صفحات من مدونات سورية

رقابة..

الرقابة هي إحدى أكثر أسلحة الحكم في الدول الاستبدادية فتكاً, فهي تحجب المعلومات و الأفكار و الآراء التي قد تكون مزعجة للحكّام و ناقدة لأساليبهم و مناقضة لفكرهم و لا تصل إلى الشعب الذي يُمنع من رؤية شيءٍ آخر مختلف عن رواية أصحاب السلطة و ثوابتهم و وقائعهم, و مع دوام حجب هذا الآخر النقيض يصبح للحقيقة عند هذه الشعوب وجهاً واحداً فقط لا أخ له و لا ابن عم و لا عدو.
يحارب دعاة التحرر الرقابة و يناضلون ضدها (و يتحايلون عليها) لإيمانهم بأن الحقيقة إن وصلت إلى أذهان الشعوب فإنها ستجعلهم ينتفضون ضد الطغيان و الديكتاتورية.
في المقابل نجد في دول أخرى ذوات الكروش الديمقراطية المتخمة بالحرّيات واقعاً مناقضاً تماماً, فالمعلومات و الأفكار و الآراء متوفّرة بسخاءٍ لدرجة أن لا أحد يهتمّ بها و لا يعيرها أي اهتمام.. في مجتمع ما بعد الحداثة انقلب معيار أن المعرفة طريق التحرر إلى حقٍّ شبه مقدّس يحارب المواطن من أجله و ينص على أنه من حقّه ألا يفكر و ألا يهتم, و لكن عندما يحاول أحدٌ حجب معلومة عنه فإنها تصبح مهمّة بشكل آلي و يبحث عنها بإصرار رغم أن أخوات هذه المعلومة مرميّة أمامه و لا يعيرها أي اهتمام, و هذه سمّى أهل العلم هذه الظاهرة بـ “ظاهرة ستريسند” نسبةً إلى المغنّية الشهيرة باربرا ستريسند التي حاولت منع نشر صورٍ لساحل كاليفورنيا يظهر منزلها فيها, فكانت نتيجة محاولة المنع هذه أن الصور انتشرت على الشبكة العنكبوتية كالنار في الهشيم..
هذا يعني أن المشكلة ليست في الرقابة, أو ليست في الرقابة بحد ذاتها, أو ليست فقط في الرقابة, أو.. أو
في الحقيقة لم نعد ندري أين المشكلة أساساً..

محسوبكم لا يتابع أي مسلسل رمضاني, و مع ذلك أصبح خبيراً بالمسلسلات الرمضانية و يعرف قصصها و أحداثها فقط بمتابعة الصحف الالكترونية و ما تنشر من مطالبات منع و هجومات و هجومات مرتدّة من و إلى المخرجين و الممثلين و كتّاب السيناريو.
إن بقي مسلسلٌ رمضاني لم يُطالب أحدٌ بمنعه فأنا أتبرع لمخرجه إن أراد أن أطالب بمنعه..ما حدا أحسن من حدا.

طرفة ملطوشة *
يروى أن أحد مواطني المرحومة ألمانيا الديمقراطيّة “الشرقيّة” (و ألمانيا الديمقراطية كانت ديمقراطية بنفس درجة جمال المساعد جميل) حصل على عمل في أقصى شرق الاتحاد السوفيتي (المرحوم هو الآخر), أي في سيبيريا.. و بسبب يقينه بأن رسائله ستُقرأ من قبل رقابة البريد فقد اتفق مع أصدقائه على أنه عندما يكتب الرسالة باللون الأزرق فإن ما يكتبه حقيقي, و عندما يكتب الرسالة باللون الأحمر فهذا يعني أن كل ما يكتبه كذب و عليهم أن يفهموا أنه يقصد المناقض لكل ما هو مكتوب.
بعد مرور أسابيعٍ قليلة على رحيله وصلت رسالة منه إلى أصدقائه مكتوبة بالحبر الأزرق و تقول:” هنا كلّ شيء رائع و ممتاز, المحلات مليئة بالبضائع, الطعام وفير و لذيذ, الشقق واسعة و مريحة و تتمتع بأجهزة تدفئة ممتازة, دور السينما تعرض أفلاماً غربية حديثة و هناك مئات الفتيات الجميلات المستعدات لخوض مغامرة عاطفية.. الشيء الوحيد الذي لا يمكن الحصول عليه هنا هو الحبر الأحمر”.
*من كتاب (Welcome to the desert of the real) للفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجك.

في قرار وُصف بأنه سيادي منعت بعض الدول بعض خدمات هاتف البلاك بيري الشهير بحجّة أنه محصّن ضد المراقبة الالكترونية..
هل يعني هذا أن كل ما عدا مسنجر البلاك بيري… مُراقب؟!

http://www.syriangavroche.com/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى