صفحات العالمما يحدث في لبنان

ما قبل قمة دمشق السعودية – السورية… وما بعدها!

بقلم محمد مشموشي
من السابق لأوانه توهم، حتى مجرد توهم، أن تكون مجموعة الأدواء العربية(هي في الواقع أوبئة تنتشر وتنتقل مع الهواء) قد وجدت علاجا ناجعا لها، لكن مما لا شك فيه أن جرعة لا بأس بها من الأوكسيجين قد حقنت في الجسد المريض.عملية الانعاش، كما يعرف الجميع، انطلقت في قمة الكويت الاقتصادية قبل حوالى عام ونصف العام بمبادرة من الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز تحت عنوان”عفا الله عما مضى”، وبدا أخيراً أنها تجسدت واقعا على الأرض في قمة دمشق مع الرئيس السوري بشار الأسد، ثم في قمة بيروت بعدها بيوم واحد مع الرئيس اللبناني ميشال سليمان محاطا برئيسي مجلسي النواب والوزراء نبيه بري وسعد الحريري.
واذا كان طبيعيا أن يظهر لبنان، كقضية متفجرة أو قابلة للانفجار في أي وقت، في مقدم جدول أعمال القمتين، فمن غير الطبيعي توهّم أن “التوافق” – أو حتى “عدم التوافق” الكلي– في القمتين، وما قبلهما في القمة السعودية – المصرية، وقف عند الباب اللبناني ولم يتجاوزه الى غيره من الأبواب المقفلة في المنطقة عموما وفي العالم العربي بشكل خاص.
ذلك ان منطق الأمور من جهة، وحاجة السعودية وسوريا ومصر فضلا عن لبنان من جهة ثانية، يفترضان رغبة الأطراف جميعها باجتراح العلاج – أو أقله الانعاش بالاوكسيجين – انطلاقا من حقيقة أن لا بديل من ذلك، وأن المرحلة السابقة نفسها أكدت تكرارا هذه الحقيقة. وصحيح أن الخلافات على الساحة العربية وبين دولها الفاعلة كبيرة، الا أن الصحيح أيضا أن استمرارها أدى في الماضي، ومن شأنه أن يؤدي لاحقا، الى المزيد منها ولا شيء غير ذلك اطلاقا.
في لبنان، لا حاجة الى القول ان السعي للتهدئة بين السعودية وسوريا، ولهما فيه ما يعرفه القاصي والداني من علاقات ونفوذ، ربما كان أقصى ما يطلبه اللبنانيون منهما في الفترة الحالية. وليس مغاليا اعتبار أن الوضع اللبناني، قبل أيام من القمة، كان أشبه بقنبلة موقوتة لا يعرف أحد متى وكيف تنفجر. وحتى لو صدقت النظريات التي ربطت بين استعجال عقد القمة و”الحرب” الكلامية التي شهدها لبنان حول المحكمة الدولية والقرار الظني الذي ينتظر أن يصدره المحقق الدولي بقضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فليس من شك في أن القمة ساهمت في وقف هذه الحرب، أو في تأجيلها على أقل تقدير. لكن من تبسيط الأمور الاعتقاد بأن القمة بحد ذاتها لم تكن أبعد من المحكمة وقرارها الظني، وحتى أبعد من الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة، بعد أن تأكد مرة تلو المرة أن قضية لبنان لم تعد لبنانية محلية، ولا حتى سعودية – سورية فقط، وانما باتت قضية اقليمية بل ودولية بامتياز.
وبهذا المعنى، فالتوافق بين الرياض ودمشق حول لبنان يكون جزءا من “توافق” أشمل بينهما على القضايا الأخرى في المنطقة(أو بعضها على الأقل) أو لا يكون. ولأن القضايا الأخرى هذه كثيرة ومتشعبة ومتداخلة، فضلا عن أنها أكثر تعقيدا لعلاقتها بمستقبل المنطقة لأجيال وربما لقرون، فليس سهلا الظن بأن يكون قد تم التوافق حولها كلها، أو حتى مجرد التهدئة، قبل مرور فترة كافية من الوقت.
وصحيح أن مسيرة التقارب بين البلدين قد بدأت قبل ما يقرب من عامين، وجرت في أثنائها مياه غزيرة بين عاصمتيهما، لكن التباينات بينهما، سواء في ما يتعلق بالموقف من ايران أو العراق أو فلسطين، لم يظهر أنها زالت أو حتى تضاءلت. فالى ما قبل دمشق بأسابيع، كان الخطابان السعودي والسوري يتحدثان عما يسميانه “محور الممانعة” الذي تقيم سوريا في قلبه الى جانب ايران، وفي المقابل عن “حلف الاعتدال” الذي تقيم فيه السعودية الى جانب مصر والأردن… فضلا عن الولايات المتحدة الأميركية والغرب عموما.
فماذا حدث في المنطقة، وبين السعودية وسوريا بالذات، في خلال هذه الأسابيع؟!
غالب الظن، أن عاملين اثنين (هما في الواقع عامل واحد) طرآ على المنطقة في هذه الفترة، وكانت لهما ارتدادات على موقف كل من الملك السعودي والرئيس السوري بإزائهما، أو في مواجهتهما، استعدادا للمرحلة المقبلة وما قد تحمله من تطورات الى المنطقة:
أولهما، تضييق حبل الخناق الاقتصادي والسياسي على ايران، بموافقة المجتمع الدولي كله هذه المرة، وشيوع معلومات عن خطط عسكرية وضعت فعلا في الأدراج في ما لو لم تؤدِّ العقوبات الى ما يريده هذا المجتمع من ايران بشأن ملفها النووي وكثافة تسلحها الحربي.
وثانيهما، ارتفاع حجم ووتيرة الضغوط الدولية، والأميركية بشكل خاص، على اسرائيل من أجل كسر الجدار المسدود منذ تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو الحالية في ما يتصل بالقضية الفلسطينية أولا والأراضي العربية المحتلة الأخرى (الجولان ومزارع شبعا في هذه الحالة) ثانيا.
أما كونهما عاملا واحدا، فقد كشفته الصحف الاسرائيلية – “هآرتس” و”يديعوت احرونوت” أساسا – في تحليلها لطبيعة “العلاقات الجديدة” بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ونتنياهو عقب زيارة الأخير لواشنطن في الشهر الماضي. وفي هذا التحليل، أن الخلاف بين أوباما ونتنياهو في الفترة السابقة كان يتمحور حول ما وصفته الصحف ب”الاولويات” في النظرة الى المنطقة وطريقة التعامل معها، وأنه وُضع حد للخلاف في لقاء أوباما – نتنياهو الأخير على قاعدة موافقة أوباما على ترتيب نتنياهو لهذه الأولويات: الملف النووي الأيراني أولا، ثم يأتي بعد ذلك البحث بموضوع الصراع العربي – الاسرائيلي.
لكن الصحف الاسرائيلية، التي تساءلت عن “الثمن” الذي دفعه نتنياهو في مقابل القبول بسلم أولوياته، تحدثت عن حركة جدية في الوقت ذاته (وليس في ما بعد، كما كان يرغب نتنياهو) على صعيد القضية الفلسطينية… لدرجة أن “هآرتس” نقلت عما وصفتها بـ”الدائرة المغلقة” حول نتنياهو توقعها أن يحدث تقدم فعلي في المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية قبل مرور عام على استئنافها.
لا حاجة الى أخذ هذا الكلام كما هو، لكن رسالة أوباما “الفجة” الى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وتهديده بعواقب رفضه العودة الى المفاوضات المباشرة، في ما لو قرر ذلك، من شأنها أن تؤكد هذا الكلام بشكل أو بآخر. كذلك زيادة العقوبات بصورة غير مسبوقة على ايران من جهة، وحديث القادة العسكريين الأميركيين العلني عن “خطط جاهزة” لضربها من جهة ثانية، وارتباك الحكم في ايران بين اقتراح استئناف التفاوض مع مجموعة 5+1 بعد شهر رمضان أو قبله، أو فورا كما قال رئيس الوكالة الدولية للطاقة النووية أخيرا، من جهة ثالثة.
لكن هل تقف القمة السعودية – السورية عند هذا الحد؟
مما لا شك فيه أن الوضع في العراق، وعجز القوى السياسية حتى عن تشكيل حكومة فيه بعد أكثر من خمسة شهور من اجراء الانتخابات النيابية، وازدياد الانقسام بين الضفة الغربية وغزة، والتدهور المستجد في اليمن بعد عودة الاشتباكات بين السلطة والحوثيين، فضلا عن الوضع في لبنان طبعا، كانت كلها في أساس رفع وتيرة التقارب بين الملك عبد الله والرئيس بشار الأسد.
والسؤال الذي يطرح هنا هو: أين القاهرة، ونظام الحكم فيها، من ذلك؟
يجدر القول انها ليست بعيدة، أو يجب ألا تكون كذلك، أقله بدليل انتقال الملك عبد الله منها الى دمشق وليس العكس على سبيل المثال.
والسؤال الآخر: هل هي مجرد “تهدئة” بين أطراف النظام العربي؟ حتى لو كانت كذلك، فهي تستحق العناء في مواجهة ما يعانيه الجسد المريض.

(صحافي)
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى