نظام بشار…نظام صدام … الصهر الذي خان

داود البصري

للانظمة الشمولية, جمهورية كانت أم ملكية, طقوس موغلة في السرية واساطير هائلة من التآمر والغدر بعضها يسجله التاريخ بعد ان تتبدد كل عوامل سريته بفعل الروائج الفضائحية النتنة التي لا يمكن اخفاؤها, وبعضها يظل حبيس الصدور والقصور ولا تعرف حقيقته الا بعد عقود وعصور, وحكاية النظام السياسي العربي مع الغدر والغادرين حكاية طويلة يتداخل فيها التاريخ بأساطيره الشرقية بالسايكولوجيات السلوكية للمسؤولين من المقربين الذين تضعهم الاقدار في سدة المسؤولية ووفق حرية تحرك شاملة وحدود غير محددة للسلطة وممارساتها واساليبها, وحكاية المؤامرة الداخلية الاخيرة للنظام في دمشق ومحاولة الانقلاب التي قيل ان صهر الرئيس السوري السيد آصف شوكت كان يقف وراءها والهادفة لخلع الرئيس وهيمنة اصف شوكت على السلطة ليست الحكاية الاولى ولن تكون الاخيرة في سلسلة من الحكايات والروايات والدسائس والمؤامرات التي تعيش على ايقاعاتها جميع الانظمة الشمولية في العالم وحيث ان الشعب والجيش وكل شيء متحرك في تلك الانظمة تعمل لخدمة النظام ولا شيء آخر, ومن يعرف بطبيعة تلك الانظمة وتركيبتها السلطوية الخاصة المؤطرة ضمن السياق العائلي يعلم جيدا بصعوبة اختراقها من اي طرف اخر خارجي من غير (عظام الرقبة) من الاهل والعشيرة وحتى الطائفة, فمراكز السلطة الحيوية بيد الاقارب, واجهزة المخابرات بارقامها المختلفة وتصنيفاتها المتفاوتة ومهامها المتعددة والمتنافسة مرتبطة بخيوط تؤدي لقيادة مركزية واحدة ولا هم لها في النهاية سوى هدف ستراتيجي واضح ومحدد وهو حماية النظام السياسي وضمان استمراريته فقط لا غير, وكانت عقدة وعقيدة استمرار الوجود في السلطة هي الستراتيجية الذهبية للنظام السابق والبائد في العراق الذي كان متقوقعا في كينونته العائلية المغلقة وجامعا كل مفاتيح السلطات في يده وعن طريق الاهل والاقارب وفشلت المعارضة العراقية السابقة في اختراقه باي شكل من الاشكال رغم كل الهزائم الخارجية المريعة التي مني بها وكلفت العراق والمنطقة الشيء الكثير الا انه بقي صامدا في وجه كل محاولات الانقلاب العسكرية من الضباط المناوئين او من البعثيين الحانقين, وكانت المحاولة الوحيدة التي هزت اركان النظام واصابت كرامته ووحدته الداخلية في مقتل هي قضية هروب صهري الرئيس السابق صدام حسين (حسين وصدام كامل) لخارج العراق في صيف 1995, ولم تكن محاولة انقلابية ابدا, بل كانت هروبا للخارج من اجل الاستعانة بالمساعدة الدولية لاسقاط النظام ! فلما فوجىء الصهران بعدم الرغبة الدولية والاقليمية باسقاط وتغيير النظام في تلك المرحلة صدما بالوقائع وعادا نادمين لعمهما الدكتاتور ليعدما بشكل وحشي وبرصاص وسكاكين العشيرة في فبراير 1996 في عملية اسدل عليها التاريخ ستائر النسيان ولم يعد يذكرها احد اوحتى يحاول تذكر فصولها لانها كانت محاولة عبثية ساذجة اشبه بالعاب الاطفال وعبرت عن قوة الحصانة الداخلية للنظام الذي لم تسقطه فيما بعد الا اعتى قوى عسكرية في تاريخ البشرية وهي الولايات المتحدة وحيث ما زالت الحرب دائرة حتى اليوم, اما السيد اصف شوكت السوري فحكايته مختلفة بالمرة فهو ليس ساذجا وغبيا كسلفه العراقي حسين كامل الطارىء على المؤسسة العسكرية والجاهل في علوم العسكر والسياسة وكل شيء, بل هو عسكري طموح ومشاكس تمكن من التسلل للحلقة الداخلية الضيقة للعائلة الحاكمة في الشام واستطاع رغم المعارضة الشديدة من شقيق الرئيس ماهر الاسد ان يتبوأ اخطر المناصب العسكرية التي تحمي النظام وهي المخابرات العسكرية وان يكون مطلعا بالتالي على كل الملفات الحساسة والخطيرة سواءا في لبنان اوفي ملف العلاقات الخاصة جدا مع النظام الايراني الذي بات يضطلع اليوم بمهمة مقدسة وهي حماية حليفه المركزي النظام السوري من اي مخاطر انقلابية محتملة ووشيكة, فذهاب النظام السوري لاي سبب من الاسباب معناه النهائي هزيمة واضحة وضربة قاصمة للمشروع الايراني في الشرق الاوسط, خصوصا وان الضغوط الدولية هائلة وملف المحكمة الدولية بشان قضية مصرع الرئيس رفيق الحريري ما زالت سيفا مسلطا على رقاب العديد من الضباط السوريين وفي طليعتهم السيد اصف شوكت, اما دور حزب الله الاستخباري الستراتيجي في المنطقة والذي قيل بانه السبب في كشف كل اوراق المحاولة الانقلابية فهو دور معروف اذ من المسلم به بان جهاز حزب الله الاستخباري بات اليوم يعتبر المنافس الاكبر لجهاز الموساد الاسرائيلي بل المتفوق عليه في بعض الزوايا وان ذلك الجهاز اقوى من جميع اجهزة المخابرات العربية لقدرته التنظيمية الهائلة ولطبيعة عناصره المتغلغلة والمنتشرة في كل مكان بدءا من القصور وليس انتهاء بالزوايا المظلمة في اميركا اللاتيتية, ولا تستبعد ابدا حكاية قيام عماد مغنية قبل مصرعه بكشف كل الاوراق امام الحليف الستراتيجي السوري وهو ما يفسر الغموض الشديد بشان نتائج التحقيقات المحجوبة عن ملف اغتياله وعلى بوابات جهاز المخابرات السورية في (كفر سوسة), في سابقة لم تعرف من قبل واثارت الكثير من التساؤلات, والحقيقة لن تعرف ابدا بل ستظل التكهنات سيدة الموقف!, والصراع على سورية سيظل احدى اهم محاور التحرك الاقليمي والدولي, وقضية الصهر الذي خان ستظل من التابوهات, اما محاولات الانقلاب فستظل هي الاخرى واحدة من ثوابت العمل السياسي في الشرق القديم المتأزم, رغم ان فرص نجاح الانقلابات باتت ضعيفة في ظل سيناريوهات تحرك دولية تتسم بالغموض والحيرة.. انها الدكتاتورية وهي تدافع عن ذاتها ووجودها, فالجميع يلتهم الجميع.

* كاتب عراقي

السياسة