اختتام معرض الكتاب السنوي في دمشق: إخفاق إداري أم أزمة ثقافة؟
راشد عيسى
كنا نتوقع، بعد انكشاف أمر دور النشر الوهمية في معرض الكتاب، أن تهرع إدارة المعرض إلى إصلاح الأمر، إن كان مجرد خطأ غير مقصود، أو تداريه مثلما يستتر من ابتلي بمعصية. ولكن أحداً لم يكترث، فمن الواضح أن لا حساب ليخشاه المديرون، خصوصاً في شأن ثقافي، فمن يشغل باله بهذه الأمور؟ ولقد ظهر أن الواقعة ليست جديدة، وهي أن المعرض يضع أسماء دور نشر عربية، ولكنها في المضمون دور نشر سورية، فإذا دخلت إلى جناح يحمل اسم «دار سنابل ماد – تونس» لن تجد سوى كتب دار «الحافظ» السورية الدار التي كان لها العديد من الأجنحة حتى تكاد تظن ان المعرض حكر عليها.
هكذا يصبح المعرض محلياً بامتياز، يحضر فيه الوكلاء لا الأصلاء، ما ينفي عنه كونه لقاء ثقافياً وحواراً بين أفكار وتطلعات، بين مشرق ومغرب، بين مثقفين ومبدعين ومفكرين من مختلف التوجهات والبلدان. هكذا يصبح المعرض مجرد دكاكين. الفعالية الثقافية الأبرز والأكثر عراقة في سوريا تتحول إلى دكاكين خائبة، لا أحد يكلف نفسه عناء زيارتها.
أمس بالذات، اليوم الأخير للمعرض، يمكن للمرء أن يشاهد بأم العين كيف أصبح المعرض مجرد مستودعات تنتظر اليوم الأخير للبيع بالجملة (رأيتهم بأم العين يتبارزون أمس)، وهو ما يناقض شروط المعرض الذي ينبغي أن يبيع للقارئ مباشرة لا لتجار الجملة، هذا الأمر من شأنه أن يجعل بائع الكتب مرتاحاً في التعامل مع القارئ، الذي يساوم على حسم لن يحصل منه على ما يرضيه، ما دام أن الكتب ستباع بالجملة في الآخر.
وما يزيد الأمر سوءاً، ويكرس هذا الانطباع (انطباع الدكاكين) هو البرنامج الثقافي، يقول الناشر سامي أحمد (دار التكوين) «البرنامج الثقافي هزيل، ويوحي بأن المعرض بلا أصل ولا أساس. أين هم المثقفون والمفكرون العرب الذين يطرحون الأزمة كما هي؟ أين هي الأسماء التي رافقت بدايات المعرض كصادق جلال العظم؟ أين هي العناصر الجاذبة من فنانين وشعراء بارزين؟».
تجاوز السائد؟
وعلى سيرة البرنامج الثقافي لا بد من أن يلفت المرء إلى الندوة التي عقدت تحت عنوان «الأدب الليبي بعيون سورية»، شاركت فيها لطفية إبراهيم برهم بمداخلة تحت عنوان «بنية الحلم والواقع في الشعر الليبي الحديث والمعاصر»، وحسب وكالة الأنباء السورية سانا «تحدثت فيها عن أساسيات السرد الشعري الإبداعي في ليبيا، موضحة أن الشاعر الليبي يتجاوز بنصه الإبداع السائد اعتماداً على لغة تخلخل الجاهز وتقوض المشترك لبناء رؤية مغايرة تتجدد فيها العلاقة بين الإنسان وذاته من جهة وبينه وبين العالم الواقعي من جهة أخرى». كما تحدث نذير جعفر ـ حسب سانا أيضاً – عن «جماليات الخطاب في القصة الليبية قائلاً إن هناك حراكاً ثقافياً وإبداعياً جديداً في ليبيا له خصوصيته وفرادته شكلاً ومحتوى ودلالة، نلمحه في الفن التشكيلي والأغنية كما في الشعر والقصة والرواية، ولا تنقصه الغزارة ولا النوعية بل الاكتشاف والتعريف والتسويق والانتشار ذاكراً الكثير من الأسماء الأدبية التي لمع صيتها أو التي بقيت خلف الأضواء والتي كان لها دور كبير في بنية الأدب في ليبيا». هذا إلى جانب مداخلين كصلاح صالح وابراهيم محمود.
والسؤال؛ هل يصح أن تجري الأمور هكذا؟ بمعنى أن من يقدر على الدفع يستطيع أن يستأجر كتاباً ليتحدثوا في محاور وعناوين تملى عليهم؟ وهل بالإمكان أن يكون الباحث انتقادياً في ما يملى عليه، خصوصاً إذا كان الدفع مؤجلاً، أي بعد إعداد البحث لا قبله. وهل يشكل الأدب الليبي شاغلاً حقيقياً لدى الباحثين السوريين. ثم من يرتب هذه الأشياء؟ نسأل عن بعض الأسماء المغمورة فيقال لنا، إن جابر عصفور هو من يريدها. ومن الغريب حقاً أن يتحكم عصفور (الذي حظي بجائزة القذافي في دورتها الأولى) بالمشهد الليبي والسوري وسواهما كما لا يستطيع آخرون.
مطلوب خلية أزمة
«المعرض فاشل»، تقول بالحرف اللبنانية مرسيل عبود (دار الجيل) من دون أن تكون معنية بالأسباب. تقول «لا أعرف. يقولون التوقيت، أو الطقس الحار، أو توقيت المعرض قبيل شهر رمضان».
وإذا كان لا يخفى على الزائر أن الأجنحة خاوية من الزوار تقريباً، فإنه لن يخفى أن أجنحة «دار الفكر»، التي يملكها رئيس اتحاد الناشرين محمد عدنان سالم مكتظة بالكتب والزوار. نسأله عن الوصفة السحرية لهذه الحيوية التي للدار فيقول «نحن أيضاً لدينا تراجع في نسبة المبيعات، أما الازدحام على كتب الدار فلأنها بنت جمهورها على مدى سنوات طويلة، اعتماداً على التعدد والتنوع وتقديم كل ما يحتاج إليه القارئ في كل المجالات. لذلك فإن الدار شكلت معرضاً مصغراً للكتاب».
لن ترى ناشراً أو قارئاً إلا ويتحدث عن إخفاق المعرض في الوصول إلى الناس، أو وصول الناس إليه. وفي تقديم وجبة ثقافية دسمة كان المعرض يواظب على تقديمها في سنيه الأولى. ألا يؤشر ذلك عموماً إلى كارثة أكبر من الكتاب؟ كارثة تتعدى الكتاب كسلعة وتجارة إلى أزمة الثقافة برمتها. فلا شك أن المسألة لا تتعلق فقط بتوقيت المعرض وانسحابه خارج المدينة وانعقاده في وقت عطلة الطلاب وإجازتهم خارج المدينة، وبالإعلان والبرنامج الثقافي الضحل، فالمعرض خير تمثيل لحال الثقافة، خصوصاً كما نراها اليوم بأيدي رسمية مترهلة، آخر همها الكتاب والثقافة. معرض الكتاب هبة تمنح اليوم للجميع، نوعا من استبيان على وزارة الثقافة أن تقرأه بتمعن، وكذلك مكتبة الأسد، مديرة المعرض، واتحاد الناشرين، ودور النشر، وبالطبع المثقفون ومنتجو الثقافة. ولكن لا بد هنا من استدعاء «الأمانة السورية للتنمية»، الجهة الناشطة اليوم في العديد من المواقع الثقافية، والتي أثبتت فيها حضوراً فاعلاً، لكي تضع الكتاب ومشكلاته على أجندتها.
الكتاب في أزمة، هذا مفهوم، لكن حين يكون معرض الكتاب في أزمة، فهذا يعني أننا نقرر اليوم بملء إرادتنا أن نبقي عليها.
راشد عيسى
(دمشق)
السفير