لم يبقى إلا إن يخصخصوا زوجاتنا
قديماً كنا نعيب على الحكومة أنها تأتي و لكن لا تفعل شيئاً ، وزراءها أشبه بالتماثيل الحجرية التي تحتل ساحات المعابد ، قيادات باردة عفنة يأتون بها من المستودعات أو ساحات الخردة ، تذهب و تأتي و المواطن على حاله يشتم بصمت و قد فقد كل رغبة بالصراخ ، فللحيطان آذان و للأشجار آذان و حتى لحنفية الحمام .
كانت السيارة حلماً يداعب خيالنا و نحن نمشي في طريق المدرسة في حر الصيف أو في برد الشتاء ، كي لا أطلب من أبي أجرة الطريق و هو الذي يغادرنا عند السابعة صباحاً و لا نراه إلا عند العاشرة ليلاً فخمسة أفواه فاغرة مغاراتها تستلزم هذا و أكثر ، التلفزيون السوري كان نافذتنا على العالم بالأبيض و الأسود و كان عيداً عندما لمحنا فيه الألوان ، و قد كدنا نخسره منذ اليوم الأول عندما حاول أخي الصغير مصافحة طفل في التلفاز .
و مع ذلك لم يكن ينتابنا هذا الشعور من الإحباط ، فللعامل حقوقه و كان بوسعه أن يستمر و أن يعلم أولاده بالمجان ، و إذا مرض أن يدخل المستشفى و أيضاً بالمجان ، و أن يبني بيتاً يستره هو و عائلته .
اليوم تغيرت الأحوال جاءتنا حكومة مدعمة بخبرات راقية أتوا بها من الخارج لتدعم اقتصاد الوطن ، بدأت المراسيم و التشريعات تهطل كالمطر ، ثم تأتي التعديلات عليها و تعديلات التعديلات ، تضاعفت الرواتب ضعفين و أكثر و لكن بالمقابل جن جنون الأسعار ، أصيب البلد بالتخمة و تضاعفت الخدمات ، و ما كان كمالياً و لا حاجة له صار من الضروريات ، و ما كان ضرورياً صار حلماً وردي اللون بعيد المنال ، اجتاحت السيارات الخاصة طرقاتنا بما يشبه السرطان ، اقتنى شبابنا أحدث وسائل طق الحنك ينتعونها على خصورهم أو في آذانهم ، صار بوسعك أن تشتري سيارة و تدفع بنزينها من لقمة العيال ، و لكن من الصعب جداً إن لم أقل من المستحيل أن تملك سقف بيت يأويك .
العامل صار في الدرك الأسفل و هم يستولون على حقوقه ، يتركونه عرضة لشتى أنواع الإهانة و القهر ، و لكن بوسعه الآن أن يصرخ و هو يخسر كل ما ربحه ، كنا في حلب في عز أزمة المازوت الأخيرة و كان أحدهم يشتم الرئيس و الحكومة ، و حضر ضابط كبير من أصحاب الرتب فتوجه إليه أحد المواطنين ( الشرفاء طبعاً من أصحاب الغيرة على القائد و الحكومة و الوطن ) و قال له مؤشراً باتجاه الذي يسب و يلعن : عم يسب الحكومة و ناجي بخاخة و الثرثري ، ضحك الضابط و قال بدهشة مستفسراً : مين … مين ؟ أردف المواطن : رئيس الحكومة و نائبه !! ، فأجاب الضابط : أي يسب شو فينا نخدمو ؟ ثم أكمل ساخراً : الكلاب التي تنبح لا تعض !
حكومتنا التقية مستمرة في عملها على قدم و ساق ، و لن يكون إلا الله من وراء القصد ، كل يوم تطالعنا بمشروع جديد ، و المواطن الذي أدمن الصمت في ما مضى يدمن الشتيمة اليوم ، كان في الماضي إن شتم أحدهم الحكومة انفضوا من حوله و لكن الآن يشاركونه حفلة السباب و التحشيك و بأقذع اللفظات ، صار كل شيء خاصاً ، مطارات خاصة ، محطات طاقة خاصة ، ” حاسس حالي بأوربما “، تعليم خاص ، و مشافي خاصة ، و شاطئ خاص ، و مصرف خاص ، و … وووو مواطن مخصي … وصلت الخصخصة إلى بيت الماء و فراش النوم و لم يبقى على الحكومة العتيدة إلا أن تخصخص زوجاتنا !
عندما قرأت إحدى تدويناتي ، قالت قالبة شفتيها : بشعة !!! أحسست بالغضب ساعتها و قلت لماذا ؟ فقالت : لأنك لا تتقن إلا الشعارات ، و هي شغلة المسؤولين و العملاء ، هي أشبه بعود ثقاب يحترق لوهلة ثم ينطفئ و ربما يحرق أصبعك ، تثور و تغضب و تنفخ العلكة لتنفجر على لحيتك و شاربيك ، قلت في سري متذكراً قول الضابط الحكيم : صدقت … نحن لا نكتب إلا شعارات تموت ساعة نطلقها ، لا تقدر حتى أن ترسم دوائر في بركة ماء ساكنة ، نحن نحترف الصراخ لكي لا يقتلنا شعورنا بالذل و انعدام الكرامة ، سيبقون هم فوق يديرون حتى أوقات نختلي بالغائط دون أن يسمعونا ، و سنبقى نحن تحت تحت تحت قريباً من التراب و الوحل نصرخ و لكن لا حياة لمن تنادي … لأن هذا هو قدرنا !
http://nawarshash.com