مصر: هُزال المعارضة وعدم اكتراث النخبة !
عمرو حمزاوي
نحن أمام مفارقة خطيرة يكشف عنها المشهد السياسي الراهن في مصر. فبينما يتعالى حديث العديد من النشطاء والمثقفين والإعلاميين عن حتمية التغيير وتتسارع وتيرة حركة قوى المعارضة الحزبية وغير الحزبية في اتجاهات متنوعة (تشكيل الجمعيات والتحالفات ونقاشات المقاطعة والمشاركة في ما خص الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة)، يغلف الجمود الحياة السياسية الرسمية ويلتزم خطاب نخبة الحكم بالاستقرار كهدف أسمى (إن لجهة هوية مرشح الحزب الوطني للرئاسة أو لجهة التوجهات الداخلية والخارجية) ويشدد على أن الانتخابات المقبلة ستنظم وفقا للقواعد الدستورية والقانونية المعمول بها دون تعديل أو تبديل. تتوالى بيانات ومؤتمرات ولقاءات قوى المعارضة ويفرد للحوارات مع نشطاء الديموقراطية ومثقفي التغيير مساحة واسعة في الصحافة المستقلة والإعلام الفضائي، ونخبة الحكم على حالها تبدي عدم الاكتراث وتنزع لاستبعاد مطلبية التغيير كصنو حديث غير مسؤول وغير مجد. ولم يدفع، على سبيل المثال لا الحصر، لا تبني جماعة الإخوان المسلمين لمطالب الدكتور البرادعي والجمعية الوطنية للتغيير وشروعها في جمع توقيعات المواطنين ولا تهديد بعض أحزاب المعارضة بمقاطعة الانتخابات، لم يدفع النخبة إلى مراجعة موقفها.
يصبح السؤال الملح إذا هو عن ماهية العوامل الكامنة وراء عدم اكتراث النخبة بفعل المعارضة وعزمها على المضي قدما في المسار الذي حددته سلفا للانتخابات البرلمانية والرئاسية. بعيدا عن مبالغات ذلك النفر من المراقبين والمتابعين للحياة السياسية في مصر الذي بات لا يرى في النخبة سوى عصابة من المأجورين المعادين لمصالح الشعب المصري والمهمومين فقط بهاجس البقاء في السلطة، يمكن القول أن العامل الأساسي وراء عدم اكتراث النخبة يرتبط بهزال المعارضة وضعفها البين وغياب بوصلة التوجيه الإستراتيجي لدى العدد الأكبر من أحزابها وجماعاتها وجمعياتها. فحزب الوفد، على الرغم من حيويته الراهنة بعد تجربة انتخاباته الداخلية وفي ظل قيادة جديدة تتسم بالدينامية، يتأرجح بين تأكيد على المشاركة في الانتخابات وتلويح على استحياء بإمكان مقاطعتها إن غابت ضمانات النزاهة. أما جماعة الإخوان التي باستثناء مقاطعتها انتخابات 1995 البرلمانية شاركت في جميع الانتخابات التي أتيح لها المشاركة بها، فتبدو عازمة على المشاركة في الانتخابات، إلا أن رغبتها في استمرار الانفتاح على حركات كالجمعية الوطنية للتغيير، والحفاظ على درجة من التنسيق معها تدفع قياداتها أيضا إلى التلويح خطابيا بإمكان المقاطعة. وفي المجمل تكرر بقية قوى المعارضة التأرجح ذاته بين توجه المشاركة وحديث عن المقاطعة، كما تشترك مع الوفد والإخوان في الهزال الشديد لاستعدادتها للانتخابات البرلمانية التي لم يعد يفصلنا عنها سوى أشهر محدودة – فلا برامج انتخابية أعلنت ولا تحالفات ومساومات انتخابية اتضحت معالمها. وغني عن البيان أن معارضة بمثل هذا الضعف وعدم الجهوزية ليس لها أن تقنع / تجبر النخبة على التعامل مع مطالبها بجدية.
إلا أن ضعف قوى المعارضة يسببه أيضا، عجزها عن 1) تطوير نقدها لأداء الحكومة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ليتسم بمزيد من الموضوعية وليربط على سبيل المثال بين تعثر الإصلاح الديموقراطي وشيوع الفساد وغياب العدالة الاجتماعية، 2) بلورة بدائل سياسات محددة للسياسات الحكومية وصياغة رؤية إستراتيجية تتجاوز العموميات وذات إطار زمني واضح لكيفية الانتقال نحو الديموقراطية في حال نجاح المعارضة في الدفع باتجاهها، 3) إظهار التمايزات بين قوى المعارضة إن لجهة الملفات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى أو في ما خص قضايا المواطنة ودور الدين في السياسة والحياة العامة. نزوع المعارضة، ومعها العديد من النشطاء والمثقفين، للتأكيد على الأجندة المشتركة – الجبهة الواحدة ضد نخبة الحكم – والنهج التوافقي ليس بكافٍ في هذا الصدد ويتجاهل احتياج المواطنين لإدراك المواقع المختلفة للوفد والإخوان والغد والجمعية الوطنية والدكتور البرادعي.
الجوهر السلبي ذاته أضحى يعبر عنه توظيف قيادات المعارضة لمقولات من شاكلة “دمج جميع القوى في الحياة السياسية” و”حق الجميع في المشاركة” و”رفض استبعاد القوى الموجودة على الأرض طالما التزمت بقواعد التعددية” وغيرها. فمثل هذه المقولات، وهي لا غبار عليها بصورة مبدئية إذ تعبر عن جوهر ديموقراطي أصيل، تنقلب إلى أداة تجهيل حين توظف لتغييب القضايا الخلافية بين قوى المعارضة أو حال استخدامها لتقديم تبريرات شديدة السطحية لانفتاح الليبراليين على اليسار وتقارب أنصار العلمانية مع الحركات الدينية.
والحصيلة هي فضاء عام به من الاجترار المستمر لعموميات حديث التغيير والديموقراطية ما أصبح يكفي المصريين لأعوام كثيرة مقبلة، وحياة سياسية يتسم فيها فعل المعارضة الحزبية وغير الحزبية بالفوضى وغياب الوضوح الإستراتيجي وعلى نحو مؤلم. فيا لسعادة نخبة الحكم بمعارضة كهذه ويا لدقة اختيارها بتجاهل المعارضة وفوضى حديثها والثبات على اختياراتها دون تباطؤ أو تراجع
( باحث مصري في مركز كارنيغي للسلام)
النهار