بالذات انه قد تعاقب على رأس الجماعة منذ تأسيسها حتى اليوم عشرة مراقبين عامين ومن مختلف المحافظات السورية، منهم خمسة على قيد الحياة (أمد الله في أعمارهم ونفع بهم) وهم في موقع المستشارين للمراقب الجديد..
ألم يكن حرياً بهذه الأقلام أن تثمِّن هذه الممارسة الديمقراطية التي تفتقر إليها منطقتنا العربية والإسلامية بشدة موجعة؟
ألم يكن حرياً بمثل هذه الأقلام أن تقول إن هذه الجماعة الإسلامية قد رفعت الحرج عنا نحن الذين نعيش في دول- إقطاعيات للرؤساء والمحاسيب – فمارست هذه الجماعة ممارســـة ديمقراطيـــة سوية أثبتت أن ذلك ليس مستحيلاً في عالمنا العربي والإسلامي وأنه ممكن التحقيق في أحزابنا وجماعاتنا ودولنا؟
ألم يكن حرياً بهذه الأقلام أن ترفع قبعاتها احتراماً وتقديراً وإجلالاً للمراقب العام السابق المحامي علي صدر الدين البيانوني الذي قال: (إن ما جرى في اجتماع مجلس شورى الجماعة من انتخاب قيادة جديدة للجماعة، هو عملية ديمقراطية شورية بامتياز) و(سأستمر في الالتزام بسياسات الإخوان، فأنا سأظل عضو مجلس الشورى.. وأنا لا أشعر بأي ظلم أو انقلاب علي، فما جرى كما قلت هو عملية ديمقراطية شورية) و(إنني كنت أتمنى أن أتنحى منذ الدورة الماضية، لكن الإخوة ألزموني، وقد اشترطت يومها إضافة ملاحظة تمنع الترشح لدورة أخرى، وهذا هو ما جرى والحمد لله).
و(هذا هو ما جرى والحمد لله) أقسم غير حانث أنه لو قالها سياسي غربي تنحى لتوه عن رئاسة حزبه لجعلها الإعلام الغربي أيقونة تعلق على صدور الصحف والمجلات ومواقع الإنترنت.. أما إعلامنا وأقلامنا – مع شديد الأسف- فإنها لا ترى في ذلك كله سوى (انقلاب) و(عنزة ولو طارت).
إن ما حصل في جماعة الإخوان المسلمين، وبكل بساطة، هو: نهاية ولاية لمراقب عام وانتخاب بالوسائل الشورية الشفافة، لمراقب عام جديد يعترف بالفضل ويدين بالشكر لسلفه.. واختيار قيادة جديدة لا تجرّم سابقتها ولا تقطع حبال الود والتعاون معها.. وكل ما في الأمر أنها ترى – ولكل قيادة جديدة رؤيتها المستقبلية الخاصة، التي تتكامل مع رؤية القيادة التي سبقتها ولا تلغيها – أن الصف الداخلي للجماعة ينبغي أن يولى اهتماماً أكبر وأن لا يطغى الجانب السياسيّ في العمل، على الجانب البنائي للجماعة بأفرادها ومؤسّساتها وعلى الجهد المطلوب لتقوية الصف الداخلي للجماعة وتمتينه وتعهده بالصيانة والبناء والتأهيل ورفع سويته باستمرار؛ وكذلك التأكيد على ثوابت الجماعة ومبادئها ومقاصدها وإبراز ذلك بشكل جلي في خطاب الجماعة الإعلامي ونهجها السياسي.. ولم يكن ذلك كله موضع خلاف بين القيادة الحالية وسالفتها؛ فأين الانقلاب بالله عليكم، وأين الصقور وأين الحمائم؟!
أم أن مرض النظام ينبغي أن يصيب – أيضاً- الجماعات والأحزاب السورية الموالية منها والمعارضة.. ما لكم كيف تحكمون؟!

‘ عضو في القيادة الجديدة لجماعة الإخوان المسلمين في سورية
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى