بشّار الأسد يعيد توزيع السلطة في سوريا
جورج مالبرونوت
بإقصائه صهره الجنرال آصف شوكت، يرسل الرجل القوي في دمشق إشارةً الى المجتمع الدولي.
بمنتهى التحفّظ والسريّة، تمّ في الأمس القريب توزيع السلطة بين أعضاء الأسرة التي تحكم سوريا بيدٍ من حديد، أمّا الضحيّة الوحيدة لهذه اللعبة فهو صهر الرئيس بشّار الأسد، الجبّار آصف شوكت مدير المخابرات العسكريّة، الذي يتهمّه المجتمع الدولي بالتورّط في إغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005.
كشف مصدرُ ملّمُ بشؤون النظام السوري أنّ ” آصف شوكت وضع تحت الإقامة الجبريّة في منطقة قريبة من اللاذقية”. فهذا الرجل الذي وضع رجاله على رأس القوى الأمنية الأخرى بموافقة بشّار “دفع ثمن الإخفاقين”. الإخفاق الأوّل هو المتعلّق بالقصف الإسرائيلي للموقع النووي السوري في 6 أيلول، قرب دير الزور( في الشمال الشرقي)، والذي تمّ بفضل صور التقطها كرديّان يعملان لصالح الموساد الإسرائيلي للموقع. ويتابع الخبير أنّ “أشخاصاً اقتربوا من الموقع،في حين أنّ قوّات شوكت كانت هي المسؤولة عن حمايته”. أمّا النتيجة الأولى لهذا الخطأ، فكان انخفاض وزن الإستخبارات العسكريّة في الجهاز الأمني لصالح الإستخبارات العامّة برئاسة الجنرال علي مملوك. ويضيف المصدر “إنّهم أشخاص يتمتّعون بمظهر أكثر لياقة، لم يرتكبوا الكثير من الأعمال المشينة خارج سوريا”. وقرّر الرئيس السوري أيضاً “تأطير” صهره بإلحاق علي يونس به، الذي يعمل لحسابه مباشرةً.
سيناريو لوكربي
الإخفاق الذريع الآخر الذي ينسب الى شوكت هو إغتيال المسؤول العسكري الرفيع في حزب الله عماد مغنية، في 12 شباط في وسط الشارع في دمشق. فهل تمّ ذلك بتواطؤ محلي؟ وإن كان الجواب نعم، فإلى أي مستوى قد يرقى هذا التواطؤ؟ هذه الأسئلة تغذي إحدى أكبر الألغاز في الشرق الأوسط. مرة آخرى، يقع قسم من المسؤولية على الإستخبارات العسكرية التي أخفقت في مهمّتها كما أشارت أرملة عماد مغنية وكذلك الجنرال محسن رضائي، القائد الأسبق للباسداران الإيراني، مع أنه يُعتَبَر بين حلفاء دمشق.
ينطوي عزل شوكت غير النهائي بالضرورة، في إطار الجهود السوريّة لتجنّب الادانة الكبيرة التي قد تنتج عن المحكمة الدولية المكلّفة بمحاكمة قتلة الحريري قريباً. ويؤكّد مصدر دبلوماسي أنه قيل لشوكت: “لديك منزل جميل في الجبل، فابق فيه لحين صدور أمر جديد”، فهل نحن في صدد الشهود على فضيحة لوكربي جديدة، لفك الخناق عن دمشق؟ فوائد هذا ” التصرّف” تبدو واضحة بالنسبة لبشار: فقد همّش دور الإستخبارات العسكريّة، التي يتهمّها الغرب بزعزعة الإستقرار في العراق وفي لبنان. وقام بخطوة تجاه الولايات المتحدة التي جمّدت أصول وممتلكات شوكت، وتجاه فرنسا التي عبرت عن رفضها زيارته لها. ويضيف عالم بشؤون العلويين ” لا تنس منع أي شخص من البروز، تلك كانت الوصفة القديمة للأسد الأب التي يطبقها بشار على طريقته“.
هذا الإبعاد أوقع عائلة الأسد في دوامة من الخلافات. فشوكت البالغ من العمر 58 سنة يدين بجزء من نفوذه الى زوجته بشرى، الإبنة المفضلة لحافظ الأسد، غير أنّ أنيسة أرملة هذا الأخير وقفت هذه المرّة الى جانب نجليها بشّار وماهر أحد المسؤولين عن الحرس الرئاسي والذي يكنّ كرهاً كبيراً لصهره. والشائعة التي سرت حول رحيل عائلة شوكت الى الخارج، الى باريس أو أبوظبي صحيحة على الأرجح. فحسب متحدّث قديم لشوكت ” إنّهم يعرفون أعمال القذرة للنظام الذي قام على أيديهم”، وهو يشير كذلك الى مخاطر إبعاده “آصف رجل صلب، وهو أب القوّات الخاصة، ورجل يتمتع بقوّة تؤهله لشن هجوم مضاد بفضل تأثيره على العسكر“.
لا يمنع أن يكون عزل شوكت من بين الأوراق التي ستطرحها سوريا في إطار حلقة المساومة الكبيرة على النفوذ في الشرق الوسط، التي تأمل دمشق أن تتفاوض فيها مع الرئيس الأمريكي العتيد، أما أوراقها الأخرى فهي إستئناف المفاوضات مع إسرائيل عبر تركيا، بعد مساهمتها بقتل مغنية. فدون أن تعيد النظر حالياً، في تحالفها مع إيران و”حزب الله”، ترسل دمشق الكثير من الإشارات الى الغرب للخروج من عزلتها. فهل ستبدأ سوريا بتغيير عملي للعودة الى كنف الرعاية العربيّة؟ وفي هذا السياق اتصل نيكولا ساركوزي ببشار الأسد الأسبوع الماضي لدعم حركته تلك، مبديًا استعدداه لإرسال الأمين العام لقصر الإليزيه كلود غيون الى دمشق.
، لو فيغارو ، الخميس 5 حزيران 2008