نحن مشاهدون أغبياء.. بعيد عنكم
خطيب بدلة
التداوي بالأدب
مساء الثلاثاء العاشر من آب (أغسطس) الحالي.. بثت محطة المرأة العربية (هي) حواراً مباشراً مع طبيب من جماعة الطب البديل والتداوي بالأعشاب، وكان بين المتصلين بالاستوديو عبر الهاتف امرأة سألت الطبيب عن أفضل دواء، أو خلطة من شأنها تنويمُ الإنسان المصاب بالأرق، فذكر لها اسم الدواء العشبي الذي ينصح به!
إنني أعتقد أن تلك المرأة العربية المسكينة قد أخطأت في العنوان، أو كانت غلطانة بالنمرة- كما يقول أشقاؤنا المصريون- فقد كان بإمكانها أن تخاطب أي حاكم من حكام الدول العربية المناضلة، أو دول العالم الثالث، وتسأله عن الخلطات والعقاقير التي يستعملها حضرتُه في تنويم شعبه نومات أهل الكهف.. ولا شك في أن خلطته ستكون ناجعة، باعتبار أنها: مُجَرَّبة!
كما يمكن أن يُعَالَجَ الأرقُ لدى طبيب عربي، يقيم في إحدى الدول العربية المناضلة.. عُرِفت عنه مقدرته الهائلة على مكافحة الأرق، بلا دواء.
وحكاية هذا الطبيب، كما تناقلتها صفحات الإنترنت، غريبة جداً: فلقد جاءته امرأة صبية جميلة، لا يبدو عليها أي أثر للأمراض والعلل والبلاوي الزرقاء، وطلبت منه دواء للأرق، فكتب لها أسماء بعض الحبوب والعقاقير، وقال لها: استخدميها وراجعيني بعد أيام.
تناولت المرأة العقاقير فلم تستفد منها، وعادت إلى الطبيب فأعطاها دواء عياره أثقل من سابقه، لم تستفد منه، فأعطاها حقناً وحبوباً زعم أنها قادرة على طرح البعير أرضاً.. ومع ذلك لم يغمض لها جفن.. ووقتها جلس يدردش معها، عسى أن يستطيع معالجتها نفسياً.
ومن حديث لحديث.. سألها عن شغل زوجها. فقالت بلا حماس: بلا قافية.. كاتب!
قال: عفواً، أي نوع من الكتاب هو؟
فقالت: اتركها لله يا دكتور، فأنا لا أشتري كتاباته بمتليك، فهو من النوع المنافق، أو كما يقول هو عن نفسه (مناضل.. حَرَّاقة).. ولعلمك فإنه يُشهر كتاباته العامرة بالخطابات الإنشائية سلاحاً في وجه معارضي السلطة في بلدنا.. والسلطة بدورها تعتمده كبوق إعلامي لها، ونتيجة لهذا فهو يأكل حقوق أمثاله من كتاب في البلد، ويأكل ثلثي الباطل أيضاً.. وأنا بصراحة أكرهه وأكره كتاباته، ومنذ زمن بعيد لم أقرأ له شيئاً.
استوعب الطبيب الموقف، وطلب منها أن يرافقها زوجها في الزيارة القادمة، وأن يُحضر معه بعض مؤلفاته.
وحينما تمت الزيارة طلب الطبيب من الزوج الكاتب أن يقرأ له شيئاً من نصوصه.. ففعل..
أول سطر والثاني، تثاءبت المرأة المريضة.. ثالث سطر والرابع تثاءب الطبيب. خامس سطر والسادس نامت المرأة التي لم تنم منذ زمن طويل، ثم نام الطبيب، والممرضة والزبائن المنتظرون أدوارهم في غرفة الانتظار. وحينما استيقظوا قال الطبيب للمريضة:
ـ يا حرام عليك يا مدام! دواؤك في متناول يدك ومع ذلك تبعزقين مالك ووقتك في عيادات الأطباء!
الشهداء المنتحرون
عَرَضت المحطاتُ اللبنانية يوم الأربعاء (11 / 8)، وقائع المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الدفاع اللبناني الياس المر على الهواء مباشرة.. وقد لفتت نظري، وأنا أصغي إلى تصريحه عبارة توضح أنه- وعلى الرغم من كونه وزير دفاع – مؤمنٌ بحرية الرأي، وضرورة الحفاظ على حرية وسائل الإعلام اللبنانية المرئية والمسموعة والمقروءة.
ولكنه طالبَ بأن تكون هذه الحرية مسؤولة، فلا يشتطَّ السياسيون والمراسلون والمحللون والصحافيون في اللف والدوران حول الموضوعات المطروحة، وألا تكون لهم غايات وخلفيات غير معلنة.. فهذا الشطط، المترافق مع الغايات والخلفيات، قد يوصلنا إلى القول بأن سعد الحريري- مثلاً- هو الذي قتل أباه!.. وأن بيير الجميل لم يتم اغتياله، بل انتحر! وأن جبران تويني قُتل بحادث سيارة!.. وهكذا دواليك.
الحديث صريح جداً، وطريف جداً، لا بل إن المرء لا بد أن يلاحظ النبرة الساخرة التي يشف عنها.. وقد ذكرتني هذه النبرة بحكاية طريفة تحكى عن رجل ينتمي إلى أحد المذاهب التي تمجد الإمام علي بن أبي طالب..، ولكنه رجل عَلماني، يكره الطائفية والمذهبية، ويحب أن يكون انتماء الناس في بلاده إلى الوطن، وألا تفرق بينهم هذه التناقضات الإثنية البغيضة.
وفي يوم من الأيام ولدت زوجته صبياً، وطلبت منه أن يقيم له احتفالاً، وأن يأتي بشيخ يقرأ له ما تيسر من سيرة الإمام الشهيد ‘الحسين’.
حاول ثنيها عن هذا الأمر، ولكنها أصرت، فذهب بسيارته إلى إحدى القرى المجاورة، حيث يوجد شيخ خبير بالقراءة والتلاوات في هذا النوع من الاحتفالات.
في طريق العودة، والشيخ راكب إلى جواره في السيارة، أعطاه مبلغاً من المال، كأجر مدفوع سلفاً. ثم نقده بمبلغ إضافي وقال له:
– شيخي الله يخليك، لا تأتِ بسيرة أبي بكر الصديق. أنت تعلم أن هذا الرجل كان مخلصاً للإسلام، وحارب المرتدين، وله مزايا كثيرة.
هز الشيخ رأسه، من دون أن يقول شيئاً، وأما صاحبنا فقد أخرج مبلغاً إضافياً آخر، ناوله للشيخ وقال له:
– ولا تنس، يا شيخي، أن عثمان بن عفان نَقَّط المصحف الشريف، وكان يضحي بماله في سبيل الإسلام. وكذلك عمر بن الخطاب، ونحن في الأساس لا توجد مشكلة بيننا وبين عمر..
نظر الشيخ إلى الرجل بارتياب، فوجده جاداً فيما يقول.. ولم يكتف بذلك، بل نقده مبلغاً أكبر من المال وقال:
– وأما بالنسبة لمعاوية..
لم يتركه الشيخ يكمل كلامه، إذ قال باندفاع:
– شو هالحكي يا أستاذ؟ يعني بدك ياني أقول إن سيدنا الحسين قُتل بحادث سيارة، وان الحادثة قيدت ضد مجهول؟!
بقي الرجل على ثباته وقال: إذا قلت إنه قتل بحادث سيارة أحسن من الأحاديث التي تثير النعرات وتزرع البغضاء بيننا نحن المواطنين في هذا البلد.
الكمساري وباص الاخوان
أصاب المخرج ناجي طعمي كبد الحقيقة حينما اعتبر أننا، نحن المشاهدين، نتمتع بصفتين نادرتين، الأولى هي الغباء المُرَكَّز، والثانية هي ضعف الذاكرة.
ففي الحلقة الأولى من مسلسل (بقعة ضوء، الجزء السابع) الذي ابتدعه المخرج المتميز ‘الليث حجو’ ثم استولى على فكرته لفيفٌ من المخرجين متوسطي الموهبة أمثال سامر برقاوي وناجي طعمي، وأنتجوا ستة أجزاء لاحقة.. قدم لنا السيد (طعمي) لوحة تعتمد في المقام الأول على غبائنا وغفلتنا، من أجل أن نستوعبها، ونوافق على واقعيتها، ثم نضحك على الأحداث التي أوجدها حضرته خصيصاً لأجل إضحاكنا.
في هذه اللوحة نجد السيد أيمن رضا متزوجاً من السيدة أمل عرفة، وهو يعمل بصفة (دوبلير) للممثلين النجوم الذين نراهم في المسلسلات السورية، والجيران يرونه قادماً إلى البيت بصحبة زوجته، مرة وهو يرتدي ثياب فلاح، ومرة وهو يرتدي ثياب موظف، ومرة وهو يرتدي ثيابا من عصر تاريخي قديم..
ولأن الجيران أغبياء (مثلنا الخالق الناطق) فلم ينظروا مرة واحدة إلى وجه أيمن رضا، بل كانوا يركزون أبصارهم على ثيابه، ومن ثم أسعفهم غباؤهم على الاستنتاج بأن زوجته ‘عاهرة’ تمشي كل يوم مع رجل شكل..
ومع أن أهل الشام أناسٌ متحضرون، ولم يسبق لهم أن تدخلوا في شؤون جيرانهم، نجد الجيران يقتحمون منزله في وضح النهار، من دون إحم، أو دستور، أو إذن من النيابة، بقيادة نزار أبو حجر الذي يحمل في يده المرتجفة بارودة، ليعلنوا أنهم غير راضين عن تصرف المرأة الداعر (الداشر).. وبنباهة عالية المستوى من السيد أيمن رضا، يفهم اللعبة، ويذهب إلى الداخل، ويرتدي لباس عقيد في الشرطة ويخرج إليهم، قائلاً:
– أنتم لم تروا امرأتي وهي ماشية مع رجل يرتدي هذا اللباس. فيخافون ويتخلون عن حميتهم! في اللوحة التالية يعتمد السيد ناجي طعمي والكاتب موفق مسعود على ضعف ذاكرتنا، فيعيدان إنتاج لوحة قديمة من ‘بقعة ضوء’ كتبتها الأديبة كوليت نعيم بهنا، فيرينا ممثلي الدول العربية جالسين في اجتماع وكل واحد يتحدث بلهجته عن أفضلية بلده (أو دولته العربية) في إنتاج الحضارة.
وكما يتوقع الولد الصغير، بالغُ الفطامَ – على حد تعبير زعيم المنافيخ العرب المرحوم عمرو بن كلثوم- فإن المشهد الرئيسي في اللوحة ينتهي باشتباك السادة العربان المختلفين بالرأي مع بعضهم في مشاجرة نُفذت بطريقة توحي بضعف قدرة المخرج على إدارة المجاميع.. وكتصعيد درامي (عفواً.. كوميدي) للوحة، يؤتى بالممثل صباح عبيد ليقول لزميل له إنه قرأ المقالة التي تحمل عنوان (الوحشة العربية).. فيقول زميله إنه يعتقد أن في المقالة خطأ مطبعياً، فربما كان المقصود هو (الوحدة العربية).. فيؤكد صباح عبيد: بل إنها (الوحشة العربية)!
الله تعالى يرحم تراب الفنان محمود جبر. صحيح أنه كان يتلاعب بالألفاظ في مسرحياته، إلا أنه كان يقدم لنا الشيء الذي يعجز فريق بقعة ضوء الحالي عن تقديمه.. وهو الضحك.
وفي اليوم الثاني من رمضان قدموا لنا لوحة عنوانها (قلة ذوق) تحكي حكاية ميكرو باص فيه حوالي سبعة ركاب كلهم- بالمصادفة المحضة- قليلو ذوق.
هذه اللوحة ذكرتني بطرفة سمعتها عن عنصر مخابرات يعيش في إحدى الدول العربية، وفي ذات يوم حصلت مشاكل بين السلطة وجماعة الإخوان، وأصبح رجال المخابرات يطاردون مسلحي الإخوان ويقتلونهم، أو يعتقلونهم حيثما ثقفوهم.
ومرة.. دخل العنصر على معلمه مستبشراً فقال:
يا سيدي، جبت لك أوتوبيس كلو إخوان مسلمين.
دهش المعلم وسأله: عرفت ازاي إنهم إخوان؟
فقال: سمعت الكمساري بيقول ادفعوا لنا فلوس يا (إخوان)!
‘ كاتب من سورية
القدس العربي