تعقيباً على راشد عيسى: أزمة ثقافة في معرض الكتاب أم أزمة أخلاق
نذير جعفر
تبدو مقالة راشد عيسى «إخفاق إداري أم أزمة ثقافة؟» المنشورة في «السفير» بتاريخ 10/8/2010 تصفية حساب مع عدد من المثقفين السوريين وليس مع الجهة المنظّمة لمعرض الكتاب السنوي في دمشق. وإلا فما معنى أن يحشر اسم صلاح صالح (أستاذ جامعي وناقد وسجين سياسي سابق), ولطفية برهم (أستاذة جامعية وناقدة), وكذلك اسم الباحث المعروف إبراهيم محمود (صاحب أهم عشرة كتب إشكالية صادرة عن دار الريس), واسمي أيضا, (أنا العبد الفقير نذير جعفر), في خانة الكتّاب المُستأجرين للكتابة عن الأدب الليبي! في الوقت الذي تهرّب فيه من ذكر اسم مدير الندوة التي شاركنا فيها وهو الناقد والروائي المعروف نبيل سليمان؟
وللتوضيح فقط وليس للرد لا بدّ من ذكر الحقائق الآتية ليعرف السيد راشد وأمثاله حيثيات هذه الندوة, التي لم يحضرها شخصيا واكتفى بالنقل عن (سانا) في إشارته إلى ما دار فيها!
أولا: القارئ العربي عامة وليس السوري فحسب, لا يعرف من الكتاب والشعراء الليبيين سوى بضعة أسماء, يأتي في مقدّمتها: إبراهيم الكوني, وأحمد إبراهيم الفقيه, وعلي المصراتي, ومنصور بوشناف, ومفتاح العماري, في أحسن الأحوال! وربما الأخ راشد لم يسمع بهم أيضا! أو سمع بالكوني وحده! في الوقت الذي تزخر فيه الساحة الليبية بعشرات المبدعين نوعا وكمّا, عدا المفكرين, والنقاد, وعلماء اللغة, والأنثربولوجيا, وما عليه إلا بالضغط على السيد (Google) ليتأكد بنفسه.
ومن هذا المنطلق, ومن مبدأ التواصل مع الأشقاء (وليس مع الصهاينة) قبلنا الدعوة التي وجهها إلينا مجلس الثقافة العام, الذي أرسل لكل منّا، بحسب اختصاصه واهتمامه مجموعة من الكتب لاختيار ما يراه منها ودراسته والتعريف به, دون أن يملي علينا أي شروط من أي نوع كان, وترك لنا حرية الاختيار والنقد. ولو اطلع السيد راشد عيسى على هذه الدراسات النقدية لخجل من نفسه باتهامه لنا بـ(المستأجرين) من النظام الليبي! مع أن المكافأة التي لم نسأل عنها أساسا, كانت في الحدّ الذي يغطي نفقات سفرنا وإقامتنا لثلاث ليال في دمشق لا أكثر ولا أقل! ولو كنّا مُستأجَرين لطلبنا رقما يليق باستئجارنا على الأقل يا سيد راشد!
ثانيا: كان من باب أخلاقيات الصحافة أن يحضر السيد راشد الندوة أو يأخذ صورا عن الدراسات التي أُلقيت ونوقشت كما فعل غيره ويحكم بنفسه, إذا كانت تلك الدراسات تلميعا لأسماء معيّنة أملاها علينا مجلس الثقافة الليبي أم هي نقد أدبي رصين وعلمي وبعيد عن المجاملات لقامات أدبية عالية؟
ثالثا: ما علاقة إخفاق معرض الكتاب بندوة ناجحة بكل المعايير استمرت ساعتين ونصف الساعة، بحضور نوعي كثيف ونقاش عميق في صالة غير مكيفة كما يجب في هذا الحرّ القاتل!
إن إخفاق المعرض لا علاقة له بالقراءة السطحية الساذجة التي قدمها راشد عيسى, إنه إخفاق له أسبابه العميقة المتعلقة بالتحولات الخطيرة التي يعيشها المواطن السوري والعربي على المستوى الاقتصادي والسياسي والثقافي, ولا يقع عاتق الإخفاق على هذا المدير أو ذاك, أو على بعد المكان, أو على غلاء الأسعار, أو على دور النشر الوهمية! فكل تلك الأسباب مظاهر للأزمة وليست سببا لها.
وجوابا عن من يتساءل, كما تساءل راشد عيسى: من اختار الأسماء, ومن نظّم الندوة؟ أقول له إن هذه الأسماء ليست نكرات, وهنا أرجو من أي قارئ أن يتأكد بنفسه عن مدى حضورها في المشهد الثقافي العربي عبر أي محرك بحث. وبالنسبة إلي على الأقل فقد عملت مديرا لتحرير مجلة (البيان) الكويتية المحكّمة على مدى اثنتي عشرة سنة, ومحرّرا ومشرفا على الصفحة الثقافية في جريدة (السياسة) لمدة سنتين, وعبرها تواصلت مع الأدب العربي الليبي, الذي أعرفه إلى حدّ بعيد. وعندما تم اختياري وتكليفي تقبلت الدعوة بحماسة وحب, لأني مطّلع على ما تخبئه ليبيا دائما من طاقات إبداعية تحتاج إلى التواصل معها والتعريف بها. ولو لم أجد في المجموعات القصصية التي تناولتها ما هو جدير بالنقد لاعتذرت عن الدعوة. لكن كيف لي أن أعتذر ومن بين المجموعات تبرز عاليا أسماء: حسن كامل المقهور, وعبد الله القويري, ومحمد المسلاتي, وعلي المصراتي, ونادرة العويتي, ورزان نعيم المغربي, وكلها أسماء لها نتاجها الإبداعي المميز الذي نجهل عنه الكثير؟ وكذلك فعل زملائي المشاركون في الندوة, الذين لم يتوقّفوا عند المشاهير مثل الكوني, والفقيه, فحسب, بل تناولوا أسماء مسرحية وشعرية وروائية تستحق الالتفات والدراسة والتقدير.
لقد أمضى كل منّا ما لا يقلّ عن شهرين في كتابة دراسته, ويأتي السيد راشد ليشطب جهدنا بجرّة قلم, ويتهمنا بالأجراء, وما أشطر بعض السوريين في النيل حتى من رفاق دربهم واتهامهم بالخيانة ظنا منهم أن الغنيمة كبيرة وينبغي أن تقسم على الجميع بالتعادل!
هل كل ذلك أزمة ثقافة أم أزمة أخلاق؟ وأترك للقراء الإجابة فهم القادرون على الحكم. وشكرا لجريدة «السفير» التي يتسع صدرها لخصوماتنا كلما ضاقت بنا صحافتنا المحلية.
نذير جعفر
(دمشق)
السفير