صفحات العالمما يحدث في لبنان

رهان «14 آذار» على عودة سوريا…

جان عزيز
يحلو لرواد صالونات الفريق الأكثري السابق أن يكرّروا هذه الأيام قصة العلاقة بين بكركي ودمشق. يقولون إنه طيلة عقد ونصف من «عهد الوصاية»، كانت البطريركية المارونية في شكل دائم عرضةً لمحاولة تأثير رأي من اثنين: الأول حاول دائباً إقناع الصرح وأهله بأن «القضية المسيحية» في لبنان ليست مع سوريا، بل مع الشركاء الآخرين في الكيان والدولة والنظام، وأن المقاربة الفضلى لهذه «القضية» لا تقوم تحت عنوان «السيادة» ضد سوريا، بل تحت عنوان «الحفاظ على الوجود والشراكة» في وجه الجماعات اللبنانية الأخرى. ليخلص أصحاب هذا الرأي بالاقتراح على الصرح بضرورة «التعاون» مع دمشق للحفاظ على «الموازين» الداخلية و«الإفادة» من «الوجود» السوري نفسه لضمان استمرار «الشراكة» المسيحية في السلطة اللبنانية…
في المقابل، كان ثمّة رأي آخر معاكس، عمل طيلة ذلك العهد على إقناع بكركي بالنظرية المناقضة: لا مشكلة مع الشريك اللبناني في الداخل. كل المشكلة اللبنانية، وبالتالي المسيحية، هي مع سوريا. ولذلك فالحل يكمن في «إعادة إحياء الميثاق الوفاقي اللبناني»، وفي «تجديد معنى الصيغة» بما يسمح بخروج سوريا من لبنان على قاعدة «تسوية تاريخية بين البلدين»، وخروج لبنان إلى مواكبة الحداثة والعصرنة بتسوية تاريخية بين اللبنانيين، تنطلق من «ميثاق جديد»، وتنتهي بولوجهم «الدولة المدنية»…
باختصار، اقتنعت بكركي بالنظرية الثانية، وصدّت طيلة أربعة أعوام، خصوصاً بين عامي 2000 و2004، عروضاً كثيرة ورسائل وموفدين يحملون طروحات حول النظرية الأولى، وظلّت مقتنعة بصوابية خيارها حتى جاء يوم حساب البيدر: سنة 2005، خرجت سوريا من لبنان، وصارت المعادلة في بيروت قابلة للانتظام وفق الموازين اللبنانية اللبنانية. في هذه اللحظة بالذات، وجدت بكركي نفسها في حال تخلٍ من كل الذين وعدوا وتعهدوا وراهنت عليهم. عمد هؤلاء أولاً إلى ضرب قانون الانتخابات الذي أرادته، ثم قاموا بإنتاج مجلس نيابي لا علاقة لشراكتها فيه، بعدها ركبوا حكومة اقتصرت ميثاقيتها البكركوية على حقائب الصناعة والسياحة والشؤون… قبل أن يحاولوا إنجاز الانقلاب بإسقاط رئاسة الجمهورية، بلا تنسيق مع الصرح… هكذا، عاشت البطريركية ساعات مرارتها الأشدّ، وخيبتها الأقسى، منذ صرختها في 11 أيار 2005 حول «أعذر مَن أنذر»، وصولاً إلى اضطرارها إلى الدفاع عن ولاية إميل لحود الممدّدة. وبين اللحظتين ساهمت الخيبة البطريركية في انقلاب المزاج المسيحي وارفضاضه بشكل كبير عن الرموز المسيحية في فريق 14 آذار…
في صالونات 14 آذار هذه الأيام كلام وحماسة ورهان على مسار معاكس، وعلى خيبة ـــــ صدمة جديدة، مع تبادل الأدوار. يقولون إن الجوهر الأساس لموقف مسيحيي ذاك الفريق تمثّل في أن استمرار الضغط الداخلي والخارجي، هو السبيل لتسوية مسألة سلاح حزب الله بما يضمن عدم انقلابه على الميثاق اللبناني، كما لتحصين الخروج السوري بما يضمن عدم عودته. وفي المقابل ظهر خيار ميشال عون على الساحة المسيحية عنواناً مضادّاً على أساس «التفاهم» لتحييد السلاح عن صيغة الكيان، وحصره في صيغة الدفاع عنه و«التفاهم» نفسه لتكريس العلاقة بين بيروت ودمشق عند لحظة الجلاء بلا استعداء ولا استقواء…
حتى إن المتجادلين في صالونات 14 آذار يهمسون بتقديرهم لصدق عون في مسعاه واقتناعه النزيه والمتجرّد بصوابيته في العنوانين والمستويين. غير أن الرهان لدى هؤلاء هو على أن الطبقة السياسية اللبنانية لن تسمح لرهان عون بأن يصحّ، وعلى أن الانزلاقات المحتومة من بعض الخارج والخوارج لا بدّ أن تخطّئ خيار الجنرال. يراهن أهل 14 آذار على تحويل سلاح «الحزب» بعبعاً في الداخل، من 7 أيار، الآتي كل نهار، إلى بناء مسجد جبيل وطريق المطار… ويراهنون على تصميم بعض الطبقة السياسية على محاولة تكريس السفير السوري في بيروت، غازي كنعان جديداً، رغماً عنه وغصباً عن قرار دولته وقيادته، وخلافاً لمنطق التاريخ بأن الأخير قد مات وأن زمنه قد فات.
في صالونات 14 آذار رهان حتى على عودة الوصاية، لمجرد أن يقال لميشال عون: لقد أخطأت…
رهان بحجم كارثة، وهو ما يقتضي مواجهته، في عقول المراهنين، كما على أرضهم.
الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى